تراجعت أنقرة في جولة مفاوضات أستانا 13 عن الشرط الذي وضعته سابقا حول إعلان وقف إطلاق النار والذي يقول بانسحاب النظام السوري والميليشيات التابعة له إلى ما قبل خط 2 أيار (مايو) وهي المناطق التي تقدم فيها النظام في ريف حماة الشمالي وتشمل كفرنبودة وقلعة المضيق وسهل الغاب، وتزيد مساحتها عن 100 كيلو متر مربع.
ورفضت أنقرة في12 حزيران (يونيو) الماضي عرضا روسيا من أجل هدنة في منطقة “خفض التصعيد” الرابعة شمال غرب سوريا، والتي تضم محافظة إدلب وأجزاء من غرب محافظة حلب، وريف اللاذقية الشرقي وريف حماة الشمالي.
واتفق الجانبان الروسي والتركي مساء الخميس، الأول من آب (أغسطس) على وقف إطلاق النار حسب الحدود الجديدة التي أصبحت أمر واقعا رغم التغيرات التي حصلت على جبهة تل ملح والجبين حيث تمكن النظام السوري بقيادة قوات النمر من إستعادة السيطرة على طريق محردة – السقيلبية الإستراتيجي والذي يربط البلدتين اللتين تعتبران أكبر بلدات ريف حماة الشمالي. وللمدينتين أهمية كبرى بالنسبة للروس والنظام، كون إحداهما أكبر البلدات المسيحية في محافظة حماة (محردة) فيما تحظى السقيلبية بأهمية لافتة باعتبارها بلدة مختلطة من المسيحيين والعلويين وتعتبر إحدى الخزانات البشرية لميليشيا الدفاع الوطني وقوات النمر.
وفي تفاصيل اللقاء المغلق بين وفد المعارضة والوفد الروسي الذي ترأسه المبعوث الرئاسي الخاص، ألكسندر لافرنتييف اطلعت “القدس العربي” على محضر الاجتماع بين الجانبين، حيث تنصل الروس بداية من المشاركة في العملية العسكرية. ومن ثم عادوا وقالوا أن الاستهداف مركز على التجمعات الإرهابية فقط.
وحمل لافرنتييف مسؤولية فشل تطبيق اتفاق سوتشي إلى تركيا قائلاً: “إن عدم تطبيق الاتفاق سيدفعنا إلى عملية إبعاد جبهة النصرة خارج المنطقة منزوعة السلاح وهي 20 كم، ونحن نراقب كيف تعزز النصرة تواجهدها على الجبهات”. مضيفاً أن “تركيا لم تلتزم بإخراج النصرة كما وعدتنا مراراً وفي هذا الحال ستستمر العملية”.
وحمل الفصائل مسؤولية قصف أحياء حلب الغربية التي يسيطر عليها النظام وقال “نحرص على المدنيين ونتجنب الحاق الأذى بهم”.
وشدد المبعوث الروسي على أن النظام السوري هو من طلب وقف إطلاق النار وأن روسيا ليست لها علاقة بذلك “لكننا في المقال لا نمانع من وقف النار بهدف الالتزام بتطبيق الاتفاق”.
اللافت في الجلسة المطولة بين وفدي روسيا والمعارضة أن لافرنتييف لم يتطرق إلى ملفات إعادة الإعمار أو المعتقلين أو اللاجئين، رغم طلب رئيس وفد المعارضة الإصرار على التذكير به خلال الجلسة.
وأشار إلى أن الكثير من الخلافات حول أسماء اللجنة الدستورية قد تم تجاوزها وأن الخلاف الآن هو على اسم واحد في اللجنة الدستورية “وأن النقاش يجري الآن حول اعتماد دستور 2012 وتعديلاته حسب ما ترغب الحكومة السورية، أو البحث في دستور جديد أو إجراء تعديلات على الدساتير القديمة”.
وأشار أحد أعضاء وفد قوى الثورة والمعارضة السورية إلى “وجود أزمة واضحة لدى موسكو كانت بادية على وجوه الوفد العسكري بسبب ما يحصل في الميدان وعلى الجبهات وأنها تبحث عن حل يرضيها أمام صمود الفصائل على الأرض وعدم تمكن القوات الخاصة الروسية وقوات النخبة في جيش النظام المتمثلة بالفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وباقي الميليشيات من تحقيق تقدم جديد على الأرض”.
