جسر: خاص:
يحل اليوم الثامن من حزيران الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد حارس الثورة، “عبد الباسط الساروت”، الذي استشهد عن عمر ناهز الـ 27 عاماً بعد إصابته في جبهات ريف حماه.
“جسر” تواصلت مع والدة الساروت وشقيقه فضلاً عن رفاق المظاهرات والسلاح، الذين تحدثوا عن أجمل اللحظات التي قضوها مع الساروت، وسط انشغالهم بالعمل الحثيث والاستعدادات لإحياء الذكرى السنوية الأولى لرحيله.
والدة الساروت تتحدث عن لحظات الصدمة والوداع
عاشت والدة “عبد الباسط الساروت” ألم الفقد منذ سنوات الثورة الأولى مع استشهاد ولدها الأكبر “وليد أبو ممدوح”، وتكرر ذلك مع بقية أبنائها الخمسة وأشقائها وعدد من أقاربها، وصولاً لرحيل عبد الباسط، أخر الشهداء من تلك العائلة التي تنحدر من حي البياضة الحمصي.
وتقول والدة الساروت في حديثها لصحيفة “جسر”، إن “فراق عبد الباسط يضاف إلى قائمة من الأبناء والأشقاء، قدموا أرواحهم في سبيل الثورة السورية”.
وتضيف “أخبروني بأنه مصاب لكن شعرت بفقدانه قبل وصولي إلى المستشفى في تركيا، خاطبني أحد رفاقه بأن يده وقدمه سيتم بترها، رددت عليه أنني مستعدة لتقديم يدي وقدمي بدلاً عما فقده عبد الباسط، وعندما علمت بالخبر، ودعته كما ودعت أشقاءه من قبله”، لافتة إلى أنه في أيامه الأخيرة كان يطلب منها أن تدعو له بالشهادة.
و تجسد والدة عبد الباسط شخصية استثنائية بدءاً من حث أبناءها على الحراك ضد نظام اﻷسد مروراً بالصمود بالرغم ما تعرضت له من فقد وألم وصولاً إلى رفض المساعدات المالية المقدمة لها، وإصرارها على إقامة حفل زواج جماعي لشبان من رفاق عبد الباسط حضرته بعد استشهاده، واصفة شعورها بشعور الأم التي تفرح بزواج أبنائها وتحتفل بهم.
شقيق حارس الثورة الراحل بقي وحيداً
وفي حديثه لجسر، قال “حسين ممدوح الساروت”، شقيق عبد الباسط، إن عائلتهم كانت تتألف من سبعة شبان وثلاث بنات، رحل منهم ستة وبقي وحيداً، ويبدو صوت حسين عبر الهاتف قوياً، متحدياً، رغم الإصابات المتكررة التي تعرض لها، وهو كشقيقه شارك في الحراك السلمي وصولاً للعمل المسلح، ومن ثم انتقل إلى تركيا برفقة زوجات أشقائه.
ويقع على عاتق “حسين” اليوم، رعاية والدته وباقي أفراد العائلة، وأبناء أشقاء عبد الباسط، الذين استشهدوا خلال سنوات الثورة، ويذكر أن حسين فقد طفلته، التي استشهدت وهي تبلغ من العمر عاماً واحداً جراء غارة جوية استهدفت مناطق بريف شمال حمص.
عصام الراجح: افخر بأني كنت أول من حمل الساروت على كتفيه
يقول “عصام أبو المنتصر”، وهو جار لعائلة الساروت في حي البياضة ورافقه في حصار مدينة حمص: “في المظاهرة الشعبية الأولى التي عمت حمص باتجاه ساحة الساعة وسط المدينة، وحين بدأ اعتصام حمص، حيث كان أول ظهور للساروت في الثورة محمولاً على الأكتاف، وكان لي الشرف الكبير، بأن عبد الباسط صعد على كتفي لأول في مسيرته خلال الثورة السورية”.
ويضيف أبو المنتصر “ردد المتظاهرون هتافات حماسية خلف عبر الباسط، ولن أنسى الشعار الأول الذي اطلقه (اضرب اضرب يا قناص هاي الرقبة وهذا الراس)، وبعد حمل السلاح شكلنا كتيبة ثوار البياضة الأحرار، وبعد عدت معارك مع النظام في أحياء حمص أعدنا تسمية الكتيبة إلى كتيبة شهداء البياضة”.
