جسر: رأي:
بقلم وائل الزهراوي
_ يكسبُ المرء كثيراً إذ إستطاع أن يُدرج عدة خُلاصات صـحيحةٍ في صيغة حلّ واحدة . لأنه بذلك لا يُسهّل فقط عملية إيجاد تصفيه شاملة . بل يؤسس لتجربة يمكن أن تنهي عدة مراحل بزمن واحد .
_ لكن المصيبة أن يُفهم هذا التوجه لدى البعض بطريقة معكوسة تماماً عن وجوبها . فمثلاً كم يخسر المرء إذا دمج عدة معضلات ومشكلات في صيغة مأزق واحد ؟
هذا لا يؤسس لإستحالة إيجاد حل يناسب ظروف ولزوم كل مشكلة على حدة فقط . بل يخلق مشكلة لا وجود لها جراء مزج العقبات ببعضها البعض .
فكيف إن كانت هذي المعضلات ذاتها عبارةً عن أشخاصٍ لم يعد في جعبتهم سوى أسقامهم وأكداس أطماعهم ليقدمومها لوطنٍ بات الغرباء فيه أكثر من عدد الشرفاء .
_ زعم النبي ماني أن الوحي أتاه وهو في الثالثة عشر من عمره عام 229 ميلادية . وكانت ميزته الكبرى عن كل أديان الشرق آنذاك أنه نحى في دينه منهجاً توافقياً بين المسيحية والزرداشتيه . فاعترف بنبوة عيسى فيما أنكر نبوة موسى
ثم راح يضيف إليها البوذية والعقائد الثنوية . وبالحقيقة أنه أراد أن يجعل هذا التوافق بين الأديان مؤسساً لنقطة توافقٍ ترضي كل من يبغي ديناً على هواه .
لم يكن يعلم سيدنا ماني أنه كان يؤسس قبر مذهبه الكبير بيديه قبل أن يُدفن هو ودينه على يد تلون إنتماءاته التي لم تُعطه هويةًَ محددةً تحدد كيانه أبداً .
حيث لم يمضي وقتٌ طويل حتى بدأت المانوية تتقهقر أمام حُجج ومناقشات الأديان الأخرى . حيث قضى اللاهوتيين المتفلسفين على الديانة المانوية بالمطلق بعد أن طرحوا على شيوخ المانوية أسئلةً عجزوا كل العجر عن الإجابة عليها .
_ هناك فرق كبير بين أن تنتمي لشيء وبين أن تتعاطف معه ؟
فالمنتمين للثورة هم أبناؤها الذين قدموا أرواحهم على مذابح الهُتافات في شوارع الوطن .
_ أما المتعاطفين معها فهم أولئك الذين كانوا ينتظرون منذ عقود أن يأتي سواهم ليضحي بدمه وحياته وأبنائه وعُمرهِ ليتنادوا هم أخيراً لأجل الوطن الذي لم يهتفوا فيه بكلمة واحدة .
_ أبناء الثورة هم أنبيائها المرتجفين ألماً في زنازين الظلم وقد اقتلعت عيونهم وانتزعت أظافرهم و قُطّعت أطرافهم وكل جريرتهم أنهم تقدموا ليكسروا أصفاد الوطن و يحطموا قيوده ثم يرحلوا دون أسماء .
أما المتعاطفين معها :
فهم أولئك المشابهين لبعضهم حد التطابق في الإدعاء وفي الأنا وفي التأخر وفي الجشع وفي حب الذات وفي حرصهم على حياتهم وأموالهم وأولادهم وإعتلاء تضحيات غيرهم .
طوابير ممن يريدون أن يحيلوا سنوات إنتظارهم وعجزهم وقنوطهم وسكوتهم وضعفهم وجبنهم إلى سنوات نضالٍ تحت أطماع أنفسهم وحاجات تعتمل في صدروهم . الغاية الكبرى منها هي أنا . أنا هنا فانظروني . ألا تروني ؟
نراك نراك لكننا بحاجةٍ لمجهرٍ فقط .
_ جاء في أصحاح مؤتمر القوى المانوية السورية // الكلمة التعريفية // المبادئ العامة لقوى المانوية السورية : الصفحة الرابعة :
هو حشدً وتوحيد لكل قوى التغيير ‘‘ وليس قوى الثورة ‘‘ ثم لقيام الكتلة التاريخية وليس ‘‘الثورية‘‘ .
_ لماذا يُقصي هؤلاء الثلة من المكررين والفارغين وفي أحسن الأحوال الأشخاص العاديين كل أبناء الثورة الحقيقة وحماتها وأهلها وقادتها ؟
مالسبب الذي يحمل ذوي الشعور البيضاء الذي توراثوا الفشل عقداً بأكمله من الزمن على أن يتفقوا على ألا تضم صفوفهم شاباً واحداً هتف في شوارع الوطن حين كانوا هم نياماً في أسرة سباتهم الطويل ؟
_ الإجابة سنجدها في الصفحة 140 من كتاب عطب الذات حيث يتحدث المؤلف عن مؤتمرٍ كان عُقد للمجلس الوطني السوري أقتبس تاريخ الشهر الأول عام 2012
‘‘ وحصل هياجٌ وصراخ واشتباكٌ بالأيدي بين من أيّد الإقتراح ومن وقف ضده بعنف . وبعد معركة حامية استخدمت فيه الكراسي والشتائم والعصي . إنتهى الإقتباس .
_ إذا حين كان هناك جيلٌ بأكمله يُباد ويُفنى وترصف الجثث مئات و مئات والوطن يودع كل المخلصين له على مفارق الزنازين ,كان هؤلاء يضربون بعضهم بعضاً ويشتمون بعضهم بعضاً لأنهم لم يتفقوا كيف سيقتسموا دماءنا وكيف سيبيعوا تضحياتنا وكيف سيركبون صهوة شهقاتنا .
هم ذاتهم يا مولانا ماني هم ذاتهم مهما إختلفت ملامحهم إلا أن رائحتهم هي ذاتها لن تتغير أبداً .
_ يا كل الشرفاء في هذا الكون. أيها السوريون الأباة . يا كل من تبقى منكم أيها الأوائل لقد ولدتُ مرتين .
الأولى كانت رغماً عني .
أما الثانية فجاءت حين صرخت من كل خليةٍ مني ‘‘ حرية للأبد غصباً عنك يا أسد‘‘ . وشعرتُ لأول مرةٍ في تاريخ حياتي كيف أن دمي بات يسافر داخل كلمات هُتافاتنا ولم يعد مذحينئذ لشراييني .
وكيف أن من رأيتهم وقد تقدموا هناك وقد وهبوا جباههم للرصاص وتنادوا ليس لأجل مؤتمر ولا منصب بل لأجل أن يتـحدوا مرارة الموت وحُرقة الفقد هم ذاتهم من قَتلوهم في العتمات إنتقاماً من إخلاصهم وإمعاناً في الثأر من وطنيتهم .
ليأتي بعد كل ما مضى ثلةٌ من المزوّرين وبقية من الطامعين فيزيدوا في ألام البسطاء بأحلام لا تتعدا ذواتهم المريضة حتى يوغلوا في خيانتنا ويثخنوا في إيلامنا ويمحوا كل حضارة تضحياتنا .
إن مؤتمر القوى المانوية السورية لا يمكن لنا أن نقرأه :
إلا بوصفة الخلاصة الأكثر إنحطاطاً لكل أشكال الغايات الفردية والتتوافقات اللاوطنية .