جسر: متابعات:
ليت المتباكين على تبعات تطبيق القانون على المدنيين داخل سوريا، يضغطون لتطبيق القرار 2254. وإلى أن تأتي تلك اللحظة، فلنتذكر آلاف السوريين الذين قضوا تحت التعذيب، ولنتذكر آلاف السوريين الذين ما زالوا في سجونه يتعرضون للتعذيب، هؤلاء هم من يستحقون التضامن اليوم.
علت مؤخراً نغمة التعاطف مع المدنيين السوريين من قبل من شارك ويُشارك في قتلهم منذ تسع سنوات إلى اليوم. تجاهل كامل يلف تصريحاتهم لسبب صدور القانون، حتى يكاد المرء ينسى من هو قيصر؟ وكيف ولماذا صدر القانون المسمى باسمه؟
عشرات المقالات والتصريحات صدرت فور البدء في تطبيق قانون قيصر، بين مرحب بالأمر كونه يرى فيه نوعاً من العدالة لضحايا نظام الأسد وحلفائه الذين شاركوه حربه ضد السوريين، وبين متريث يرى أن القانون لن يؤدي غرضه كون النظام ومن معه لطالما صدرت بحقهم عقوبات وكانوا دوماً قادرين على الالتفاف عليها، فيما اعتبر النظام وحلفاؤه أن القانون يهدف إلى تطويع قوى الممانعة، وكعادتهم زجوا باسم فلسطين، معتبرين أن العقوبات هي بسبب موقفهم الداعم للقضية الفلسطينية.
إلا أن الموقف الأكثر غرابة كان ممن ادعوا على مدى الأعوام الأخيرة أنهم معارضون لنظام الأسد، لتكشف تصريحاتهم الأخيرة حقيقة مواقفهم، ليس فقط لأنهم اعتبروا قانون قيصر عدواناً على سوريا وحربا على السوريين، بل لأن أحدهم لم يأت على ذكر ملايين الضحايا من السوريين الذين تسبب الأسد نفسه وحلفاؤه في قتلهم وتهجيرهم وتجويعهم، على الرغم من أن قانون قيصر نفسه لا يفرض عقوبات أو حصاراً على الاقتصاد السوري، بل ينتقي مجالات ستة على وجه الحصر، وهي تلك المجالات التي تسمح للنظام باستمرار تغذية آلته الحربية بالنفط أو قطع الغيار أو بالموارد المالية اللازمة، وإضافة لمحاولة الحد من فعالية الآلة العسكرية للنظام وحلفائه، فإن العقوبات الواردة على قطاع إعادة الإعمار مرتبطة بشكل أساسي بشرط عودة اللاجئين والمهجرين السوريين بشكل طوعي وكريم وآمن.
وعلى الرغم من الحقائق التي لا يمكن إنكارها وصل الأمر ببعض هؤلاء «المعارضين»إلى أن استنكروا ترحيب عدد كبير من السوريين بدخول قانون قيصر حيز التطبيق، واعتبروا الأمر مشاركة في قتل السوريين، دون أن يأتوا على ذكر جرائم الاسد.
وبالإضافة إلى التجاهل الكامل لجرائم النظام بحق السوريين وما تسبب فيه من ويلات ومآسٍ بحق البشر والحجر وحتى بحق الدولة التي باتت تسيطر عليها بالكامل قوى وميليشيات أجنبية استدعاها الأسد لتحارب الشعب فيحتفظ هو بكرسيه، كان لافتاً التجاهل المتعمد للبنود التي نص عليها القانون، لا سيما القسم 7431 من نص القانون والذي يتحدث عن تعليق العقوبات، فلم يأت أحد من المتباكين على السوريين على ذكره.
لقد أعطى قانون قيصر للرئيس الأميركي الحق بتعليق العقوبات في حال استوفت الحكومة السورية مجموعة من الشروط، منها:
وقف استخدام المجال الجوي فوق سوريا من قبل النظام وروسيا لاستهداف السكان المدنيين.
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في سجون النظام، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان المعنية بالوصول إلى هذه السجون وإجراء التحقيقات اللازمة.
وقف النظام السوري والروسي والإيراني ومن معهم من ميليشيات الاستهداف المتعمد للمرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني، بما في ذلك الأسواق والذي يُعد انتهاكا للمعايير الدولية.
أن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية للسوريين اللاجئين والنازحين.
أن تتخذ الحكومة السورية خطوات يمكن التحقق منها لإقامة نظام مساءلة فعال بحق مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، بما في ذلك من خلال المشاركة في عملية موثوقة ومستقلة للتوصل للحقيقة والمصالحة.
هذه الشروط التي تسمح بتعليق تطبيق قيصر، يتم تجاهلها بالكامل، فكيف لمن يبكي خوفاً على المدنيين من الجوع أن يتجاهلها، وكيف لأحد أن يصدق خوفهم على حياة السوريين وهم لم يطلبوا من الأسد ولو حياءً أن يُطبق أياً من هذه الشروط؟
في الواقع تأخر صدور هذا القانون، وإن كان لا يلبي طموحات السوريين بشكل تام بعد تسع سنوات من ترهيبهم وقتلهم على يد النظام، إلا أنه يُعد نوعاً ما كتعويض عن تخاذل الإدارة الأميركية السابقة، وخطوط باراك أوباما الحمراء التي داسها الأسد باستخدامه الكيماوي ضد المدنيين، فما كان من أوباما إلى أن هرول ليعقد معه صفقة.
المطلوب من نظام الأسد اليوم هو نفسه ما كان مطلوباً منه في بداية الثورة السورية والمبادرة العربية 2011؛ وقف القتل والذهاب إلى حل سياسي. الحل اليوم هو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 والالتزام ببيان جنيف.
لأعوام بقي الأسد يماطل ويرفض جميع الحلول المطروحة، وأكثر من عشر مرات مارس الروسي حق النقض في مجلس الأمن ليطلق يد الأسد بل ويشاركه بحربه على السوريين إلى جانب الإيراني.
لم يعد من إمكانية للهرولة للتطبيع مع الأسد، ولا لتحقيق أحلام البعض بالمشاركة بمشاريع إعادة الإعمار فيما ملايين السوريين مهجرون، وعشرات الآلاف معتقلون.
في ظل عجز مجلس الأمن، وشلل جميع المبادرات، وعشرات الجولات من مفاوضات عبثية، كان لا بد من قانون قيصر، فليت المتباكين على تبعات تطبيق القانون على المدنيين داخل سوريا، يضغطون لتطبيق القرار 2254. وإلى أن تأتي تلك اللحظة، لحظة الحقيقة والعدالة، فلنتذكر آلاف السوريين الذين قضوا تحت التعذيب، ولنتذكر آلاف السوريين الذين ما زالوا في سجونه يتعرضون للتعذيب، هؤلاء هم من يستحقون التضامن اليوم.
المصدر: موقع المجلة/ 23 حزيران 2020