جسر:صحافة:
لطالما سخر بايدن من وصف منافسه له بأنه اشتراكي خطير عبد لدى اليسار المتطرف، ولهذا كان يلجأ إلى سجله الحافل لكونه شغل منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما، وكذلك ظل عضواً لفترة طويلة في مجلس الشيوخ.
قد يكون بايدن معتدلاً، لكن في حال عودة هيمنة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ وكذلك على البيت الأبيض عندها قد يسن هذا الرجل أكثر الإصلاحات راديكالية وتطرفاً منذ أيام فرانكلين روزفلت خلال فترة الركود الكبير.
ماذا يعني فوز بايدن بالنسبة لأميركا؟
تقوم خطط بايدن الداخلية على الهروب من الاقتصاد الذي يعتمد على الطاقة والعودة لبرنامج الأشغال العامة الذي يهدف إلى تجديد البنية التحتية والإسكان والمباني.
أما أولويته الأساسية فتتمثل بالقضاء على جائحة كورونا عبر زيادة الاختبارات وتعقب الحالات وزيادة الدعم للعائلات والمشاريع التجارية مع السعي لفرض ارتداء الكمامات، وتطعيم الأميركيين ضد الوباء حال توافره.
ووعد بايدن بتغيير جملة من الزيادات الضريبية التي فرضها ترامب في عام 2017 لكنه أصر على ألا تتعرض أي أسرة دخلها أقل من 400 ألف دولار بالسنة إلى أي زيادة، أي أنه سيحافظ على حزمة الإعفاءات الضريبية والامتيازات الإضافية المخصصة للأطفال.
كما وعد بمضاعفة الحد الأدنى للأجور، ويسعى لأن تنفق الحكومة 400 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة على المواد والخدمات التي تنتجها الولايات المتحدة، و300 مليار دولار على الأبحاث والتطوير ويشمل ذلك السيارات الكهربائية والذكاء الصناعي.
ووصف بايدن سياسته في مجال الرعاية الصحية بأنها ستكون Bidencare أي تشبه السياسة التي تبناها أوباما عبر قانون الرعاية التي يمكن تحمل تكاليفها.
أما في مجال العدالة الجنائية فيسعى إلى إلغاء تجريم الحشيش لأغراض ترفيهية وإسقاط الإدانات السابقة فيه، وإنهاء الكفالة المالية، والاستخدام الفيدرالي للسجون الخاصة، وتعهد بإنفاق 300 مليون دولار سنوياً على الأمن المجتمعي وغير ذلك من الإصلاحات، إلى جانب وعوده بتشكيل لجنة لتقوم برفع توصياتها بخصوص إحداث تغييرات في نظام المحكمة العليا.
أما بالنسبة للاجئين فقد وعد بايدن بالسماح بدخول 125 ألف لاجئ خلال العام القادم.
ماذا يعني فوز بايدن بالنسبة للعالم؟
إن عودة المعاهدات الدولية والقمم مع الحلفاء وتزعم الولايات المتحدة للعالم بالنسبة لقضية التغير المناخي كلها موجودة ضمن جدول أعمال إدارة بايدن.
حيث ستعود أميركا إلى اتفاقية باريس للمناخ وكذلك للاتفاق النووي مع إيران في حال التزمت إيران بتعهداتها، كما سيعيد بايدن التمويل المخصص لمنظمة الصحة العالمية بعدما قطعه ترامب عنها لمعاقبتها على أسلوبها في التعامل مع فيروس كورونا.
وتعهد بايدن بعقد قمة دولية للديمقراطية حتى تستعيد الولايات المتحدة قيادتها وريادتها في مجال حقوق الإنسان ومحاربة الفساد والتسلط، بالإضافة إلى عقد قمة عالمية للمناخ خلال الأيام المئة الأولى من ولايته.
وبعد مرور أسبوعين على الولاية الرئاسية القادمة ستنتهي مدة سريان اتفاقية نيو ستارت النووية مع روسيا، وقد أعرب كلا الجانبين عن رغبته بعقد اتفاقية جديدة بينـما يميل بايدن إلى الحد من الرؤوس النووية دون مشاركة الصين، تماماً كما اشترطت إدارة ترامب.
وسيعين بايدن في منصب وزير الخارجية إما سوزان رايس أو توني بلينكين الذي يعمل مستشاراً شخصياً له في مجال السياسة الخارجية، وكلاهما براغماتيان ويدعمان إسرائيل أكثر مما يفعل الجناح الأيسر في الحزب الديمقراطي.
بيد أن بايدن سبق أن انتقد رؤية ترامب التي وصفها بالقاصرة والتافهة عند اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل دون استخدام ذلك ضمن مخطط أكبر، ولكنه قال: “والآن بعدما تم الأمر، لن أقوم بإعادة السفارة إلى تل أبيب”.
وكغيره من المرشحين تعهد بإنهاء الحروب التي لا تنتهي في أفغانستان والشرق الأوسط والتي كلفت الكثير من النفس والنفيس، مع إعادة الغالبية العظمى من الجنود إلى وطنهم والتركيز بشكل أكبر على مهمة أميركا في القضاء على تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
إلا أن التحدي الأكبر بالنسبة له هو الصين، ولهذا سيسعى بايدن إلى تشكيل تحالفات مع دول أخرى مثل الهند والبرازيل لمواجهة نفوذ بكين المتنامي.
يتطلع الغرب لأن يسعى هذا الرجل لإعادة العلاقات الطبيعية مع الحلفاء التقليديين، إذ لم ترق فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لبايدن في الوقت الذي صفق ترامب لها، ثم إن أصوله الكاثوليكية الإيرلندية تخلق لديه حساسية تجاه أي أثر سلبي قد ينعكس على إيرلندا أو على اتفاق الجمعة الحزينة. وبالطريقة ذاتها سيعيد بايدن بناء العلاقات مع ألمانيا وفرنسا بوصفهما الدولتين اللتين تتمثلان وتحملان القيم والمعايير الأوروبية. ثم إنه من الأهمية بمكان اللجوء إلى تطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي عموماً فيما يتصل بالمشكلات والقضايا الملحة مثل التعامل مع صعود الصين.
بيد أن تشكيلة فريق بايدن المتخصص بالسياسة الخارجية ستضم الأعضاء الذين وجدوا في المنصب ذاته خلال حكم أوباما
وأخيراً من الأفضل إعادة القيم والثوابت الديمقراطية إلى مكانها في قلب السياسة بعد مرور أربع سنوات على حكم ترامب الذي سعى خلالها إلى تعظيم شخصه ورفع مكانته إلى حد القداسة.
المصدر: تايمز +موقع تلفزيون سوريا