ويروي رفيق درب الساروت المراحل المختلفة التي مر بها الساروت ورفاقه، فمن الحصار ثم الخروج إلى الشمال، ثم إلى تركيا لبعض الوقت، ثم عودته وقيادته للمظاهرات في الشمال، لتليها عودته لحمل السلاح مجدداً، وتشكيل لواء حمص العدية، حيث استقر الجميع بريف حماة الشمالي.
ويصف أبو المنتصر تلقيه خبر اصابة واستشهاد رفيق دربه بالقول “في صباح 6 حزيران من عام 2019 تلقيت خبر إصابة الساروت، للحظات لم اصدق الأمر، بسبب كثرة الشائعات عن استشهاده بأعوام الثورة، لم استطع ان اتمالك نفسي تسارعت نبضات قلبي ودمعت عيني عندما شعرت لأول مرة اني سأفقده، اغلقت هاتفي وبدأت اذكر أول ايام الثورة والحصار وأيامنا الجميلة وبقيت يومين اعيش حالة من الانفراد والحزن وادعي ألا ن يفجعنا الله به، وفي ليلة 8 حزيران تكلمت مع شخص بجانبه بالمشفى بتركيا أكد لي أن وضعه حرج جداً ويحتاج الدعاء وبقيت مستيقظاً طوال الليل حتى تفاجأت بخبر استشهاده وهنا كانت الصدمة الكبرى”.
ويصف أبو المنتصر وقائع اليوم الأخير من حياة حارس الثورة بالقول: “كان في يومه الأخير في ريف حماة والتقيت به في مقر اللواء هناك، كان يجلس حزيناً جداً على غير عادته، وعند سؤالي عن السبب قال بعد المجازر يتم عقد الهدنة مع النظام!. وكان منزعجاً لعدم فتح معركة كبيرة ضد النظام، واسترجاع كل شبر احتله، وعدم توحد الصف بين الفصائل، لكن هذا لا يقلل من تفاؤله الدائم، وحماسه الثوري”.
وبحكم الجيرة يستذكر “الراجح” العديد من المواقف لعائلة الساروت بالعديد من المواقف أبرزها عند بداية الحراك الشعبي، وفي أول مظاهرة كانت الناس تخاف على أولادها وعلى نفسها ولكن كانت والدة ووالد الساروت على العكس تماماً، إذ كانت تشجعه هو واخوته على إيصال صوت الناس والمتظاهرين، لكل العالم عبر قيادة المظاهرات.
أما “عسل أبو عمار”، وهو قريب عبد الباسط الذي استقبله حين عودته من تركيا للمشاركة في معارك حلب، يقول إن “الأحرف والكلمات تعجز عن وصف الشهيد الراحل كان دوماً يمازح والدتي بأنه سوف يذهب بي إلى الجبهات”، ويقوم بتصفح الصور التي جمعته مع عبد الباسط واستذكار تلك المواقف.
الساروت والحرب الطويلة
وفي حديثه لـ “جسر”، يقول “أحمد العاتقي”، وهو ابن خال عبد الباسط الساروت، إن أبرز حدث في حصار حمص بالنسبة للساروت كان استشهاد شقيقه محمد، كان حينها في طريقه لخوض معركة صد هجوم للنظام، فدفن شقيقه و أكمل على محور حي الخالدية، وعندما شاهدناه رفض أن نعزي، وطلب أن نبارك له، وبدأ فوراً يخطط لصد جيش النظام، وكان يمنحنا العزيمة والصبر، لتحمل ظروف الحصار.
ويقول “العاتقي”أخر يوم كان لي معه قبل استشهاده بمدة قصيرة وقت التجهيز لمعركة تل ملح، حيث اعتاد أن يشاركنا العمل في التحصين والحراسة والرباط، فسألته عن موعد المعركة، فقال إنها ليست واضحة وطلب مني أن اذهب لبيتي لكي اجلب حاجات العيد وثياب العيد لإخواتي الأطفال، فطلبت منه أن يخبرني بتوقيت المعركة حتى أشاركه فيها، فقال لي إنها لن تكون أخر معركة لنا، فحربنا مع النظام طويلة، ولن تنتهي بمعركة واحدة”.
