أطلق النظام السوري ما يسمّى “مبادرة المصالحة” في محافظة دير الزور لتسوية الأوضاع الأمنية للأشخاص المطلوبين. ويبدو أن اللغة المستخدمة لوصفها تهدف إلى الإيحاء بأنها عملية محايدة، لكن العديد من المقابلات مع الأشخاص الذين مروا بهذه التجربة تكشف عن إجراء سياسي يشرف عليه حلفاء النظام الروس ويهدف إلى إعادة بناء شبكات النظام الاجتماعية والأمنية.
وفقاً للأشخاص الذين “تم قبولهم” أو أولئك الذين “رُفِضوا” في إطار عملية المصالحة، فإن الضباط الروس يشرفون على لجان المصالحة المنتشرة في جميع أنحاء المناطق الخاضعة لسيطرة النظام جنوب نهر الفرات، بمساعدة الشخصيات العشائرية والمجتمعية.
ويبدو أن لجان المصالحة حددت شروطاً بشأن من الذي يجوز له أن يستفيد من المبادرة، بما في ذلك ألاَّ تكون أيدي المشاركين “ملطّخة بدماء السوريين”؛ وألاَّ يكونوا منتسبين إلى حملة مسلحة أو تابعة لجماعة إسلامية متطرفة مثل داعش أو جبهة النصرة”.
توجد عدة مواقع في دير الزور مخصصة لهذه العملية، وهي مقسمة إلى لجان فرعية تقع بالقرب من نقاط العبور التي تربط المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والمناطق التي يسيطر عليها النظام، فيما توجد اللجان الرئيسية في المربع الأمني في حي غازي عياش داخل مدينة دير الزور.
بالإضافة إلى المراقبين الروس، تحتوي لجان المصالحة على ضباط أمن يمثِّلون مختلف فروع وكالات المخابرات التي تعمل في المحافظة وكذلك على وسطاء محليين. قامت اللجان بتوحيد الإجراءات لجميع من يمثُلون أمامها. المتطلبات هي نسخة عن الوجهَين الأمامي والخلفي لبطاقة الهوية الخاصة للمتقدّم وصورتين شخصيتين مرفقتين بالطلب. وفي بعض الحالات، يُسأل الشخص أيضاً أسئلة بخصوص التهم الموجهة لهم.
وبعد مثول الفرد أمام اللجنة، يُعطى وثيقة تؤكد أن عملية “المصالحة” قد تمت ويُحَذَّرُ من السفر خارج المحافظة إلى حين استلام وثيقة “لم يعُد مطلوباً” التي يجب إصدارها في غضون 7-10 أيام. بعد هذه الفترة، يتمتع الشخص المعني بحريّة الإقامة في أي منطقة، سواء كانت تخضع لسيطرة الحكومة أم لا.
وتختلف عملية المصالحة بين المدنيين عن تلك التي تنطبق على العناصر العسكرية أو أفراد قوات الأمن الذين انشقت عن النظام. تتم “تسوية أوضاع” غير المدنيين الذين يستوفون الشروط على الفور، ويتم منحهم 30 يوماً لتسوية شؤونهم قبل أن يتم اقتيادهم لإكمال خدمتهم العسكرية في وحداتهم السابقة أو في مكان جديد.
أحمد، من سكان الشميطية الذين انشقوا عن الجيش في عام 2013، خضع لإجراءات المصالحة وتم سوقُه لمواصلة خدمته الإلزامية في محافظة الحسكة، على الرغم من أنه خدم في القوات الخاصة في ريف دمشق قبل انشقاقه.
ومع أن الإعلان عن لجان المصالحة يضع شروطاً محددة لا بد من استيفائها من أجل حل أي مشاكل تتعلق بأمن الدولة، فقد قامت اللجان أيضاً بـإجراء “مصالحات” مع أفراد لا تنطبق عليهم هذه الشروط مقابل مبالغ تصل إلى قُرابة 20 مليون ليرة سورية. وكان من بين هؤلاء الأفراد أمراء في تنظيم داعش وأعضاء في المجالس العشائرية المنتسبة إلى داعش.
يبدو أن هذه الأموال تُمنح كرشوة لضباطٍ روس يشرفون على العمل وعلى رؤساء وكالات الاستخبارات في المحافظة. تتم هذه المعاملات عبر وسطاء محليين على اتصال مع كلا الجانبين، ويتولون مهمة ضمان الطرف الأول بتسليم الأموال وتعهُّد الطرف الثاني بإغلاق ملفه الأمني ومسحِه.
كما تجاهل الروس والنظام أيضاً اشتراطات لجنة المصالحة في حالات الشخصيات المجتمعية ممن لديهم نفوذ في الدوائر المحلية أو العشائرية، بهدف كسبهم.
أخبرني عصام الغدير، وهو ناشط ميداني في دير الزور، أن “النظام قام بتسوية أوضاع أربع شخصيات عشائرية من الريف المحيط بغرب دير الزور كانوا يمثِّلون “المكتب العشائري” المرتبط بداعش.” وأضاف: “بعد أن قامت فروع مختلفة من المخابرات بالتحقيق مع هذه الشخصيات لمدة أسبوع، أُغلِقَت ملفاتهم الأمنية، وهم الآن يعملون كوسطاء بين أولئك الذين يريدون الخضوع للمصالحة والروس والنظام السوري، على الرغم من أن بعضاً منهم شخصيات متهمة بقتل مدنيين أبرياء.
محمد حسان- موقع شاثم هاوس