جسر: متابعات:
الحديث عن نهاية “الصيغة” (نظام الحكم) بات طرحاً جدياً على الساحة السياسية اللبنانية، لا سيما بعد الإعلان صراحة عن هذه النهاية على لسان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، ما يوحي فعلاً أن لبنان دخل مرحلة البحث عن نظام جديد يواكب موازين القوى والتسويات المقبلة على الشرق الأوسط، لا سيما أن قانون “قيصر” الذي دخل حيز التنفيذ فاليوم 1 حزيران/يونيو يتوقع أن يرسم معالم المرحلة المقبلة.
وهي المرة الأولى بعد “اتفاق الطائف” في عام 1989 التي تصل فيها نقاشات تغيير النظام القائم إلى هذا المستوى من الصراحة والوضوح، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يتم طرحها في الكواليس، وتشير المعلومات إلى أن طهران سبق وقبل سنوات عدة أن “جست نبض” السلطات الفرنسية بإمكانية تغيير صيغة الطائف، مرتكزة على فائض قوة “حزب الله” في المعادلة الداخلية، إلا أنه حينها كان الجواب الفرنسي أن الأجواء الإقليمية لا تسمح في تغيير المعادلات القائمة، ولكن بعد عام 2008 والاتفاق الذي أبرم في الدوحة، طُبقت نظرية “المثالثة” من دون تعديل النصوص وبات ما عرف “الثلث المعطل”، جزءاً أساسياً من معادلة تأليف الحكومات والتي من خلالها بدأ تسلل “حزب الله” إلى مفاصل السلطة.
فيتو أمريكي
وانطلاقاً من المشهد الإقليمي والصراع الأمريكي – الإيراني، إضافة إلى تعقيدات المشهد السوري، يرى البعض أن الحلول على الساحة اللبنانية باتت أسيرة التوازنات الإقليمية والدولية التي سيرسو عليها الشرق الأوسط، ويرى مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية سامي نادر، أن لقانون “قيصر” تداعيات مباشرة، إذ قد يتعرض لبنان لعقوبات أمريكية واسعة إذا لم يتم ضبط الحدود البرية، وفي حال تبيّن أن ثمة دعماً أو تجارة أو أي عملية تجارية قائمة مع النظام السوري وأركانه المالية والعسكرية والسياسية، مؤكداً أن هناك انكشافاً لقطاعات ومؤسسات عدة في لبنان، متسائلاً حول وضع المجلس الأعلى اللبناني السوري، إذا ما يُعتبر أنه يقيم علاقات مع نظام الأسد؟
ولفت إلى أن المسار اللبناني بات مرتبطاً بما يحصل في الإقليم، خصوصاً مع وجود “حزب الله” الطرف الأكثر نفوذاً داخل السلطة والانطباع السائد عن الحكومة الحالية بأنها حكومة الحزب، مشيراً إلى أن نتيجة لذلك، سيكون لبنان أمام ضغط دولي وإقليمي حول تطبيق القرارات الدولية 1559 و1701 ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود السورية لضبطها وترسيمها قبل أن يتلقى أي مساعدة لانتشاله من أزمته. وقال نادر إن المفاوضات الجارية بين “حكومة حزب الله” وصندوق النقد الدولي ليست تقنية واقتصادية بحتة، متوقعاً فتح الملف السياسي على مصراعيه، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي تملك حق الفيتو داخل صندوق النقد لأن مساهمتها فيه تفوق 15 في المئة.
محاصرة “حزب الله”
في المقابل يقول الدكتور في العلاقات الدولية قاسم حدرج إنه لا يمكن اعتبار لبنان بموقع الأسير للتسويات المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، ويضيف أن “حزب الله” هو الورقة الأقوى لمحور المقاومة، وهو ما اعترف به مهندس السياسات الأمريكية هنري كسينجر الذي قال إنه لا يمكننا وضع خطة للتسوية في منطقة الشرق الأوسط بمعزل عن الحزب والذي “باتت قوته تعادل قوة أكبر دولة إقليمية”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى إخضاع لبنان بشتى الوسائل وتفكيك المحور المعادي لإسرائيل والذي يقوده “حزب الله” اللبناني.
