منى فياض
كثر الحديث مؤخراً عن انحياز الغرب وازدواجيته في وقوفه ضد اجتياح الرئيس الروسي لأوكرانيا، بأقلام عربية.
كتبت وغيري، الكثير، عن ذلك التحيز وعن أن الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان لا تتخطى حدود الدول الغربية عموماً. اشير إلى ذلك كي لا أتعرّض للمزايدة في محاولتي لفهم لماذا اختلفت ردود فعل تلك الدول تجاه غزو أوكرانيا عنه تجاه حروب البلدان العربية، وعن موانع هذه الأخيرة في أخذ زمام مصيرها بأيديها والتصرف بمسؤولية وشفافية تجاه شعوبها وتجاه بعضها البعض!؟
استنفرت الدول الغربية من أجل أوكرانيا وسارعت لتهيئة كافة الاستعدادات من أجل استقبال الهاربين من جحيم الحرب، مقابل رفض العديد منها استقبال اللاجئين السوريين والعرب إلى حد تركهم يغرقون في البحر أحياناً؛ فيما عدا ألمانيا التي استقبلت مليون لاجئ في فترة تولي ميركل السلطة ما جعلها تتعرض للانتقادات. ومعظمنا يدين أوباما، الحائز على نوبل للسلام!! عندما ابتلع خطوطه الحمر، وتفرج على المجازر في سوريا وهدمها، كرمى عيون الاتفاق النووي.
لكن ما لا أفهمه، ولا يقال، يتعلق بمواقف بعض المسؤولين العرب في تصريحاتهم التي قارنت معاملة تلك الدول للاجئين العرب والأوكران وأدانتها منتقدة ازدواجيتهم والتمييز في المعاملة الانسانية!!
فهل يحق لمسؤول عربي انتقاد الدول الغربية على عدم استقبالها “أشقاءه” اللاجئين في وقت أن بلاده نفسها لم تفتح أبوابها أو تتعامل معهم بأفضل مما فعلت تلك الدول؟
هل نسأل أنفسنا، لماذا يركب آلاف العرب سفن الموت في المتوسط هرباً من جحيم بلادهم التي لا توفر لهم العيش بكرامة؟ ولماذا لا يفكر اللاجئ العربي أصلاً باللجوء إلى بلد شقيق؟ ثم هل أبدت تلك الدول استعدادها لاستقباله أو قبلت كوتا معينة منهم كما فعل الغربيون وصولاً لكندا؟ هل استقبلوا سوى المتمولين وأصحاب رؤوس الأموال؟ فهل يجوز عندها انتقاد الدول الغربية وإعطائها الدروس؟
ثم هل أن اللجوء إلى أوروبا مستجد وبسبب الحروب؟ ألم تسبقه أجيال عديدة في تاريخ ممتد من الهجرة العربية إلى أوروبا مع الاثقال التي أفرزتها على الوضع الأوروبي، وليس أقلها استغلال الإسلام السياسي للمهاجرين العرب والعمليات الإرهابية الموصوفة، باسم الدين وباسم الإسلام، والتي أرّقت تلك البلدان!!
فلماذا لا يعالج المسؤول العربي وضع المواطن العربي كي لا يخاطر بالهجرة من بلاده إلى الغرب مع انه ينتقده ويهاجم سياساته وثقافته وانحلالها؟
جميعنا يعلم أن اللجوء السوري انحصر في لبنان وتركيا والأردن ومن ثم أوروبا. وقلة تم استقبالهم في سائر الدول العربية. إضافة الى أن البلدان المجاورة التي استقبلتهم حصلت على معظم المساعدات من المؤسسات النقدية الدولية أو الدول الغربية.
يطرح ذلك مشكلة الفقر والبطالة وغياب الديموقراطية والتنمية في البلدان العربية والعلاقات البينية المتقلبة والحدود المقفلة وسياساتها المتعارضة وعدم تعاونها إلى حد الصراع والقطيعة أحياناً ما يعرض أمنها الوطني للخطر.
تظل مسألة مقارنة احتلال أوكرانيا باحتلال سوريا واستنفار الغرب للدفاع عن أوكرانيا وتجاهل احتلال سوريا. هنا أيضاً مغالطات كبرى ومقارنات لا تجوز.
بوتين لم يحتل سوريا ويهدمها بقرار مفاجئ منه كما فعل مع أوكرانيا. بوتين جاء إلى سوريا بناء على طلب قاسم سليماني الإيراني الذي سبقه باحتلال سوريا، بغطاء من “الشرعية السورية” كما يعتبرها البعض.
إن ما يجمع بين الحالتين هو شخص بوتين وآلته الحربية فقط لا غير. والصحيح أنه مرّن آلته الحربية الوحشية في سوريا، ولما لم يلق أي معارضة من أحد، لا غرب ولا عرب، استسهل تطبيقها في أوكرانيا.
