القوى والشخصيات الكردية السورية (غالبا التابعة لمسعود البارزاني)، والمُستبعَدة قسراً من
مشروع حزب العمال الكردستاني، بعد رفضه تقاسمه السلطة معها، بعد مفاوضات واتفاقيات رعاها البارزاني سنة 2013، تبرر موقفها الرافض العملية التي أجهضت عملياً مشروع هذا الحزب، بحجة الحرص على السيادة السورية، لكنها مزاعم متناقضة مع ترحيبها، في الوقت نفسه، بالوجودين، الأميركي والروسي، بل وحتى التهليل لدخول النظام!! ناهيك عن أن الخرائط “المتخيّلة” لكيان كردي في سورية أيضاً تناقض الحِرص المزعوم على السيادة المنتهكة بالأساس منذ نصف قرن.
وفي حال استثناء الموقف الذي تبنته رابطة المستقلين الكرد في سورية، والتي أيدت جهود اجتثاث “العمال الكردستاني” من سورية، فإن الأسباب الكامنة وراء موقف باقي القوى والشخصيات الكردية في سورية غير المحسوبة على هذا الحزب، وعلى الرغم من هذا، بدأت فجأة تتغنّى ببطولات عناصره، وتهرب باتجاه تبنّي دعاية استهداف الأكراد في سورية، يمكن تلخيصها بالآتي:
أولا، التحسّر على مكاسب “قسد” العسكرية التوسعية على الأرض التي لم يكن يحلم بها الأكراد يوماً، ولم تكن حتى خرائطهم المتخيلة تمتد لتقضم كل تل المساحات الشاسعة التي شملت ثلث سورية، الغني بالثروات الذي يشكل العرب فيه أكثر من 85% من السكان، حيث كان هؤلاء (أي التابعون للبرزاني) يأملون أن تؤول إليهم الأمور في لحظة معينة، ويستطيعون إدخال عناصرهم التي تدعى “بيشمركه روجافا” والتي تخضع حاليا لقيادة عناصر من بيشمركة البرزاني بشكل كامل، وتخضع لتدريبات منذ بدء الثورة في شمال العراق.
ثانيا، ما تمثله تركيا لأكراد سورية تحديدا من عدو قومي يرتبط بذاكرة جمعية تتعلق بحوادث التهجير الكمالي الأتاتوركي لهم من أرضهم، وحرمانهم من كردستان التي حدّدتها اتفاقية سيفر ضمن الخريطة التركية الحالية، كانت هذه العداوة قد انتقلت إلى الأكراد العشائريين في سورية الذين تأثروا ببواكير الحركة الكردية/ التركية اللاجئة إلى سورية، والتي احتضنها الفرنسيون منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي في سورية.
وفي خضم كل ما يحدث من مجرياتٍ تتسارع وتيرتها في الشمال السوري، يتم تناول الموقف المؤيد لعمليات اجتثاث تنظيم “قسد” بأنه موقفٌ متخاذل اتجاه احتلال أجنبي تركي للأراضي السورية، في الوسع إيجاز النقاط التي توضح تهافت هذه المغالطات من خلال الآتي:
أولا، كانت تركيا آخر القوات التي دخلت في سورية جنباً إلى جنب مع فصائل المعارضة، بعد سنوات على التدخل الإيراني والروسي والأميركي والفرنسي، وكلها جيوش لدول غير حدودية مع سورية.
ثانيا، من الناحية المتعلقة بمجريات الثورة السورية، كانت تركيا الدولة التي تتحمّل الشطر الأكبر من الأعباء، بعد أن فتحت حدودها أمام ملايين اللاجئين، الأمر الذي سبب لها أيضاً مشكلات داخلية لا تخفى على أحد.
ثالثا، خاضت تركيا حربا مع منظومة العمال الكردستاني منذ عام 1978، ذهب ضحيتها أكثر
من 30 ألف كردي، وتم خلالها تدمير أكثر من أربعة آلاف قرية كردية، كانت تتعرض للحرق على أيدي مليشيات “العمال الكردستاني”، بتهمة الخضوع للدولة التركية.
رابعا، للشعب السوري مصلحة بالقضاء على مشروع العمال الكردستاني/ التركي الذي لا يمثل في مرجعيته وقادته وشعاراته وأهدافه وممارساته وانتهاكاته وتسلطه وعلاقته مع النظام، ثم الأميركان أدنى مصلحة الشعب السوري ومستقبله.
خامسا، الانتصار المزعوم على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بخلاف المبالغة بتصوير حجمه، إلا أنه كان يخفي وراءه تدمير 80% من محافظة الرّقة، وفق تقرير الأمم المتحدة، وارتكاب مجازر حرب بحق المدنيين، وفق تقرير منظمة العفو الدولية، وارتكاب أكثر من 22 مجزرة موثقة بحق المدنيين، وفق تقارير مختلفة للجان حقوقية محلية، وتهجير عرقي لمئات القرى، بل ونواح بأكملها، كما حدث في نواحي الشيوخ والهول على يد مليشيات “قسد” التابعة لحزب العمال الكردستاني.
سادسا، قبول حقيقة المصلحة المشتركة للسوريين مع الأتراك في إحباط مشروع العمال الكردستاني لا يعني أن المعركة ضد الأكراد، فمليشيات “قسد” متعدّدة الأعراق والجنسيات أيضا يشكل العرب أكثر من 70% من عناصرها، لكنها تخدم أجندة “العمال الكردستاني”، وتعمل تحت قيادة عسكرية من جبل قنديل.
سابعا، إدراكنا خطر مشروع “العمال الكردستاني” لا يعني في المقابل الترحيب باستبدال قوة أجنبية أخرى على الأرض السورية، بمعنى أن الكاتب ينظر إلى الأمر من زاوية التدخل المؤقت لمصلحة مشتركة، يعقبه انسحاب كل القوات الأجنبية من سورية، ولا يمكن لأي سوري القبول بأدنى من ذلك، مهما كانت الذرائع.
أخيرا يجب التأكيد على حقيقة أن خياراتنا، نحنُ أبناء الشعب السوري، اليوم في حالة ضعف لا يمكن إنكارها، وفي ظل احتلال أرضنا من مختلف الجيوش والمليشيات، محدودة، مع أملنا بدفع جدي لعمليةٍ سياسيةٍ تفضي إلى عزل الأسد وإنهاء حقبة الاستبداد واستعادة الشعب السوري قراره. والأهم أن تستوعب مكونات الشعب السوري، وخصوصا الأقليات من الثورات المشتعلة في العراق ولبنان، بأن المحاصصات لا تبني أوطاناً، ولا تحقّق مستقبلاً لأي مجموعة إثنية أو دينية أو طائفية.