جسر: رأي:
استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعبارة: «nice to meet you, how are you». لا نعرف ما إذا كان أردوغان تعمد أن يتظاهر بأنه يلتقي بضيفه الروسي للمرة الأولى، أم أن إنكليزيته لم تسعفه في التعبير.
أما بوتين فقد حرص، في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرؤساء الثلاثة في ختام مباحثاتهم، على الوشاية بأردوغان باعتباره كان هو المعرقل للانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، من خلال إفصاحه عن أن الرئيس التركي قد أفرج عن الاسم الأخير في قائمة أعضاء اللجنة الدستورية، فاكتملت القائمة بهذا الاسم، وأصبح بإمكانها البدء بعملها في أسرع وقت في مدينة جنيف.
واتفق الرؤساء الثلاثة (+ واحد) على رفض أي حالة تنتقص من سيادة سوريا ووحدة أراضيها في شرقي الفرات، وتشكل تهديداً للأمن القومي لدول الجوار، في إشارة إلى «قوات سوريا الديمقراطية» بما في ذلك الإدارة الذاتية. أما الرابع المقصود بعبارة 3+1 فهو النظام السوري الذي أهدى القمة، بصورة متزامنة مع انعقادها، رسالة وجهها مندوبه في الأمم المتحدة بشار الجعفري إلى المنظمة الدولية اعتبر فيها «قسد» وحزب العمال الكردستاني ومتفرعاته منظمات إرهابية، مع وجوب التنويه إلى أن هذه الهدية موجهة إلى تركيا أساساً، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر «قسد» ومكوناتها السياسية والعسكرية منظمات إرهابية. مع رسالة الجعفري أصبحتا دولتين تتفقان على هذا التصنيف.
أما الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي جاء إلى أنقرة وفي جيبه ضربة عسكرية مؤلمة لمنشآت نفطية مهمة في السعودية، فقد أعرب عن سعادته بإنجاز قائمة اللجنة الدستورية ووضع موعداً أولياً للانتخابات في سوريا بين العامين 2021 ـ 2022.
أردوغان الذي يهتم، قبل كل شيء، بإنشاء المنطقة الآمنة الموعود بها من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استفاض في الحديث عن مشروعه: نوّه أولاً بأنه ضرب صفحاً عن طول المنطقة الآمنة التي كان يجب أن تمتد على طول الحدود بين تركيا وسوريا (911 كلم)، ليكتفي فقط بطول 450 كلم وعمق 32 كلم (2 ميل) حسبما وعده ترامب في المكالمة الهاتفية الشهيرة بينهما، أواخر العام 2018، تلك المكالمة التي قرر ترامب، بعدها مباشرةً، أن يسحب القوات الأمريكية من سوريا.
في تلك المنطقة الآمنة، بضمانة أمنية أمريكية، ستقيم شركات البناء التركية منازل من طابقين تحيط بها حدائق لزراعة الخضار، على مساحة إجمالية 500 متر مربع، نصفها للمبنى ونصفها للحديقة المحيطة به. بإقامة هذا المشروع يمكن إسكان مليونين من اللاجئين السوريين في تركيا بعد عودتهم الآمنة إلى بلدهم. (في تصريح سابق تحدث أردوغان عن مليون واحد).
أما بالنسبة لتمويل هذا المشروع فيكون، بحسب أردوغان، بتضافر جهود عدد من البلدان المقتدرة. وذكر أنه تحدث، بشأن هذا التمويل، مع الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل، واحذروا مع من أيضاً؟ مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان! (هل تم طي صفحة التوتر بين قيادتي الدولتين، يتساءل مراقبون)
ووضع الرئيس التركي ضيفيه الروسي والإيراني في صورة خلافاته مع واشنطن بشأن المنطقة الآمنة، فأخبرهما أن تركيا ستنتظر، إلى نهاية شهر أيلول/سبتمبر الجاري، من الأمريكيين تنفيذ التزاماتهم وفقاً لما اتفق عليه، مؤخراً، بشأن المنطقة الآمنة، وإلا فستضطر لوضع خطتها العسكرية المنفردة بشأنها موضع التطبيق.
أما الرئيس الروسي فانتهز فرصة الحديث عن الاعتداء الذي تعرضت له المنشآت السعودية، ليعرض عليها شراء صواريخ دفاع جوي روسية قادرة على حماية كل منشآتها الحيوية، فكما اشترت منها إيران صواريخ إس 300، وتركيا صواريخ إس 400، يمكن للسعوديين أيضاً أن يقتدوا بهاتين الدولتين! وهذه رسالة بوتينية مؤلمة لواشنطن فحواها أن الدولة العظمى الوحيدة فشلت في حماية حليفتها السعودية.
من عجائب حوار الطرشان الذي سمعناه في المؤتمر الصحافي للقادة الثلاثة تأكيد أردوغان على وحدة الأراضي السورية وسيادتها (وهو ما اتفق عليه في صيغة البيان الختامي أيضاً) في وقت يطالب فيه بإقامة منطقة آمنة شرقي نهر الفرات مع سيطرة القوات التركية هناك، إضافة إلى الوجود العسكري التركي في كل من مثلث «درع الفرات» ومنطقة عفرين.
أما روحاني فكان له رأي آخر في ذلك لم يتمالك نفسه من الإفصاح عنه، على رغم جو التوافق والوئام الذي رأينا انعكاسه في البيان الختامي، بل على رغم حلاوة التين التركي الذي استمتع بأكله: فقد تحدث عن وجوب خروج جميع القوات الأجنبية من سوريا، باستثناء تلك التي جاءت بناء على طلب الحكومة السورية! (نحن نعرف أن القوات التركية لم تدخل الأراضي السورية بناء على طلب نظام دمشق الكيماوي).
وقال روحاني إن الولايات المتحدة تسعى إلى تقسيم سوريا. وتتضح نواياها السيئة من واقع تبرعها بأرض الجولان لدولة الاحتلال الإسرائيلي. كما أشار الرئيس الإيراني إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية التي دمرت البنية التحتية لهذا البلد. وهذا ما يتعارض مع مبدأ السيادة السورية، قال. وعبر عن التزام القادة الثلاثة بمواصلة مكافحة المنظمات الإرهابية في سوريا التي يعاني الشعب السوري من أذاها. ونحن نعرف، قال، من يدعم تلك المنظمات. علينا أن نساعد الدولة السورية في جهودها لمكافحة الإرهاب.
وقال بوتين إن أعضاء اللجنة الدستورية يجب ألا يتعرضوا لأي ضغوط خارجية، مع العلم أن ثلاثي آستانة المجتمع في أنقرة هو الذي شكل اللجنة الدستورية وحدد لها مهمتها، وهي إدخال إصلاحات على الدستور النافذ.
هذه بعض شذرات من كلام القادة الثلاثة في المؤتمر الصحافي، في طريقة مختلفة لقراءة نتائج القمة الثلاثية. هل اتفقوا على قرارات معينة؟ لا أحد يعرف شيئاً عنها باستثناء ذلك «الاسم الأخير» الذي اكتملت به اللجنة الدستورية.
القدس العربي 19 أيلول/سبتمبر 2019