جسر: متابعات:
بدأ “حزب الله” اللبناني مؤخراً التسلل إلى منطقة شرق الفرات، الخاضعة لسيطرة “التحالف الدولي” بالتعاون مع حليف واشنطن المحلي “قوات سوريا الديموقراطية”. وبدأ الحزب تدريب واستقطاب عناصر من أبناء القبائل العربية، مستخدماً مؤسسات النظام التي ما تزال قائمة هناك، كغطاء لعمليات التجنيد السريّة.
وقد تصاعدت عمليات التجنيد ابتداء من حزيران/يونيو، وأكدت مصادر “المدن” تخريجه لدورتين في مراكز مليشيا “الدفاع الوطني” في القامشلي، في 20 آب/أغسطس، تحت مسمى “مهام خاصة” و”مجموعات اقتحامية”. وضمت كل دورة 200 عنصر. وحضر اعلام النظام التخرج، وبث تقارير عبر التلفزيون الرسمي، تزعم أن المتخرجين من عناصر “الدفاع الوطني”، وبحضور قادة المليشيا مثل العقيد سمير إسماعيل، وخطيب الياس الطلب، وفاضل الحوران، وحميد الأسعد.
“المدن” تواصلت مع بعض المتخرجين من تلك الدورات، وأكدوا أنها كانت المرة الأولى والأخيرة التي شاهدوا فيها قيادات ومدربي “الدفاع الوطني” في المعسكرات.
وأكدت مصادر “المدن” أن المجموعتين تتبعان لـ”حزب الله”، منذ التجنيد إلى التخرج، وأن علاقتهما بمليشيات النظام شكلية. وأفاد أحد المتحدثين، أنه عَلِمَ بالدورة من قيادي في “الدفاع الوطني” من قبيلته، بعدما عرض عليه الأمر ونصحه بالالتحاق بها، خاصة إن الرواتب التي تدفع للخريجين أفضل بكثير من رواتب “الدفاع الوطني”، واكثر انتظاماً. عناصر “الدفاع الوطني” لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور. كما أن من سيحمل بطاقة الانتماء لهذه القوة الجديدة، سيُضمَنُ له عدم الملاحقة من اجل التجنيد أو الخدمة الاحتياطية.
وقال عنصر آخر، لـ”المدن”، إن الاجراءات كانت بسيطة، وتقتصر على تزكية من شخص في مخابرات النظام أو القوى العسكرية التابعة له في محافظة الحسكة، إضافة إلى صورتين شخصيتين وصورة البطاقة الشخصية، وتقديم طلب بشكل شخصي في مقر قيادة “الدفاع الوطني” في القامشلي؛ المشفى الوطني القديم. وبعد عشرة أيام على تقديم الطلب، جاءته الموافقة على انضمامه الى المجموعة، وطُلِبَ منه الحضور الى مركز “مدرسة الاوائل لتعليم قيادة السيارات” على الطريق الدولي جنوبي مدينة القامشلي بالقرب من دوار ذبانة، للبدء بالدورة التي بلغ عدد متطوعيها 200 عنصر.
واشرف على الدورة المغلقة التي استمرت لعشرين يوماً، قيادي في “حزب الله” يدعى “الحاج مهدي”، الذي يتخذ من “مركز النقل” الواقع بين دوار زوري و”الفوج 154″ مقراً له، مع مساعد يلقب بـ”الحاج نضال”، وهما لبنانيان، ويعاونهما في التدريب الميداني أربعة مدربين من عناصر الحزب.
وأفاد الشبان الذين تلقوا التدريب، بأن برنامج العمل يتضمن تدريبات بدنية وعسكرية على مختلف أنواع الأسلحة الفردية؛ بنادق ومسدسات وقناصات وأسلحة رشاشة وقواذف ار بي جي، وكذلك تدريبات على التكتيكات العسكرية من التنقل والتخفي والوقاية من القنص، وتدريبات ميدانية في فن الرمي ومختلف مهارات “حرب العصابات” والعمل خلف خطوط العدو.
وفي نهاية الدورتين، تم نقل العناصر إلى حقل الرمي في تل الشيخ بدر جنوبي مدينة القامشلي، بالقرب من قرية صافيا، حيث تم تنفيذ بيان عسكري ميداني بالأسلحة الحية. وبعد ذلك تم توزيع بطاقات الانتساب لـ”حزب الله” من قبل “الحاج مهدي”، مع بطاقات بنكية ليتم تحويل رواتب العناصر عبرها، وتصرف عبر “المصرف التجاري السوري” في مدينة القامشلي، بشكل شهري. ومنح كل عنصر مكافأة في نهاية الدورة قدرها 35 ألف ليرة سورية، وطلب منهم العودة إلى منازلهم على أن يكونوا تحت تصرف قيادة الحزب في أي وقت يطلب منهم ذلك. وتم اعلامهم أن من يريد ان يشارك في مهام قتالية مع الحزب في الداخل السوري، يمكنه تقديم طلب بذلك، وسيصرف له بدل مالي قدره 80 الف ليرة سورية، عن كل مهمة مدتها 20 يوماً.
وأخبر الحزب “المتميزين” في الدورتين، بأنه سيتم التواصل معهم بشكل شخصي، ودعوتهم لخوض دورات مكثفة في الديماس بدمشق. ومن يثبت تميزه هناك، سيتم ايفاده إلى إيران لاتباع تدريبات متقدمة في العمل العسكري والقيادي. كما طلب منهم دعوة وتزكية المزيد من المتطوعين.
موقف “قسد”
وتجري هذه الاحداث في محافظة الحسكة التي تسيطر على معظمها “قسد”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمادها. بينما يسيطر النظام على مربع امني في مدينة القامشلي ومطارها، وبضعة احياء في مدينة الحسكة. ومن الصعب جداً تخيل حدوث تلك التدريبات، من دون معرفة استخبارات “قسد” المتغلغلة في المنطقة بها. لكن الأكراد يتحاشون أي صدام مع الايرانيين، سواء على الصعيد الاجتماعي، حيث تعقد طهران علاقات وثيقة مع عدد من شيوخ القبائل، مثل شيوخ طي وشمر، أو على الصعيد الأمني والعسكري، حيث يعتقد أن مطار القامشلي هو مقر إدارة شبكة واسعة من العملاء المجندين لصالح “فيلق القدس”.
موقف الأكراد هذا نابع أولا من عدم وجود أي مصلحة لهم بالتصادم مع ايران في سوريا، من ناحية، وإلى حاجتهم لابقاء قنوات الاتصال مع النظام وحلفائه من ناحية ثانية. كما يعتقد الأكراد أن ايران في النهاية حليف قوي لهم ضد تركيا المتحفزة للقفز عليهم وانهاء مشروعهم.
وهو موقف يتناقض مع موقف الولايات المتحدة، التي تعتبر الراعي والحامي الأكبر لمشروع “الإدارة الذاتية” و”قسد”. ولا يمكن اليوم التكهن بطبيعة رد الفعل الأميركي، فيما لو سمحت “قسد” بنشوء نشاط إيراني مضاد للوجود الاميركي في شرق الفرات. لكن بالتأكيد سيكون ثمة رد فعل حاسم، فيما لو تحولت تلك النشاطات إلى عمليات استهداف، وشكلت خطراً على حياة الجنود الاميركيين في شرق الفرات، ما سيهدد الشراكة الاستراتيجية غير المسبوقة بين الطرفين.
المدن 30 أيلول/سبتمبر 2019