تقول سارة العبدلله ابنه دير الزور “لم تكن يوماً مشكلتي مع أهلي هي اعتقالي، بل هي الثورة، فأهلي من المؤيدين للنظام القاتل، باستثنائي أنا وأختي وأخي، حتى أن أحد الاقرباء هو من كتب تقريراً وتسبب باعتقالي”.
قصة سارة تبدأ من الجامعة عندما كانت طالبة في جامعة دمشق قسم هندسة الحواسيب والأتمتة، حيث بدأت بالتعاون مع صديقاتها بتنظيم مظاهرات سلمية في دمشق لم تستمر تلك المظاهرات لدقائق معدودة نظراً لأن اجتماع عدة أفراد في قلب دمشق هو أمر شبه مستحيل، وفي عام ٢٠١٢ عندما بدأت عمليات تهجير السكان، قام أحد الأساتذة في الجامعة وهو خارج سورية، بإرسال نقود لمساعدة هؤلاء، فكانت سارة تستلم الحوالات من بيروت، وتوزعها على المحتاجين وذوي الشهداء، وتقوم باستجار بيوت لمن يحتاج، واستمر ذلك حتى الشهر التاسع من عام ٢٠١٣.
كما أن أحد الأساتذة في الجامعة ساعد الطالبات بإجراء دورات تدربية على التصوير والمونتاج، فقامت سارة وصديقاتها بالتصوير والتوثيق بجوبر، ومن ثم طلب منها كونها ابنة دير الزور التصوير هناك، فتوجهت سارة إلى الدير، وترافق ذلك باعتقال صديقتها في دمشق فلم تعد قادرة على العودة، وخاصة بعد استشهاد زوجها برصاص قناص، لم يعد لسارة ملجأ سوى التوجه إلى أهلها الذين نزحوا إلى مدينة القامشلي، ونظراً لخلافها معهم قررت العودة لدمشق، وخاصة أنها لا تملك هوية بعد أن صادرها تنظيم داعش، كما أنها كانت بحاجة لتسجيل ابنتها التي بلغت من العمر عاماً ونصف، فسافرت إلى دمشق وجرت الأمور على ما يرام.
استأجرت سارة مع شقيقتها منزلاً وبعد عدة أيام قامت دورية تابعة لشرطة المزة بمداهمة المنزل واعتقال سارة واقتادتها لفرع الأربعين “وفي التحقيق قال لي المحقق : أهليين سارة بعد زمان، لدينا صور ومعلومات عنك، وفي تلك اللحظة دخل ضيوف فخرجت ليقوم رجل بتفتيشي لم يطلب مني أن أخلع ملابسي ولكني لم أحتمل طريقة وضع يديه على جسدي، وضعت في زنزانة منفردة، وفي الصباح تحدث معي رجل من محافظة درعا، وطلب مني رقم هاتف أهلي ليتواصل معهم، فرفضت نظراً للعلاقة المتوترة بيننا، أركبوني سيارة مدنية، ونقلت لفرع الخطيب، سلمت أماناتي، ودخلت لمهجع مملوء بالفتيات، هناك شعرت بالصدمة فأنا مقبلة على مجهول، كنا حوالي عشرين فتاة يقل عددنا ويزيد، قد نصل للثلاثين وفي النهاية بقي منا ثلاث، مكثت في فرع الخطيب ٦٧ يوماً، في البداية لم أكن آكل، ولكن مع الوقت اضطررت للأكل وكان الطعام عبارة عن بطاطا مسلوقة وأحياناً كانت تأتي ممليئة بالعفن”.
تحقيقات كثيرة تمت مع سارة بدأت بلطف لمحاولة الحصول على معلومات منها، ولكن بعد رفضها الإدلاء بشئ مفيد، تغيرت طريقة التعامل معها “بدأ ينسب لي تهم تفجير وخطف ضباط، اعترفت أني كنت أدخل الخبز إلى جوبر، كما أني قمت بنقل دم إلى حي التضامن، لكني لم أعترف بالتهم الأخرى وهنا ضربني المحقق، وقال لي: التعامل باللين معك لن يجدي، سأتركك وأعود إليك لاحقاً”.
تم اقتياد سارة إلى غرفة في قبو وهناك بدؤوا بضربها، بعصا غليظة، حينها قررت الاعتراف بكل ما سينسب إليها مهما كان الثمن إن كان ذلك سيجنبها التعذيب، تقول “خطفت عساكر بالتعاون مع والدتي، واستدرجناهم إلى منزلنا تمهيداً لخطفهم، وقمنا بتفجيرات”، رفيقات لسارة نصحنها أن تقوم بإنكار ذلك عندما يتم محاكمتها في عدرا، وتنقلت بين عدة أفرع إلى أن وصلت إلى عدرا حيث أمضت هناك سبعة أشهر بتهمة الترويج لأعمال إرهابية، وإشاعة أخبار كاذبة توهن نفسية الأمة “بوصولي إلى سجن عدرا تم ضربي من قبل ضابط عندما سألني عن تهمتي فأجبته: إرهاب، ضربني قائلاً: فخورة بنفسك؟ شكلك وقحة ورح تعذبينا”.
أمضت سارة تلك الأشهر وهي تنتظر الإفراج عنها لتفاجئ بعد ذلك أنها ستحول إلى فرع الجوية الذي مكثت فيه أيضاً ٩٢ يوماً، وعدوها بداية أن تخرج خلال أيام إلا أنه لم يخل سبيلها إلا عندما قامت شقيقتها بدفع مبالغ مالية مقابل ذلك.
“لحظة خروجي كانت لحظة مولدي، فكرت بابنتي هل تغيرت؟ كيف سأذهب أين سأتوجه؟ لم أفكر بالتوجه لأهلي، ذهبت إلى الشمال وهناك عاد أخي من تركيا برفقة ابنتي، أسست حياة لي في الشمال، أعمل في شركة بناء للتنمية، لا أحاول الاختلاط كثيراً بالمجتمع ليس نظراً لكوني معتقلة بل هذه طبيعتي، عدا أن مجتمعي القديم الذي أعرفه واعتدت عليه لم يعد موجوداً، فمجتمعي الحالي أخوتي وابنتي وعملي، وقبل كل شئ الثورة، أنا أعمل الآن لأعيش، ولكن ذلك لن يكون رادعاً لأقدم أي شئ للثورة مما يسهم في خدمتها، فهي قضيتي الأولى والاخيرة”.