جسر:صحافة:
تتضارب التوقعات لتطور الأوضاع في الشمال الغربي من سورية، إثر التطورات الميدانية التي تلت استهداف الطيران الروسي لـ”فيلق الشام”، بين بوادر التصعيد التي تلوح في الأفق، والتوقعات باتجاه روسيا وتركيا للحفاظ على اتفاق موسكو، ومنع انزلاق المنطقة إلى معركة واسعة. ومقابل التصعيد من قبل قوات النظام السوري ضد المدنيين في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في محافظة إدلب، متجاوزة بذلك اتفاق موسكو، الساري منذ مارس/آذار الماضي، وبعد تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء الماضي، بأن بلاده جاهزة للقيام بعملية عسكرية في سورية، برز تفكيك الجيش التركي ، أمس الخميس، نقطة مراقبة ثانية محاصرة من قبل قوات النظام، وهو ما وضعه البعض في إطار الاستعداد لتطورات مقبلة في المنطقة.
على الجهة الأخرى، تُطرح تساؤلات عن أسباب استهداف النظام لمدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، والتي سقط فيها 4 قتلى وجرحى، بعضهم في حالات حرجة، بقصف للنظام مساء الثلاثاء بالمدفعية والصواريخ على أحياء في المدينة. ودأبت قوات النظام والطيران الروسي في الآونة الأخيرة على خرق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين موسكو وأنقرة في العاصمة الروسية مطلع مارس/آذار الماضي، في مؤشر على أن الشمال الغربي من سورية قد يكون مقبلاً على تصعيد جديد، قد يطيح باتفاق موسكو برمته.
وتقع مدينة أريحا إلى الجنوب الغربي من مدينة إدلب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، بنحو 15 كيلومتراً. وهي تتمتع بموقع حيوي، كونها تتموضع على سفح جبل الأربعين، الذي يشرف على مساحات واسعة في محافظتي إدلب وحماة، ويقع إلى الجنوب الشرقي من أريحا. كما يمر بجانبها الطريق الدولي حلب-اللاذقية “أم 4” الذي يربط بين منطقة الساحل في غربي البلاد، ومدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري، من الطرف الشمالي للمدينة، ما يجعلها تتموضع جنوب الطريق، وهي المنطقة التي تحاول قوات النظام السيطرة عليها بشتى الطرق. كما تعد أريحا عقدة مواصلات بين جبل الأربعين وجبل الزاوية، ومدن إدلب وجسر الشغور وسراقب. ويقطن في مدينة أريحا حالياً عشرات آلاف المدنيين، عدد كبير منهم نازحون من عدة مناطق سورية.
وتأتي مدينة أريحا في طليعة أهداف قوات النظام الساعية إلى السيطرة على كامل ريف إدلب، جنوب الطريق الدولي “أم 4”. لذا من المتوقع أن تتقدم قوات النظام باتجاهها في حال انهيار التفاهمات التركية الروسية، التي تحكم حتى اللحظة الشمال الغربي من سورية، ولكنها تترنح، لا سيما بعد الضربة الجوية التي وجهها أخيراً الطيران الروسي لمعسكر تابع إلى “فيلق الشام”، الفصيل الأقرب إلى الجانب التركي بين فصائل المعارضة السورية، في منطقة الدويلة في ريف إدلب الغربي وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 100 مقاتل.
في غضون ذلك، وفي خطوة قد تشير إلى أن محافظة إدلب تتجه إلى تصعيد جديد، فكك الجيش التركي أمس الخميس نقطة مراقبة ثانية محاصرة من قبل قوات النظام. وذكر ناشطون أن القوات التركية الموجودة في نقطة المراقبة الـ11 في قرية شير مغار، شمال غربي مدينة حماة، كانت تتحضّر للانسحاب، مشيرين إلى أن آليات نقل توجّهت إلى النقطة الواقعة في جبل شحشبو تحضيراً لنقلها إلى تلة قرية قوقفين في منطقة جبل الزاوية. وأوضحوا أن عملية التفكيك تجري بالتزامن مع استكمال نقل الآليات والمعدات العسكرية من النقطة التاسعة قرب مدينة مورك، التي بدأ الجيش التركي بنقلها من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في 20 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وتقع عدة نقاط مراقبة تركية أقيمت وفق تفاهمات مسار أستانة تحت حصار من قبل قوات النظام منذ فبراير/شباط الماضي، حين تقدمت هذه القوات، تحت غطاء روسي، فتراجعت قوات المعارضة عن ريف حماة الشمالي ومناطق واسعة في ريفي إدلب وحلب، وتضم مدن كبرى أبرزها معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، وسراقب في ريف إدلب الشرقي.
ورأى العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة في الشمال الغربي من سورية، أن التفاهمات التركية الروسية حول محافظة إدلب ومحيطها “لن تتأثر بسبب الضربة الجوية الروسية على فصيل فيلق الشام، أو المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام في مدينة أريحا”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”: “حصلت مجازر أكبر، وعلى الرغم من ذلك لا تزال هذه التفاهمات موجودة”. وأعرب عن اعتقاده بأن “وضع تركيا حالياً لا يؤهلها للوقوف بوجه روسيا أو الاعتراض على تصرفاتها”، مشيراً إلى أن “تفكيك النقطة التركية يأتي ضمن قرار تركي بسحب النقاط المحاصرة إلى المناطق المحررة”، متوقعاً أن الإجراء التركي “له علاقة بما يحصل من تصعيد”، وفق قوله.
وكان الجيش التركي قد بدأ بإنشاء نقاط المراقبة داخل سورية، وعلى حدود “منطقة خفض التصعيد” الرابعة، وفق تفاهمات مسار أستانة أواخر العام 2017، بدءاً من منطقة صلوة في ريف إدلب الشمالي، ومن ثم نقطة الشيخ عقيل في ريف حلب الغربي، ومن ثم نقطة الشيخ بركات غرب حلب. وأقيمت النقطة الرابعة في تلة العيس في ريف حلب الجنوبي الغربي، والخامسة على تل الطوقان في ريف إدلب، ومن ثم الصرمان، ونقطة تل الطامورة في منطقة عندان في ريف حلب الشمالي الغربي، ومن ثم نقطة الزيتونة في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، إضافة إلى نقطة مورك في ريف حماة الشمالي. وتقع 9 من النقاط الـ 12 تحت حصار قوات النظام، إضافة إلى عدة نقاط تمركز كان الجيش التركي أقامها إبان تقدم قوات النظام خلال الربع الأول من العام الحالي. ومن المرجح أن يستكمل الجيش التركي سحب نقاطه المحاصرة خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وكان الجانب التركي يطالب بعودة قوات النظام إلى حدود تفاهمات مسار أستانة، أي الانسحاب إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية. لكن الجانب الروسي رفض مطالب أنقرة التي كانت تصر على إبقاء نقاط المراقبة على الرغم من حصارها. ولكن كما يبدو تخشى أن تهاجم قوات النظام الجنود الأتراك الموجودين فيها في حال انهيار التفاهم مع موسكو، وهو ما دفعها إلى بدء تفكيكها. ونشر الجيش التركي، منذ مارس/آذار الماضي، آلاف الجنود والآليات العسكرية في أكثر من 50 نقطة تمركز في محافظة إدلب، إضافة إلى إقامة قاعدتين، هما قاعدة مطار تفتناز العسكري في ريف إدلب الشمالي الشرقي، وقاعدة معسكر المسطومة على الطريق الواصل بين مدينتي أريحا وإدلب.
المصدر: العربي الجديد