مرافقه في مظاهرات الشمال
وفي حديثه لجسر، يروي “مهند السعيد” وهو ناشط من معرة النعمان الذي رافق عبد الباسط في عدة مظاهرات ومباريات كرة قدم في الشمال السوري بعد تأسيس الساروت لناد رياضي يحمل أسم مدينة حمص، أن أكثر ما كان يؤثر به خلال معرفته بالساروت هو قدومه من ريف حماة إلى معرة النعمان دون سيارة خاصة، حيث يصعد مع أي عابر سبيل، وكثيراً ما يتصل باصدقائه عند وصوله إلى مشارف المدينة، ليقوموا باستقباله بواسطة دراجة نارية، ويرفض أن يقود السيارات الخاصة بلواء حمص العدية، المنضوي ضمن صفوف جيش العزة لكي لا يشغلها عن الجبهات.
وبنبرة مرتجفة يجيب “السعيد”، عن شعوره عند سماع نبأ إصابة عبد الباسط: “كنت أفكر بالاوجاع التي سيعاني منها بسبب اصابته، خاصة في فصل الشتاء القادم، لم أكن اتخيل أن تلك الاصابة ستكون الأخيرة”.
وأردف أن “الساروت زودني بالتسجيل الأخير له من محور تل ملح، واخبرني في محادثة على واتس آب عن فرحته للتقدم الحاصل، وأخبره بأنه بات مرتاح بسبب الرد على مجازر النظام في مدينتي كفرنبل ومعرة النعمان، وقال لي يوماً بعد استشهادي بخمسة أيام سوف تنساني يامهند”. ضحكنا وقتها واستكملنا الحديث، واستشهد فعلاً، لكن نبؤته لم تجد طريقها للتحقق أبداً.
استشهاد الساروت كان ضمن صفوف جيش العزة
العقيد “مصطفى بكور” المتحدث الرسمي باسم جيش العزة قال لـ “جسر”، “معرفتي بالشهيد كانت قبل انتمائه لـ “جيش العزة” لكن أول لقاء جمعني به كان عند زيارته لي مع عدد من رفاقه في منزلي بعد أيام من انضمامه لجيش العزة وكان لقاء مميزا حيث كان كل منا يتشوق للقاء الآخر وكانت جلستنا ودية تحدثنا فيها عن ذكرياتنا في حمص ولا أنسى قوله لي “يا عم بعد استشهاد ولدك محمد أرجو ان لا تعتبر حسين قد أصبح وحيدا لاننا كلنا أولادك وأخوة حسين، لك علينا حق الأب على أولاده، فلا تحرمنا شرف الانتماء لأسرتك، وقد كان لهذه الكلمات وقع مؤثر في نفسي لذلك ما زلت أنظر له بعد استشهاده كأحد اولادي”.
ومتحدثاً عن أبرز المواقف التي لا ينساها مع الشهيد قال بكور: “زارني ذات مرة في أحد المقرات، وبعد مغادرته عاد ليطلب مني صورة معي وقال لي مازحاً: “ربما يحتاجها أحدنا ليتذكر الآخر، ليقول لقد كنت يوما مع هذا الشهيد”، وأشار إلى أن الساروت كان ذو شخصية عسكرية متميزة رغم صغر سنه لكنه امتلك خبرة جيدة من خلال عمله العسكري في مدينة حمص أولا ثم في ريف حمص ثم مع جيش العزة، وكان يتقدم الصفوف شجاعا مقداما بلا تهور، و عاقلا بلا تهاون، محبوبا من قبل زملاءه، من كافة المستويات، ويجيد استخدام كافة الأسلحة الفردية.
وتابع: أمضى الساروت سنتين مع جيش العزة قبل استشهاده كان فيهما قائدا عسكريا فذا، نال ثقة قيادة جيش العزة ومحبة واحترام الجميع، و كان ثورة بحد ذاته، وملهما للكثير من الشباب السوريين بما يمتلكه من وعي ثوري وانتماء عميق لهذه الثورة ولسوريا بعيدا عن المناطقية الفصائلية.
وأكداً البكور، أنه تلقى خبر إصابة الساروت، كما تلقى خبر إصابة ابنه محمد في معارك مورك قبل استشهاده عام 2014. وختم حديثه لـ”جسر”، بقوله “الساروت لم يغب عن أي من معارك جيش العزة منذ انضمامه له وحتى استشهاده، و أعيد التأكيد على وعد قطعته مع الأخ الرائد جميل الصالح قائد جيش العزة، لوالدة الساروت، الأخت أم وليد، على متابعة مسيرة الشهيد وإخوته إلى أن تصل الثورة إلى مبتغاها”.