جسر – صحافة
وحينما سأله أحد الحضور عما إن كان سيخرج معهم في تظاهرة، أجابه بالقول: “أنا متظاهر”! وعن شعار “إسقاط النظام”، ربما صدم الجميع عندما قال: “فليبق بالانتخابات”!
العودة إلى تراث جودت سعيد، الذي رحل عن عالمنا، الأحد (30/1/2022)، ولقّبه السوريون بـ”غاندي الصغير”، تبدو في هذه الأيام أشد من ضرورية. فالظرف السوري العام ذاته، وفي واقع البلاد التي أصابتها كارثة عظمى تسبب بها الاستبداد، يملي عليهم مراجعة للمسارات التي مضت فيها ثورتهم، لا سيما انصياعهم إلى إملاءات عنف فرضه عليهم لجوء النظام إلى الحل الأمني كطريق وحيد لمعالجة الأزمة الحاصلة منذ البداية بسبب غياب الديموقراطية وسيطرة القسر على حياتهم، والاستبداد، وإلغاء الحياة العامة.
(مع الأب باولو)
كان جودت سعيد، ومنذ بداية الثورة، واضحاً في موقفه مما يجري، فهو داعية لاعنفي، حاول طيلة عقود دعوة المسلمين إلى مراجعة ثوابت بعضهم في اللجوء إلى القوة لحل استعصاءات حيواتهم، عبر سلسلة كتب كان عنوانها العام هو “سنن تغيير النفس والمجتمع”، أثارت بعض عناوينها وعبر طبعات كثيرة، جدلاً ونقاشاً بين القراء والعلماء المسلمين، ككتبه “حتى يغيروا ما بأنفسهم” و”لا إكراه في الدين”، و”مذهب بني آدم الأول” الذي يؤشر عنوانه الفرعي “مشكلة العنف في العمل الإسلامي” إلى طبيعة محتواه.
دوي القصف وأزيز الرصاص، وإيقاعات الموت المتصاعدة في البلاد الثائرة، كانت أعلى من الصوت العقلاني، المطلوب آنذاك في مواجهة جنون القتل، والإرهاب، وسائل أتى بها “السلطان” الذي ليس لديه صديق ولا أخ”. فمواجهة العنف بالعنف ستجعل الفعل ورد الفعل متساويين حقاً، وبما ينتج عنه المساواة بين الضحية والجلاد، ما سيؤدي إلى خلق فوضى، تتسبب بضياع الحق والتعمية على أصحابه. كما أن هذا سيجعل النظام ينتصر في النهاية، فهو متمرس في هذه اللغة، من خلال تملكه لعنف الدولة، وعبر تاريخه الدموي في قمع المعارضة، لا سيما تلك التي رفعت السلاح بوجهه (الطليعة المقاتلة)!