ورحب وفد أستانا باتفاق وقف إطلاق النار في المؤتمر الصحافي الذي عقد في ختام الجولة 13 من مسار أستانا. وقال رئيس الوفد، أحمد الطعمة أنه “تم نتيجة المباحثات التوصل إلى تفاهم لوقف إطلاق النار، حيث تعهدت بتطبيقه الدول (الضامنة تركيا وروسيا وإيران)” لافتاً إلى أن وفده طالب “بالتزام النظام بالتفاهم ووقف استهداف المدنيين والبنية التحتية”. وأضاف في جواب على أسئلة الصحافيين “التزمنا باتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه في 17 أيلول (سبتمبر) الماضي، فحاول النظام استغلال بنود الاتفاق لصالحه وحقق بعض التقدم الميداني، وردا على ذلك أعاد الجيش السوري الحر سلاحه الثقيل إلى المنطقة لمواجهة النظام.”
وأعلنت هيئة “تحرير الشام” موافقتها بشكل صريح على وقف إطلاق النار في بيان مكتوب نشرته مواقعها الرسمية، واعتبرت أن “أي قصف أو إعتداء يطال مدن وبلدات الشمال سيؤدي إلى إلغاء وقف إطلاق النار من جتهتنا ويكون لنا حق الرد عليه”.
وكانت الهيئة في نسختها الثانية والتي سميت فتح الشام قد شنت هجوما على جيش المجاهدين (أكثر الفصائل الحلبية قرباً من تركيا يومها) بسبب مشاركته في أستانا-1 وقضت على الجبهة الشامية بعد أستانا 3 وكذلك هاجمت جيش الإسلام في معسكر بابسقا والذي تزعم رئاسة الوفد عبر رئيس مكتبه السياسي محمد علوش خلال الهجوم على حركة “أحرار الشام” الإسلامية.
واتفقت تركيا وروسيا وإيران التي تشكل الدول الضامنة في محادثات أستانا 13 على اتخاذ تدابير ملموسة لمنع وقوع إصابات بين المدنيين في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وضمان أمن الأفراد العسكريين للدول الضامنة.
وشارك في الاجتماعات وفود الدول الضامنة الثلاث: تركيا وروسيا وإيران، فضلا عن نظام بشار الأسد والمعارضة السورية، بالإضافة لمشاركة الأردن ولبنان والعراق بصفة مراقب للمرة الأولى.
وتراس الوفد التركي نائب وزير الخارجية ومسؤول الشرق الأوسط سيدات أونال. وترأس وفد روسيا، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، فيما ترأس الوفد الإيراني نائب وزير الخارجية علي أصغر حاجي.
وعقب ذلك اختتمت اجتماعات محادثات “أستانة 13” في العاصمة الكازاخية نور السلطان، وتلا نائب وزير خارجية كازاخستان رومان فاسيلينكو البيان الختامي، الذي جدد تأكيد الدول الضامنة التزامها بوحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها.
وأكد البيان على مواصلة محاربة “داعش” و”جبهة النصرة” وإرهابيين مدرجين على قائمة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
ورفضت الأطراف احتلال إسرائيل لهضبة الجولان، وشددت على وجوب احترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة وعلى رأسها، القرار الأممي رقم 497 الصادر في 17 كانون الأول (ديسمبر) 1981.
كما تطرق إلى الوضع في شمال شرق سوريا الذي يعتبر منطقة نفوذ أمريكية، وأشار إلى أنه لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في تلك المنطقة إلا من خلال احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
ومن الواضح أن قضية الالتزام الروسي بوقف إطلاق النار غير وارد نهائيا على غرار ما حصل في الجولات السابقة، وأن الاتفاق جرى تجديده من أجل ضرورة استمرار أستانا فقط لا غير، كونه المسار الذي تواجه فيه الدول الضامنة السياسة الأمريكية في سوريا حاليا، ليس إلا.
ويشكل إقرار لافرنتييف صراحة أن النظر في دستور 2012 هو هدف النظام السوري من اللجنة الدستورية صدمة للموهومين بالدور الروسي أو المعولين على سلة الدستور في أنها يمكن أن تشكل اختراقاً في المفاوضات مع النظام السوري. فيما يبقى ترحيب “تحرير الشام” بإعلان وقف إطلاق النار نقطة انعطافة هامة في التحولات السياسية الداخلية، وهي التي خونت عشرات الفصائل وقضت على كل إخواتها وفصائل الجيش الحر بحجج انزلاقهم في الحلول السياسية.
القدس العربي ٤ آب/ اغسطس ٢٠١٩