جسر/ درعا
في الجنوب السوري شاع اسم مستهجن بعض الشئ بين الأهالي لأطفال لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات فأطلقوا عليهم اسم “خلايا داعش النائمة” نسبة لآبائهم المنتسبين لتنظيم داعش، الذين اختفوا لاحقاً إما هرباً أو قتلأ أو اعتقالاً ليتركو أطفالهم يواجهون مصيراً مجهولاً حتى الآن.
أم أحمد تلك الصبية العشرينية التي أصبحت أما لطفلين رغم أنها لم تتجاوز الواحد والعشرين عاماً، زوجها أهلها منذ ست سنوات دون أن تعي ما المسؤوليات المترتبة عليها، فوجدت نفسها أمام رجل يكبرها بالسن، أردني الجنسية، تقول “كنت طفلة أفعل ما يريده أهلي، زوجوني بعقد شرعي من رجل لا أعرف سوى جنسيته، فأنجبت طفلين”.
تتابع “في البداية لم أكن ادرك مدى خطورة الأمر، لأني لم اتوقع يوماً ان يتركني زوجي، او حتى يترك طفليه الصغيرين، و بعد فترة تفاجأت بزواجه من امرأة أخرى من بلدتي، و كانت تصغرني سنا، أنجبت له طفلين أيضاً”.
لم تكتمل الحياة التي كانت تحلم بها أم أحمد فمع بدء معركة الجنوب، غادر الزوج تاركاً زوجيته وأطفاله بمهمة لم يعرفوا أين، ظنت أم أحمد أن رحيله مؤقت، فمن المستحيل أن يترك الرجل طفليه، فما عرفته عنه أنه رجل دين، فلم تتوقع أن ينس أطفاله، لكن آمالها خابت.
“بمرور الوقت أدركت أن كل ما تخيلته كان حلماً، فوجدت أنه من واجبي تجاه أطفالي أن نبدأ حياة جديدة، تكفل أهلي بداية بمتطلباتنا، كنت أحملهم المسؤولية فهم من زوجوني وعليهم أن يقوموا بواجبهم تجاهنا”.
لم تكن تكاليف الحياة المشكلة الوحيدة التي اصطدمت بها أم أحمد فتتحدث عن مشكلتها الأعظم “تأمين الطعام والشراب كل ذلك يبدو سهلاً و بسيطاً أمام أكبر مشكلة واجهتها، ولم استطيع الوصول الى حل لها الى الآن، لم أتمكن من تسجيل اطفالي بقيود السجل المدني كي يحصلوا على كافة حقوقهم، وخاصة حقهم في التعليم كأقرانهم من الصغار، حاولت كثيراً تثبيت زواجي كي أثبت نسب الصغار ولكن من المحال ان يتم ذلك في دولة حرب مثل سوريا، خاصة ان زوجي ثبت انتماؤه الى تنظيم الدولة، فمن المحال تسجيل زواجي او حتى تسجيل طفلي الصغيرين لأنهم يعتبروا كخلايا صغيرة رغم صغر سنهم”.
وتختم ام أحمد كلامها بالقول “يؤ سفني أن يسمى أطفالي خلايا نائمة لداعش، ولكن هذه السياسة المتبعة ضدهم وحرمانهم من حقوقهم، لا أعلم إلى الآن إن كانت ستجعلهم يصبحون يوماً ما خلايا نائمة بالفعل أم لا”.
وكان لايمان الثلاثينية حظاً أوفر من أم أحمد، فقد كان زوجة لرجل انضم للتنظيم وهي على ذمته، وكان لديها أربع طفلات، اعتقل زوجها خلال إحدى المعارك، ولا تعلم ما حل به إلى الآن.
انتقلت إيمان للعيش في بدة تسيل بدرعا والتي كانت خاضعة لسيطرة التنيظم، تمكنت من الحاق بناتها بالمدارس هناك إلا أن نظام التعليم كان دينياً فالمواد التي تدرس تتعلق بالعلوم والشريعة، وبزوال التنظيم توجب على إيمان الانتقال لبلدتها، وهناك اصطدمت طفلاتها بنظام تعليمي مختلف تماماً.
تقول إيمان “كان التحدي الأكبر للبنات التأقلم مع نظام تعليمي جديد، فقد عرفن ان التعليم ليس دين و شريعة، فهناك علوم أخرى هامة وأساسية يجب عليهن تعلمها كي يستطعن اللحاق بأقرانهن، في البداية تعبت مع الصغيرات كثيراً حتى يتأقلمن مع الواقع الجديد، ويدركن ان هذا واقعهن الافضل لا محالة، و الآن بعد نهاية عام دراسي تمكنت الصغيرات من اللحاق بأقرانهن، و لكن لا انكر ان ذلك كان بعد تعب كبير و جهد كبير مني ومن المدرسة وبعض المعلمات اللواتي تفهمن وضع الصغيرات، وساعدنني على اجتياز تلك المرحلة”.
وبسؤال إيمان عن مصير أطفال النساء اللواتي تزوجن خلال فترة وجود التنظيم أجابت “أنا الأوفر حظاً، فأولادي مسجلين ويتمتعون بحق التعليم، أما أطفال الداوعش الصغار فقد حرموا من حقوقهم حتى بالنسب إلى آبائهم، كما أن المجتمع بات ينظر إليهم، على أنهم أولاد مجرمين، وسيكونون على شاكلتهم يوماً من الأيام”.