وبوتين لم ينفرد بقصف المدن السورية من طائراته، بل أن بشار الأسد و”شرعيته”، هو من استخدم البراميل المتفجرة التي ابتدعها بوتين لمهاجمة الشيشان، بعد أن تعاونا على استخدام مرفأ بيروت الذي تفجّر، لتخزين الأمونيوم لفبركة براميل موت هدمت البيوت والمشافي والمدارس والافران على رؤوس السوريين.
إيران وبوتين احتلا سوريا وهجّرا أهلها بطلب وتواطؤ من رئيسها وحكومته، وبظل صمت وارتباك عربي عميمين. وحتى الآن هناك دول عربية تعترف بشرعية الأسد وتريد إعادته الى حضن الجامعة العربية مصحوبا بإيران!! فلم العتب على الغرب؟!
في المقابل دافع الرئيس الأوكراني وشعبه عن بلدهم ووقفوا بوجهه دبابات بوتين الغازية وقاوموها!! فكيف لا تدعمه الدول الغربية التي شعرت أن التهديد طرق أبوابها؟ ولماذا لا تستقبل اللاجئين الأوكران، جيرانهم أو أشقاءهم بلغتنا، ويحملون نفس الثقافة ولا يملكون سوابق إرهابية أذاقت الدول الغربية الأمرّين؟
فأي وجه شبه بين الوضع في أوكرانيا مع سوريا؟ جاء الى سوريا لتثبيت “شرعية” الأسد، فيما أراد قلع الشرعية الأوكرانية، بعد نعتهم “بالنازيين الجدد”. الرئيس الأوكراني الذي تصفه بعض الأقلام العربية “بالمهرج”، يهودي، ويتهمه بوتين بالنازية!!
من هنا يمكن تفهم ردة فعل الأوروبيين الذين شعروا بالتهديد الجدي، بعد أن اعتقدوا أنهم تخلصوا من سياسات الاحتلال والحروب والاعتداء على سيادة الدول، مع موت هتلر النازي، إلى الأبد.
فهموا متأخرين أنهم من سمحوا بتفلت عنف وتنمّر بوتين، الذي راهن على ضعفهم وتفككهم جراء تهاونهم وصمتهم عن سوابقه في جورجيا والشيشان واحتلاله القرم وحربه على الشعب السوري. وللأسف استفاقوا متأخرين.
دعيت مرة إلى عشاء في احدى السفارات الغربية، وأبديت رأيي حول ما يجب القيام به لحماية الشعب السوري من القصف الجهنمي: “إقامة منطقة حظر طيران”. أذكر ان السفير علّق بما يشبه السخرية: لماذا لا تقوم الدول العربية بذلك؟ حينها تضايقت. مع الوقت أجد أنه رد منطقي ومناسب أمام الاعتراضات العربية على سلوك الغرب المزدوج. ألم تنقسم الدول العربية تجاه الثورة السورية؟ وهل تحركت جدياً لمنع اعتداءات بوتين، ومن خلفه الأسد وإيران؟
إن المآثر العربية أكثر من أن تعدّ في هذا المجال الضيق. لكني سأختم بالملاحظة التي أبدتها سيدة جنوبية، وقلبها “يقطر دماً وحزناً” على الشعب الأوكراني!! قالت محدثتي مشفقة: يتبين أن زيلينسكي أميركي، ما كان عليه الوقوف بوجه بوتين، ماذا استفاد من تدمير بلده؟ لماذا لا يقبل بالحياد ويسلم لبوتين بمطالبه؟
أجبتها، إذا أزحنا جانباً شيطنة أميركا ومساواتكم الإمبريالية بالنازية لتحميلها وزر تدمير بوتين لأوكرانيا!! هل أن مطالب موسكو من أوكرانيا واضحة ومعروفة؟ أم أنها تتغير كل يوم؟ هل تعين أنك تطلبين من دولة أوكرانيا الاستسلام أمام جيش غاز جاء ليحتلها بالقوة؟ ماذا لو سألتك لماذا لم يستسلم لبنان ويقبل بالاحتلال الإسرائيلي للبنان كي يتجنب الدمار الذي لحق به؟ لماذا يقاوم الشعب الفلسطيني الاحتلال حتى الان؟
غريب فكرة أن أحدهم يدين من يساعد بلداً في الدفاع عن نفسه في الوقت الذي ينتقده فيه لأنه لم يساعد الشعب السوري أو الفلسطيني!!
على كل حال، إذا قدر أن يكون لهذه الحرب من آثار إيجابية، فستنتج عن التحدي الذي تتسبب به صعوبة محاسبة موسكو عن جرائمها، في أوكرانيا وفي سوريا والشيشان وغيرها، بسبب الفيتو الذي تتمتع به في مجلس الأمن.
ربما ستتبلور في المستقبل آليات محاسبة تمنع احتكار الدول الكبرى لفهم الحق والعدالة بحسب مصالحها الخاصة.
فكرة محاسبة بلد على حقه بالدفاع عن نفسه.
المصدر: الحرة