لا تزال قضية تعرض الفنانة نانسي عجرم لمحاولة سطو على منزلها تتفاعل محلياً وعربياً، ففيما آثر البعض التضامن معها وزوجها، أصر البعض الآخر على التروي وانتظار خلاصة التحقيقات، لا سيما مع ظهور تفاصيل ومعطيات جديدة تطرح أكثر من علامة استفهام قد تضع نانسي وزوجها في قفص الاتهام.
ماذا حدث؟
يوم الأحد في 5 كانون الثاني/ يناير، انشغل الرأي العام اللبناني والعربي بخبر اقتحام لصٍ فيلا الفنانة نانسي عجرم ومحاولة سرقتها. وفي تفاصيل الحادث كما أشيع في الإعلام اللبناني عن لسان نانسي وزوجها، ووفق مقطع فيديو انتشر من كاميرا المراقبة في منزلهما، تسلل السارق إلى الفيلا من الحديقة وانتظر في شرفة صالة الجلوس لأكثر من ساعتين، بعدها دخل إلى المنزل. شعر أصحاب البيت بحركة غريبة فاتجهوا إلى المكان لتبيان الأمر. صُدم زوج نانسي، الطبيب فادي الهاشم بوجود سارق وفي يده مسدس. حاول منعه من الاقتراب ورفع الكرسي بوجهه. طالب السارق بالمال فأعطاه الهاشم. ثم سأل عن المجوهرات فأبى إجابته. في هذه الأثناء، حضر ثلاثة شبان إلى المكان. بينما انشغل السارق بتهديدهم ومنعهم من الاقتراب منه، اتجه الهاشم إلى غرفة أخرى لإحضار سلاحه. فرّ السارق عندها باتجاه غرفة الأطفال فتبعه الهاشم مطلقاً النار عليه فأرداه قتيلاً بـ16 رصاصة.
تبنت معظم وسائل الإعلام هذه الرواية البطولية مغفلةً جوانب أخرى من القصة. فبينما تم التركيز على هوية السارق “سوري الجنسية”، تجاهل البعض أنه كان يحمل مسدساً خلبياً وأنه يعرف البيت وأصحابه جيداً. بدأ التهليل للهاشم على أنه الرجل القدوة والمطالبة بإطلاق سراحه لارتكابه الجريمة دفاعاً عن النفس. إذ إن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون أبقته موقوفاً رهن التحقيق، حيث تستمع إلى إفادته. مصادر قضائية كشفت لكاتبتي التحقيق أن “إصرار القاضية عون على التحقيق بالقضية يأتي لكون جريمة القتل غير اعتيادية وإن حصلت دفاعاً عن النفس، فالشاب/ السارق قُتل بـ16 رصاصة، وهذا أمر لا تبرير منطقياً له”، مضيفة أن “القضاء حصل على كل تسجيلات كاميرات المراقبة الموجودة داخل منزل عجرم وفي محيطه بانتظار مقارنتها مع ما سيُدلي به الهاشم خلال التحقيق”. ووفق المعلومات المتوافرة، قام الأمن العام اللبناني بتفتيش منزل السارق وصادر كل أوراقه الثبوتية وهاتفه الخليوي وهاتف زوجته.
من هو السارق؟
محمد حسن الموسى (مواليد عام 1989) أصله من قرية بسقلا التابعة لمحلة كفرنبل في منطقة معرة النعمان في محافظة إدلب، لكنه كبر وعاش مع عائلته في الشام. له 6 أشقاء وشقيقتان. متزوج وله ولدان، البكر يبلغ من العمر 4 سنوات والصغير سنتين. جاء إلى لبنان منذ 9 سنوات تقريباً، وسكن في منزل في حديقة لدى إحدى العائلات في منطقة البترون. عمل في شركة لصناعة الإسفنج لأكثر من سبع سنوات متواصلة. منذ 4 أشهر تقربياً، ونتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، اضطرت الشركة إلى صرف عددٍ كبير من عمالها، وكان محمد من بينهم. بعد وقت باشر بالعمل في حديقة فيلا عجرم وزوجها نظراً لكونه “ماهراً في تنقية الحدائق والاهتمام بالزرع” وفق تسجيلات صوتية وصلتنا من أحد أفراد عائلته، وكان يتردد إلى منزلهما مرة أو مرتين في الأسبوع ولا سيما في أيام العطل. لكن محامي الهاشم، غابي جرمانوس، نفى ذلك في مداخلة ضمن برنامج “يوميات ثورة” على شاشة تلفزيون “الجديد”، مشيراً إلى أنه ليس هناك أي معرفة مسبقة باللص الذي دخل إلى منزل موكله، مشدداً على أن الشاب لا يعمل لديه. حاولنا الاتصال بمدير أعمال نانسي عجرم، جيجي لامارا، لكنه اكتفى بما قاله المحامي وأكد أن لا معرفة بين العائلة ومحمد الموسى.
