يدور جدل كبير داخل مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة حول الخطوات التالية التي يمكن أن تذهب فيها واشنطن بحق إيران، بعد لجوء الأخيرة إلى رفع مستويات تخصيب اليورانيوم رداً على قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران وفرض عقوبات جديدة عليها.
يأتي ذلك بعد منح النظام الإيراني أطراف الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مهلة شهرين للإيفاء بالتزاماتها، مهدداً باتخاذ “الإجراءات الضرورية”، حيث أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 7 تموز/يوليو الماضي “أن طهران بدأت الخطوة الثانية من خفض التزاماتها بالاتفاق النووي، بموجب الفقرة 36 من خطة العمل المشتركة للاتفاق”.
وأمهلت إيران الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق 60 يوماً أخرى، للوفاء بالتزاماتها تجاه طهران بموجب الاتفاق، ستنتهي في السابع من شهر أيلول/سبتمبر المقبل.
ويوم الخميس الفائت، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن طهران ستبدأ الخطوة الثالثة من خفض الالتزام بالاتفاق النووي الموقع في فيينا، بعد أسابيع من إعلانها خفض التزامها بالاتفاق عبر رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 4.5 بالمئة بدلاً من 3.67% وتشغيل مفاعل آراك النووي، مضيفاً أن لدى إيران خيارات أخرى في حال لم تنفذ بقية الأطراف التزاماتها ضمن الاتفاق النووي.
جدل سياسي أميركي
وبينما تحاول أوروبا جلب الطرفين إلى طاولة الحوار، يدور جدل كبير داخل الأوساط السياسية في الولايات المتحدة حول الإجراءات المستقبلية التي يمكن تبنيها حيال النظام الإيراني، حيث يطالب الجمهوريون بفرض مزيد من العقوبات ضد طهران، بينما يرى جزء كبير من الديمقراطيين أن على واشنطن السعي لاحتواء إيران وعدم دفعها إلى طرق مسدودة.
وحسب الصحفي السوري في واشنطن إياد السعيد، فإن الجمهوريين والتيار المحافظ في الإدارة الأمريكية يرون أن تضييق الخناق على إيران هو السبيل الوحيد لمنعها من تطوير برنامجها النووي، ويعتبرون أن منح طهران مزيداً من الفرص سيؤدي إلى استفادة النظام الإيراني من الوقت والعائدات المالية لتطوير هذا البرنامج، كما حصل بعد توقيع الاتفاق النووي معها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
ويضيف السعيد في حديثه لتلفزيون سوريا: إن هذا التيار يرى أن تشديد العقوبات الاقتصادية على النظام في طهران “خيار فعال”، وأنه يجب توسيع دائرة العقوبات لتشمل كل أذرع إيران في منطقة الشرق الأوسط لتشمل كافة الشخصيات والميليشيات والقوى السياسية المرتبطة بها، وهو ما بدأ بفرض عقوبات جديدة على حزب الله اللبناني وشخصيات عراقية مرتبطة بطهران قبل أسابيع.
وأكد السعيد المعلومات المتداولة حول تجهيز الإدارة الأمريكية قائمة جديدة من الشخصيات العراقية والحشد الشعبي المرتبطين بإيران من أجل فرض عقوبات عليها، استكمالاً للقائمة الأولى التي شملت أربعة أسماء قالت واشنطن إنها على علاقة وثيقة بطهران وتسببت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في العراق.
في المقابل، يقول السعيد: إن غالبية النواب الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين يرون في تصريحاتهم لوسائل الإعلام أن هذا التصعيد “مبالغ فيه” ويمكن أن يدفع إيران إلى تصعيد مقابل بحيث تخرج المسارات عن السيطرة، في الوقت الذي لا يريد فيه أحد في الولايات المتحدة شن حرب عسكرية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، في حال أعلنت طهران بدورها أيضاً الانسحاب من الاتفاق النووي بشكل نهائي.
تصعيد إيراني
وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الثامن من تموز/يوليو الماضي، أن إيران بدأت بالفعل تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من تلك المرخص لها بها بموجب الاتفاق المبرم مع الدول العظمى في 2015. وقال المتحدث باسمها إن “مفتشي الوكالة تحققوا في الثامن من تموز من أن طهران قامت بتخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من 3,67%”، دون أن يحدد النسبة بدقة.
كما أكدت الوكالة في الأول من شهر تموز/يوليو الماضي “أن إيران تجاوزت قليلاً المستوى المرخص لمخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب المحدد بـ 300 كلغ”.
وجددت إيران تهديداتها أنها ستقوم بإعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتوقفة عن العمل وزيادة درجة نقاء تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة، ضمن خطواتها الكبيرة التالية المحتملة في إطار تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن في أيار من العام الماضي.
أوراق واشنطن
لكن التيار المتشدد ضد النظام الإيراني في الإدارة الأمريكية يقول إن واشنطن تراقب عن كثب هذه التطورات، وأنها مستعدة لاتخاذ إجراءات أكثر ردعاً لمنع طهران من تطوير برنامجها النووي.
وحسب الصحفي السوري في واشنطن إياد السعيد، فإن المحافظين في أمريكا يهددون بإمكانية توسيع العقوبات المفروضة على قطاع الوقود الإيراني، لتشمل إلغاء الإعفاءات الممنوحة لبعض الدول بتصدير مواد ومعدات وتكنولوجيا إلى إيران، تستخدم في برنامجها النووي.
