جسر: متابعات:
في 23 آذار/مارس 2019، أعلنت قسد سيطرتها على كامل مخيم الباغوز، وقضاءها على ما بقي من مقاومة فيه، وبالتالي انتصارها ومن ورائها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على تنظيم “داعش” في آخر معاقله؛ في ذلك الحين حجب بريق “اﻻنتصار” مأساة قلما خضعت ﻷي من أشكال التحقيق.
يروي ناجون من المعركة، وبينهم أشخاص من كلا طرفيها، ما يؤكد حدوث مجزرتين في المخيم؛ ارتكبت اﻷولى بسلاح المدفعية الثقيل التابع لقوات سوريا الديمقراطية مدعومة بطيران التحالف الدولي، فيما تمت الثانية بالسلاح الفردي أثناء تمشيط المخيم إثر سقوطه.
يوم السبت 16 آذار/مارس 2019، وفيما كان مخيم الباغوز مطوقا من قبل “وحدات حماية الشعب”، بعد استبعاد التشكيلات العربية في قسد من خط القتال اﻷول، عُقدت هدنة مع مقاتلي “داعش” بهدف التفاوض تمهيداً لاستسلامهم، لكنهم باغتوا مقاتلي قسد بهجوم فجر الأحد وقتلوا أربعين عنصراً منهم، الأمر الذي اضطر طيران التحالف للتدخل، واستدعاء تعزيزات إضافية، ومن ثم اتخاذ القرار النهائي بتدمير المخيم.
وبحسب شهادة أحد المقاتلين العرب في “قسد”، حصلت “المدن” على نسخة منها، جاء تنفيذ القرار انتقاماً دموياً، من قبل قائد في الوحدات يدعى ريفاس؛ حيث طلب، عن طريق رئيس غرفة العمليات، القائد باشور الذي يقدم الاحداثيات لطيران التحالف وأفواج المدفعية، غارات جوية بلغ عددها 44 غارة، كما طلب تمهيداً مدفعياً، نفذه فوج المدفعية بقيادة أوزان القادم من قنديل، استمر مدة 48 ساعة.
مساء اﻻثنين 18 آذار/مارس، وبعد التأكد من خلو المخيم من القادرين على القتال، جرى الاقتحام من قبل ثلاثة تشكيلات تابعة للوحدات، فيما اقتصرت المشاركة العربية على قوات “جيش الثوار” بقيادة أبو علي برد، أما المقاتلون العرب من أبناء المنطقة فكانوا في الخط الثاني، بحسب الشاهد، ولم يسمح لهم بالاقتراب حتى الفجر، حين طلب منهم القيام بعملية تمشيط ثانية؛ للتأكد من خلو المنطقة من عناصر “داعش”، من دون السماح لهم بالاقتراب من أي أغراض أو أشياء في المكان، أو تفحص الجثث. ويصف الشاهد المشهد بعد سقوط المخيم بأن الجثث المتفحمة والأوصال البشرية ملأت المكان، وأنهم لم يصادفوا خلال التمشيط أيا من مقاتلي التنظيم.
في شهادة حصلت عليها “المدن” لإحدى نساء عناصر التنظيم المقيمات في مخيم الهول، قالت إن صاروخاً وقع على خيمة فيها نساء وأطفال لتشتعل مع خيم أخرى في جوارها. وأضافت أن القصف طال مستودعات اﻷسلحة والذخائر؛ ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص، وأكدت أن أكثر القتلى كانوا من اﻷوروبيين.
وتضيف الشاهدة أن مقاتلي الوحدات منعوا أي صحافي من الدخول إلى الباغوز، قبل أن يُدخلوا جرافات دفنوا بواسطتها كل الجثث، بما في ذلك نساء ورجال مصابون، بعضهم إصابته غير خطرة لكنه لا يقوى المشي.
ويؤكد الشاهد اﻷول، أن جهازاً أمنياً تابعاً ل”قسد”، منعهم من دخول المخيم، حيث توقع مقاتلو الوحدات احتواءه على ما هو ثمين وسعوا للاستئثار به، ويضيف موضحاً “الثمين” الذي يقصد، أن الهدف الأهم بالنسبة لهم كان الأسرى الذين بحوزة “داعش” وعلى رأسهم الأب باولو دالوليو، إضافة إلى آخرين كان التنظيم يفاوض على إطلاق سراحهم مقابل خروج عناصره إلى البادية.
في تلك اﻷيام، حرصت “قسد”، ومن وراءها التحالف، على تصدير هزيمة التنظيم كنصر لوحدات حماية الشعب، وكان تحرير اﻷب باولو، وسواه من المختطفين اﻷوروبيين، يشكل أهمية كبيرة في صياغة صورة كهذه.
وعن مصير هؤلاء المختطفين، يقول الشاهد إنهم سيكونون في مقدمة الضحايا، فيما لو تأكد تواجدهم في المخيم؛ فالقصف المكثف لم يفوّت شبرا من ميدان المعركة، كما أن التنظيم درج على اتخاذ الرهائن دروعا بشرية لمقاتليه وعائلاتهم.
أفراد في أسر المختطفين يؤكدون تواصلهم، في أكثر من مرة ومن دون جدوى، مع قيادات في “قسد”، وأخرى في التحالف الدولي؛ أملاً في الوصول ﻷي معلومات حول أفراد عائلاتهم بعد سقوط آخر معاقل التنظيم دون الكشف عن مصير أي من المختطفين لديه؛ وبالتالي تلاشي آخر اﻵمال بسلامتهم، آمال كانت تتضاءل في كل مرة انسحب فيها التنظيم إلى موقع جديد؛ من حلب إلى الرقة فدير الزور والباغوز.
وأوضح رئيس “تحالف أسر المختطفين لدى تنظيم داعش” وأحد مؤسسيه خليل الحاج صالح ل”المدن”، أنه لا يملك أن يؤكد ما ذهب إليه الشاهدان؛ لكنه أشار إلى ما نقله صحافي بريطاني عن لسان قيادي في “قسد”، أكد أن التنظيم فاوضهم على عدد من المختطفين بينهم اﻷب باولو، والذي تربطه علاقة وثيقة بفراس شقيق الحاج صالح، المختطف لدى التنظيم أيضاً.