وبحسب ما أوضح مقربون من محمد لكاتبتي التحقيق، فإنه كان يُعاني من ضائقة مادية منذ صرفه من عمله، وبات بحاجة إلى المال لإعالة أطفاله، وهو لم يحصل على مستحقاته المالية من عجرم وزوجها، ما دفعه إلى المطالبة بالمال المستحق له أكثر من مرة لكن من دون نتيجة، موضحين أن “محمد ذهب إلى منزل عجرم للحديث معها ومع زوجها وليس للسرقة، وهو قد انتظرهما وقتاً طويلاً في الخارج قبل أن يُقدم على دخول المنزل”.
والدة محمد كانت الأكثر تأثراً. صوتها المتهدج وهي تصرخ “حرقوا قلبي… راح على لبنان شاب ردوه جثة” يؤكد حرقتها. تُصر السيدة الخمسينية على أن الفيديو مركب وأن جسد الشاب الذي ظهر في الفيديو ليس جسد ابنها محمد. تبكي مناشدة باسترداد حق ابنها: “ابني قُتل في الخارج ثم جرّوه إلى الداخل”. وعليه، أصدر أبناء آل الموسى من عشائر النعيم بياناً طالبوا فيه بفتح تحقيق بالقضية التي نسبت لمحمد لأسباب عدة، أبرزها أن الذي ظهر في الفيديو بالنسبة إليهم شخصية غير شخصية محمد، وهناك فيديوات لم يتم نشرها علماً أن الفيلا بأكملها محاطة بكاميرات بما فيها الغرف الداخلية.
لماذا قد يتأخر شخص بثراء عجرم وزوجها عن دفع مستحقات للعاملين لديهما؟ هل يُمكن أن يقصد شخص منزلاً بغرض السرقة وأن يحمل مسدساً غير حقيقيّ؟ لماذا قد يُقدم طبيب على قتل شخص في منزله بـ16 رصاصة؟ لماذا نُشر مقطع فيديو من كاميرا المراقبة من جهة واحدة؟ ماذا عن المشاهد الأخرى؟ وكيف يُمكن لسارق أن يُنادي على ضحيته بعبارة “يا أستاذ فادي عطيني المصاري”، وفق ما قيل؟ أسئلة كثيرة تتردد على ألسنة متابعي القضية، لكن السؤال الأكبر يحوم حول السلطة القضائية: هل سيصدر القضاء حكماً عادلاً في القضية في ظل الضغوط السياسية قد يتعرض لها القيمون على الملف؟ هذا مع العلم أن عدداً لا بأس به من السياسيين اللبنانيين أعلنوا تضامنهم مع الهاشم وطالبوا بإطلاق سراحه في تغريدات لهم عبر حساباتهم على “تويتر”، منهم وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال ريشارد قيومجان وعضو تكتل “لبنان القوي” النائب حكمت ديب واللواء أشرف ريفي والوزير السابق وئام وهاب.
من جهة ثانية، أصدرت نقابة أطباء الأسنان في بيروت بياناً أعربت فيه عن أسفها للحادث الذي تعرض له الدكتور فادي الهاشم وعائلته، معلنة “تضامنها معه ووقوفها إلى جانبه وتقديم الدعم الكامل له”، متمنية على السلطات القضائية “الإفراج عنه ليعود إلى عائلته سريعاً في هذا الظرف الدقيق بما أنه كان في حالة الدفاع عن النفس”.
درج، بالتعاون مع صحيفة جسر، وقد نشرت بالتزامن في كلا الموقعين.