عبد الناصر العايد
ترى ما الأهداف التي كان يتوخى تحقيقها مَن أطلق عملية سجن غويران؟ وماذا حقق من تلك الأهداف؟ هنا سنحاول قراءة أفكار أمير سعود المولى، أو “الهاشمي”، الزعيم الحالي لتنظيم “داعش”، الذي لا يمكن أن تشن مثل هذه العملية بلا قرار منه.
أول ما يمكن تخمينه من أهداف زعيم جديد لم يسجل إنجازه الخاص بعد، هو أن المولى أراد أن يبدأ عهده بعمل مجلجل، يثبته في مكانه ومكانته، خصوصاً أمام عتاولة التنظيم القابعين في سجون قوات سوريا الديموقراطية، والذين سيبدو أمامهم بصورة البطل المخلص، وقد فشل في تحقيق هذا الهدف الذاتي على نحو ذريع، عندما انقلب الخلاص إلى مقتلة للمئات من عناصر التنظيم ومقاتليه.
ثاني الأهداف التي يمكن توقعها، هو رفد قوة التنظيم بنحو خمسة آلاف عنصر على الأقل، من خلال المقامرة بمصير ما نقدره بالمئات من العناصر الطلقاء الذين زجوا في المعركة، إلا أن ما حدث هو خسارة المعتقلين والطلقاء معاً، وهؤلاء الأخيرون لا بد أنهم القوة الضاربة المتبقية لدى التنظيم.
الهدف الثالث ولا بد، هو بسط السيطرة على رقعة ما، واستئناف حالة “الدولة”، بما يعنيه ذلك من زخم وتأثير بالغ، خصوصاً إذا تضمن وضع اليد على موارد اقتصادية وسكان يمكن تجنيدهم للقتال.
رابع الأهداف، إعلامي، يدور حول جعل التنظيم مجدداً محور اهتمام دولي، بعدما خفت نجمه، ولم يعد يسمع به أحد، وقد تحقق هذا الهدف بالتأكيد خلال أيام العملية، رغم التغطية الإعلامية الدولية الفاترة للحدث، والتركيز على بُعده البوليسي المثير، بعيداً من أي إضافات إيديولوجية، تحقق للتنظيم أي “تغذية راجعة” محتملة.
خامس الأهداف، هو استعادة التنظيم لمصداقيته وهيبته، وشدّ عصب مؤيديه، بعد الهزائم المتتابعة التي مُني بها، والويلات التي جرها على مجتمعات وقعت تحت سيطرته، من خلال تنفيذ هجوم جريء ومخطط له. لكن سحق المهاجمين وإفشال العملية، جعلا هذا الهدف متحققاً جزئياً فقط.
أما أسباب الفشل فيمكن ردها، بالدرجة الأولى، إلى لا واقعية المخطط، الذي اعتمد على عنصرين وحسب، أي المباغتة والانتحاريين، وأهمل جوانب أساسية يفترض أن تؤخذ في الاعتبار في عملية بهذا الحجم الكبير وفي العمق الاستراتيجي للخصم. على سبيل المثال، لم نشهد أي محور تشتيت أو إشغال أو استنزاف، ولا جماعة تأمين أو تغطية لمجموعة الاقتحام. ولا يبدو أن المخطط فكّر في المكان الذي سيلجأ إليه السجناء الخمسة آلاف فيما لو تم تحريرهم فعلاً، فالمنطقة مطوقة بالكامل بمقرات عسكرية وأمنية، وإذا انحدروا جنوباً أو شرقاً سيكونون في صحراء شاسعة يسهل اصطيادهم فيها. ثم أنه، وعلى فرض نجاحهم في بلوغ منطقة عمرانية ما وفرض سيطرتهم عليها، هل هم فعلاً قادرون على التمسك بها؟ أم أنهم كانوا يعتقدون حقاً أن طيران التحالف الدولي سيقف مكتوف الأيدي؟!
تقودنا النقطة الأخيرة إلى تقييم أوّلي لأوضاع تنظيم داعش الحالية، منظوراً إليها من خلال مجريات هذه الموقعة، وهي تشير إلى أنه يفتقد للقيادة الاستراتيجية المقتدرة التي كان يتمتع بها، وجلّها من عسكريين وخبراء أمنيين محترفين من حقبة صدام حسين، أو أنه فقد القوة البشرية بالفعل، سواء على صعيد العدد أو الكفاءة، أو حتى على صعيد التماسك التنظيمي بين أعضائه، بحيث لم يستطع حشد قواه في لحظة حاسمة كهذه.
أما في ما يخص قوات سوريا الديموقراطية، وبغض النظر عن الملاحظات الكثيرة التي يسوقها خصومها في معرض اتهامها بالقصور، أو التقصير، أو حتى التآمر مع “داعش” للتضييق على العرب في المنطقة، فقد ربحت هذه الجولة، كما لو أنها صُمّمت بالفعل لتخرجها من حال إلى حال أفضل. أجهضت “قسد” العملية، واستعادت التعاون الوثيق مع قوات التحالف الدولي، ولفتت نظر العالم أجمع، من خلال إطالة أمد العمليات، سواء كان مقصوداً أم لا، إلى وجودها ودورها ووظيفتها، وأيضاً إلى مظلوميتها من حيث أنها لا تتلقى الدعم الكافي. كما صبت العملية في النهاية في خانة القضية الكرديّة، التي ذكرتها عناوين السياسة في الأخبار الدولية كافة، حين عنونت أن “القوات الكرديّة” صدت هجوماً إرهابياً لتنظيم إسلامي متطرف.
قلنا في مقال سابق، إن الغرب يغادر مواقعه في الحرب على الإرهاب، ويصنفها في خانة الحروب اللا-منتهية التي لا يمكن الفوز بها، أو المخاوف الأمنية التي يمكن التعايش معها، شأنها شأن الجريمة المنظّمة وتجارة المخدرات والهجرة وتجارة السلاح والاستبداد والتغير المناخي. وشأنها شأن تنظيمات تدمر البلاد والمجتمعات التي تنشأ بين ظهرانيها، مثل نظام الأسد أو الولي الفقيه أو طالبان أو حزب الله، لكنها تشكل خطراً هامشياً على القوى الكبرى، والتي يمكنها “كفحها” كلما أطلت برأسها بالأدوات فائقة التطور، كما حدث في معركة سجن غويران، التي وضعت قوات خاصة أميركية حداً لها في غضون ساعات، ومن دون إظهار الفزع أو التحدي أو الاستفزاز الذي طالما غذى التنظيمات الجهادية بوصفها تخوض معركة كبرى ضد القوى العالمية.
المصدر: المدن