واعتبر حدرج أن واشنطن تسعى لمحاصرة الحزب داخلياً وإشغاله بأزمات داخلية وتحميله مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي ما قد يؤدي إلى تضاؤل دوره الإقليمي، مضيفاً “من هنا اعتبر بعض الفرقاء اللبنانيين أن الدعوات التي أطلقت من رجال دين شيعة لإنتاج نظام سياسي لبناني جديد وإنهاء الصيغة الطائفية تأتي بدفع من “حزب الله” بقصد السيطرة الكاملة على القرار السياسي اللبناني والقضاء على نفوذ حلفاء واشنطن الذين ما زالوا قادرين على إقفال البوابة اللبنانية السورية الرسمية، ويؤيدون الدور المطلوب منهم لجهة محاصرة سوريا، لا سيما ونحن على عتبة تنفيذ قانون “قيصر” الذي سيشكل سلاحاً بيد هؤلاء لمنع أي تواصل بين البلدين من شأنه أن يخفف الضغط الأمريكي على كليهما ويعيد لبنان إلى الحضن السوري ما يمنح إيران ورقة تفاوضية أكثر قوة بعد أن أجبرت على تقديم تنازلات في الساحة العراقية”.
“قيصر” يطال لبنان
ويعترف حدرج أن لقانون “قيصر” مفاعيل متشعبة ستطال لبنان بالقدر نفسه الذي تطال فيه سوريا، ما يعرض حلفاء “حزب الله” في لبنان لخطر أن تطالهم العقوبات تحت هذه الذريعة ويؤدي إلى ابتعادهم عن فلك الحزب بحجة تجنبهم لسيف العقوبات.
وأشار أستاذ القانون الدولي طارق شندب إلى أنه “من خلال قانون “قيصر” سيتم خنق نظام الأسد ومطاردة “حزب الله”، بالتالي لبنان في عين هذا القانون، وطالما أن الحكومة اللبنانية تابعة للحزب ستستجلب عواقب وخيمة”.
وأوضح أنه سيتم تنفيذ العقوبات من خلال منع السفر، وحجز أموال، ووضع المتورطين على اللوائح السوداء، إضافة إلى مقاضاتهم ومحاكمتهم حيث تتوافر آلية حقيقية للمحاكمة وإنزال العقوبات، التي قد تأتي من داخل القضاء الأمريكي، مبيناً أن قانون “قيصر” يؤسس لجمع المعلومات عن المتهمين، بالتعامل مع النظام وفرض العقوبات عليهم.
وشدد على أن لبنان أسير التسويات منذ زمن طويل، وأن انتخاب رئاسة الجمهورية أتت عبر تسوية إقليمية كانت لصالح “حزب الله” وإيران، التي تحاول السيطرة على لبنان بكل ما أوتيت من قوة من خلال الحزب الذي ينطق باسمها، معتبراً أن الوضع تغير الآن والتغيرات المقبلة على صعيد المنطقة سيكون لها تأثير في الوضع اللبناني باعتبار أن إيران باتت في مسار انحداري سينعكس لاحقاً في لبنان.
الفيدرالية و”قيصر”
في السياق، يرى الأمين العام للمؤتمر الدائم للفيدرالية ألفرد رياشي، أنه بسبب تدخلات “حزب الله” في شؤون دول عربية عدة ولا سيما سوريا باتت التوازنات الإقليمية تنعكس بشكل مباشر على لبنان، معتبراً أن وجود الحزب في هذا الدور الإقليمي هو انعكاس مباشر لفشل النظام السياسي الحالي الذي فشل في ضبط حالة التفلت التي أنشأها “حزب الله”، مؤكداً أن المعالجة لكبح جماح الحزب أو أي مجموعة قد تصل طموحاتها للارتباط بأي مشروع إقليمي يمرّ عبر نظام سياسي جديد يرتكز على النظام الفيدرالي.
ويستشهد بالتجربة الكردية في العراق حيث اعتمدت الفيدرالية في شمال العراق وبات الأكراد مكوناً أساسياً من الدولة الكردية مع الحفاظ على خصوصيتهم، موضحاً أن لبنان يعاني من سلاح غير شرعي لم يتم إيجاد أي حل له كون النظام المركزي الحالي يفرز عدم ثقة بين “المكونات الطوائفية” ما يدفع بالـ “شيعية السياسية” إلى التمسك بهذا السلاح، ورأى أنه في حال اعتمد تبني النظام الفيدرالي في سوريا مستقبلاً، فإنه سيسهم بالدفع إيجاباً نحو تبني الفيدرالية في لبنان، باعتبار أن هناك تفاعلاً كبيراً بين لبنان ومحيطه، لا سيما بعد قانون “قيصر” الذي قد يرسم معالم جديدة في مستقبل لبنان وسوريا.
_____________________________________________________________________________________
*نشر في إندبندنت عربية اﻻثنين 1 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا