قبل أسبوعين، انتظر حسين عبد الحميد قرابة الساعة في سيارته بعدما أقفلت دوريتان أميركية وروسية طريقاً في شمال شرق سوريا التقتا عليه، وبدا أن أياً منهما لا تريد إفساح المجال للأخرى. مشهد وإن بات عادياً للسكان، لكنه يعكس تعايشاً نادراً بين القوتين العظميين.
وتتواجد قوات أميركية في سوريا منذ العام 2014، في إطار التحالف الدولي دعماً للأكراد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب كافة قواته، ثمّ أبقى نهاية الشهر ذاته على قوة من 500 جندي لحماية آبار النفط في شمال شرق سوريا.
وبدا هذا الانسحاب بمثابة ضوء أخضر لتركيا لشنّ هجوم ضد المقاتلين الأكراد، فأبعدتهم عن شريط حدودي بعمق 30 كيلومتراً. ولجأ الأكراد إلى دمشق وموسكو التي أبرمت اتفاقاً مع أنقرة أوقف الهجوم.
واستغلت موسكو، التي تنشر قواتها في سوريا منذ العام 2015 دعماً لدمشق، الاتفاق لدخول مناطق نفوذ الأكراد. وباتت على تماس مع القوات الأميركية، لتتداخل مناطق انتشارهما، ما يؤدي الى احتكاكات يخشى محللون أن تتطور الى توترات أكبر.
ويقول عبد الحميد (55 عاماً) وهو من سكان المنطقة ذات الغالبية الكردية لوكالة فرانس برس “دائماً ما نرى القوات الروسية والأميركية في حالة مواجهة. تتصرّف كما لو أنها سيارات أجرة” تزاحم بعضها البعض على الطرق. ويروي كيف أن دوريتين أقفلتا طريقاً دولياً يربط مدينتي الحسكة والقامشلي، رفعت الأولى العلم الأميركي ووقفت على بعد أمتار بمواجهة الأخرى التي رفعت العلم الروسي.
ويتابع بسخرية “لم نعد نعلم أي طريق نسلك (..) كما لو أننا نذهب من دولة إلى أخرى”، قبل أن يكمل طريقه بعد نحو ساعة في المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية وعمادها وحدات حماية الشعب الكردية.
ويقول الباحث المتابع للشأن السوري سامويل راماني لفرانس برس “أعتقد أن الوجود المشترك لروسيا والولايات المتحدة في شمال شرق سوريا يعد وضعاً استثنائياً”.
ونتيجة هذا الوضع، تتكرر الحوادث الغريبة إلى حد ما.
على أطراف بلدة تل تمر، وعلى بعد خمسين متراً من نقطة لقوات النظام السوري التي انتشرت وحداتها في المنطقة بناء على طلب كردي أثناء الهجوم التركي، شاهد مراسل فرانس برس الثلاثاء مدرعتين أميركيتين تنتظران عودة دورية روسية من جولة قرب خطوط التماس مع منطقة سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها، كونها تعدّ من مناطق نفوذها.
– المواجهة “محدودة” –
وتداول رواد الانترنت قبل أسابيع مقطعاً مصوراً يظهر مدرّعة روسية تحاول تجاوز آلية أميركية على الطريق قبل أن تنحرفا معاً خارجه بعدما حاولت المدرعة الأميركية منعها، في مشهد شبيه بألعاب الفيديو.
وبات اعتيادياً وفق مراسل فرانس برس في المنطقة مشاهدة جنود روس يتابعون عبر المنظار تحركات القوات الأميركية، والعكس صحيح.
وسارعت دورية روسية في 12 شباط/فبراير إلى نجدة دورية أميركية وجدت نفسها في مأزق لدى مرورها عند نقطة لقوات النظام في قرية جنوب شرق القامشلي، وتسبب إطلاقها النار بمقتل شاب سوري. وتحدّثت وزارة الدفاع الروسية حينها عن “خلاف بين السكان المحليين والقوات الأميركية” بينما أفاد التحالف الدولي عن تعرض إحدى دورياته لاطلاق نار ردت عليه في محاولة “للدفاع عن النفس”.
ويقول راماني إن الطرفين “قد لا يكونان يتمتعان بخبرة وافية إزاء التواجد في منطقة متقاربة جغرافياً” رغم “تاريخ كل منهما في القتال إلى جانب أطراف متناقضة في النزاع السوري”.
وسوريا هي البلد الوحيد حيث تتواجد قوات روسية وأميركية في بقعة جغرافية ضيقة منذ عقود.
ويشرح الباحث الزائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى شارل ثيبو لفرانس برس أن الحوادث الأخيرة “تظهر مدى هشاشة الوضع في الميدان” وكيف أنّ وجود “قوات معادية لبعضها البعض في منطقة صغيرة يتعين على الجميع فيها استخدام الطرق ذاتها، يجعل الأمور خطيرة”.
لكن راماني يعرب عن اعتقاده بأن “خطر حصول مواجهة كبيرة محدود”.
– ضغط على واشنطن –
ويرى مدير قسم الشرق الأوسط في معهد دراسات الحرب نيكولاس هيراس من جهته أنّ “الوضع غير مرشّح للتحسّن في المستقبل القريب” مع وجود مصالح متناقضة، مشيراً الى أن الطرفين “يتعايشان في حالة من التوتر، وهو ما يؤدي إلى حوادث”.
ولضمان عدم تطور الاحتكاكات، يتواصل الطرفان عبر ما يُعرف بآليّة فضّ الاشتباك، وهي قنوات اتصال تلعب دوراً رئيسياً في تفادي الحوادث على الأرض وفي الأجواء السورية وتحدّد المناطق الدقيقة للطرفين. واتُبعت آلية التنسيق هذه منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا، بينما كانت الطائرات الأميركية تشارك في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
ولا ترغب موسكو وواشنطن وفق تيبو بـ”مواجهة مباشرة”، كما حصل في شباط/فبراير 2018 حين قتلت غارات أميركية في شرق سوريا مئة من القوات الموالية لدمشق، بينهم روس.
ويرى أن “احتمال تصاعد الحوادث يمكن احتواؤه، إلا إذا أراد أحد الأطراف حقاً عرض قوته”.
ومن خلال الضغط، تسعى روسيا وفق ثيبو إلى “دفع القوات الأميركية كافة إلى مغادرة سوريا لإعادة تثبيت النظام في كل سوريا” من جهة و”الضغط على قوات سوريا الديموقراطية للتفاوض مع النظام” من جهة أخرى.
وتجد قوات سوريا الديموقراطية نفسها مضطرة للتعاون مع الأميركيين والروس، رغم “تناقض مصالحهما” في محاولة لحماية نفسها والحفاظ على الحد الأدنى من الإدارة الذاتية التي بناها الأكراد خلال الحرب.
قرب مدينة القامشلي، يقول المواطن الكردي يعقوب كسار (61 عاماً) لفرانس برس “لم نعد نثق بالأميركيين ولا الروس”.
ويضيف “الدول كافة تبحث عن مصالحها والشعب لا حول ولا قوة له”.
المصدر: فرانس 24