كما تشمل الإجراءات الإضافية الأخرى التي تهدد بها الإدارة الأمريكية في حال إعلان إيران انسحابها بشكل نهائي من الاتفاق النووي في السابع من الشهر القادم، إعادة طهران إلى البند السابع من العقوبات الدولية.
ويعتقد السعيد أن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى يوم الجمعة الفائت، والذي جاء بعد رفض عرض روسي بتوقيع معاهدة جديدة لا يخرج عن هذا السياق، وهو إجراء موجه ضد روسيا و إيران التي كانت ستستفيد من غطاء روسي كدولة ضامنة للإيرانيين أمام المجتمع الدولي، وأن أمريكا تعلن اليوم أن الروس أنفسهم غير مسؤولين و ليس هناك جدوى من التعامل معهم كطرف موثوق به.
وينص الاتفاق النووي بين إيران من جهة ودول الخمسة+واحد من جهة أخرى، على إجراء مراجعات دورية للاتفاق الذي أخرج طهران من البند السابع عام 2015، وأن هذه الإجراءات هدفها التأكد من التزام إيران ببنود الاتفاق تحت طائلة إعادة فرض العقوبات عليها.
ويرى الحزب الجمهوري والنواب الداعمون للرئيس ترمب أن إعلان الأخير الانسحاب من الاتفاق النووي لا يعني تقويضه، بل بهدف تصحيحه ضمن إطار المراجعات المنصوص عليها في الاتفاق، بينما سيؤدي انسحاب إيران منه، حسب تهديداتها، إلى اعتبار هذا الاتفاق منتهياً وبالتالي عودتها أوتوماتيكياً إلى العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها قبل العام 2015 تحت البند السابع، حسبما يرون.
وجدل قانوني
وبقدر ما تثيره الإجراءات الأمريكية الإضافية المحتملة ضد إيران من جدل سياسي في واشنطن، فإن جدلاً قانونياً أثارته التهديدات بإعادة طهران إلى البند السابع من العقوبات الدولية.
يأتي ذلك في ظل انفراد الولايات المتحدة بموقفها المتشدد حيال إيران، وهو ما تعارضه دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين حتى الآن، الأمر الذي يجعل من التصويت على قرار جديد في مجلس الأمن لإعادة طهران إلى عقوبات البند السابع أمراً صعباً، بينما تبدو فرضية عودة هذا النوع من العقوبات بشكل آلي ملتبسة من الناحية القانونية.
الخبير السوري في القانون الدولي محمد صبرا أكد أن هذه الفرضية ممكنة بناء على تفاصيل القرار الذي كان مجلس الأمن قد فرض العقوبات على إيران بناء عليه عام 2006.
وقال صبرا في حديثه لتلفزيون سوريا: بعد إعلان إيران الصريح عن بدء تطوير برنامجها النووي عام 2002، وإثر فشل المفاوضات بينها وبين الدول الكبرى التي استشعرت بخطورة تحول هذا البرنامج إلى غايات عسكرية، ومع فشل المفاوضات صدر أول قرار ضد طهران في مجلس الأمن عام 2006 وهو القرار الذي يعتبر الأساس لسلسلة قوانين عقوبات أممية اتخذت ضد إيران، وأهمها القرار 1737 الذي نص على حظر تصدير المواد والتكنولوجيا النووية إلى إيران، ثم تبعه القرار ١٧٤٧ المتعلق بفرض عقوبات اقتصادية على طهران، ومن ثم توالت سلسلة القرارات التي تنص على تشديد العقوبات عليها بسبب انتهاكها معايير الوكالة الدولية للطاقة النووية.
وأضاف صبرا: الاتفاق النووي أو ما يسمى خطة العمل المشتركة الذي تبناه مجلس الأمن عام 2015 وأنهى بموجبه العقوبات المفروضة على إيران لم ينسحب منه الجانب الأمريكي بشكل نهائي، بل طالب الرئيس دونالد ترمب بتعديله ليشمل مد الفترة الزمنية وخفض مستوى التخزين المسموح به لإيران، وأن يشمل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وتعديل سلوك طهران السياسي، والعقوبات التي فرضها ترمب تبقى حتى الآن عقوبات أمريكية خاصة طالما لم يتم تبنيها من قبل مجلس الأمن الذي يجب أن يتخذ قراراً لكي تصبح هذه العقوبات دولية.
لكن صبرا أكد أن احتمالية عودة إيران بشكل أتوماتيكي إلى العقوبات الأممية التي كانت مفروضة عليها قبل العام 2015 ممكنة من الناحية القانونية في حال لم تقم بتنفيذ بنود الاتفاق، أي عندما تنتفي مبررات نفاذ خطة العمل المشتركة.
شهر واحد أو يزيد هو ما تبقى من المهلة الإيرانية التي منحتها للدول الأوروبية من أجل مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، لكن ورقة الضغط هذه قد تتحول إلى عامل ضغط على طهران ذاتها، التي قد تجد نفسها في ورطة في حال لم يتمكن حلفاؤها (روسيا والصين) بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، من إقناع الولايات المتحدة بتغيير سياساتها تجاه النظام الإيراني، والتي تشمل التوجه لفرض عقوبات جديدة على إيران في مجلس الأمن تحت طائلة البند السابع.
عقيل حسين-موقع تلفزيون سوريا