جسر: متابعات:
أيام قليلة ويدخل قانون حماية المدنيين في سوريا، المعروف باسم قانون قيصر الأميركي، حيّز التنفيذ، مع سريان مفعوله في 17 جزيران/يونيو الحالي، وسط توقعات في الوسط السوري والمحور الذي يدور في فلكه، بأن تكون له انعكاسات كبيرة على الاقتصاد السوري وعلى بيئة الأعمال التي تعد العدة لمرحلة إعادة إعمار سوريا، بعد بلورة الحل السلمي أو التسوية الأميركية – الروسية حيال مستقبل البلد والنظام فيه ودور العملاقين الدوليين فيه.
وفيما تعددت القراءات حول هذا القانون الذي أقر نهاية العام الماضي، في محاولة لفهم مدى خطورته وخطورة تطبيقه على سوريا والدول المحيطة أو الشركات المستثمرة أو المتعاملة مع النظام، لا بد من التوقف عند مضامينه والمستهدفين منه في الداخل والخارج السوري، والأهداف التي ترمي الولايات المتحدة الأميركية إلى تحقيقها من خلاله.
من يطال القانون، وما هي أبرز بنوده، وماذا في خلفية تسميته قانون قيصر؟
بحسب الموقع الإلكتروني للكونغرس الأميركي، أقر القانون H.R.31 في 20 كانون الثاني/يناير الماضي تحت اسم “قانون قيصر سوريا للحماية المدنية”، قبل ان يوقعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد أيام قليلة ليصبح نافذاً اعتباراً من 17 حزيران/يونيو، وتمتد مفاعيله لخمس سنوات من تاريخ بدء التنفيذ، أي حتى عام 2024.
ويشكل هذا القانون جزءاً من قانون تفويض الدفاع الوطني (S1790) لعام 2019. تم إقراره في مجلس الشيوخ في 17 كانون الأول/ديسمبر 2019، بالتوافق مع مجلس النواب أيضاً، ويهدف إلى معاقبة النظام السوري ورئيسه، على جرائم الحرب التي ارتكبها في حق المدنيين السوريين.
ويمنح القانون الرئيس الأميركي الحق في وقف العقوبات إذا ارتأى أن الأفراد المعنيين بالنزاع انخرطوا في مفاوضات بناءة ترمي إلى وقف العنف ضد المدنيين. وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي للقانون هو حماية المدنيين من العنف، إلا أن معظم مندرجاته تتناول عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية تستهدف بشكل أساسي عملية إعادة إعمار سوريا، بحيث يُبين القانون حرص واشنطن على أن تكون لها الكلمة الفصل في هذا المسار. ويستهدف أيضاً عدداً من الصناعات السورية، من ضمنها كل ما يتعلق بمشاريع البنى التحتية وصيانة الآليات العسكرية وإنتاج الطاقة.
المركزي السوري وغسيل الأموال
يجيز هذا القانون مراقبة أعمال المصرف المركزي في مجال غسيل الأموال، كما يجيز لوزير الخزانة الأميركية ضمن مهلة 90 يوماً من دخوله حيّز التنفيذ، أن يحدد ما إذا كانت هناك أسباب معقولة تقود إلى اعتبار أن المصرف المركزي السوري هو مؤسسة مالية ذات اهتمام رئيس بتبييض الأموال. وإذا صح ذلك، يعود للوزير بالتنسيق مع الهيئات الفيدرالية المعنية فرض الإجراءات العقابية المنصوص عنها في القسم 5318 من القانون الأميركي.
الأشخاص والكيانات
ويتناول القانون “الأشخاص الأجانب الذين ينخرطون في معاملات معينة”، بحيث يعطي الرئيس الأميركي الحق بفرض العقوبات، بحق الأشخاص الأجانب إذا قاموا بتوفير الدعم المالي أو التقني للنظام السوري، أو التعاقد معه أو مع الحكومة السورية أو أي من المؤسسات الرسمية أو الكيانات التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو أي شخصية سياسية رفيعة المستوى فيها أو أي شخص أجنبي متعاقد عسكرياً أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية تعمل داخل سوريا لصالح حكومتها أو نيابة عنها، كما ينطبق على الحكومتين الروسية والإيرانية أو أي شخصية تطالها أساساً العقوبات الأميركية، وذلك على خلفية دعم روسيا وإيران لنظام الأسد.
كما يطال كل شخص يبيع أو يوفر سلعاً أو خدمات أو تقنيات أو معلومات أو دعماً كبيراً عن علم، أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية من الغاز الطبيعي أو البترول والمنتجات البترولية أو أي شخص يبيع أو يوفر قطع الغيار للطائرات للحكومة السورية أو حلفائها والكيانات المرتبطة بها، وكذلك بالنسبة إلى كل السلع المرتبطة بتشغيل الطائرات لأغراض عسكرية. ويشمل أيضاً أي شخص يوفر عن علم بشكل مباشر أو غير مباشر خدمات بناء أو هندسة مهمة للحكومة السورية.
ويحظر القانون بموجب صلاحيات الرئيس الأميركي جميع المعاملات في الممتلكات والمصالح العائدة للشخص الأجنبي إذا كانت موجودة في الولايات المتحدة أو ضمن حيازة شخص أميركي.
ويمنح القانون الرئيس الأميركي الحق في وضع قائمة بالأشخاص الذين يرى أنهم مسؤولون عن الانتهاكات، بغض النظر إذا وقعت فيها أو خارجها. ويدرج القانون ضمن هذه القائمة الرئيس السوري، رئيس الوزراء ونائبه، مجلس الوزراء ورؤساء القوات المسلحة والاستخبارات، وزراء الداخلية، القادة والنواب وقادة الحرس الجمهوري والمحافظون.
شروط رفع العقوبات
يحدد القانون ستة شروط لرفع العقوبات يمكن تلخيصها بالتالي:
– وقف عمليات القصف بالطيران من قبل النظام أو روسيا للمدنيين.
– التزام القوات السورية والروسية والإيرانية والكيانات المرتبطة بها وقف قصف المنشآت الطبية والاستشفائية ودور التعليم والمجمعات السكنية أو التجارية.
– وقف القيود التي تضعها القوات السورية والروسية والإيرانية وكل الكيانات المرتبطة بها، على وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق والمدن والقرى المحاصرة، والسماح للمدنيين بحرية الانتقال.
– إطلاق المعتقلين السياسيين المحتجزين قسراً، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون ومراكز الاعتقال في سوريا.
– تأمين العودة الآمنة والطوعية الكريمة للسوريين اللاجئين بسبب الحرب في سوريا.
– محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا، وتقديمهم إلى العدالة، وتأمين الدخول في عملية المصالحة والحوار.
لماذا “قيصر”؟
طرحت تسمية القانون بـ “قيصر” علامات استفهام حول الأسباب الكامنة وراء التسمية. في الروايات المتناقلة أن التسمية نُسبت إلى شخص مجهول كان إما مصوراً عسكرياً في الجيش السوري أو جندياً تولى تسليم الكونغرس أكثر من 50 ألف صورة، بعد عامين على بدء الحرب السورية، توثق المجازر المرتكبة في حق المدنيين، وقد حظيت تلك الصور باهتمام بالغ نظراً إلى نجاحها في توصيف الارتكابات.
أما في الرواية السورية، وكما يرويها وزير العدل السابق نجم الأحمد، فإنه ضابط صف هرب من الخدمة الإلزامية، فتلقفته الولايات المتحدة الأميركية، بعد إدعائه ملكيته لخمسين ألف صورة.
وعلى الرغم من التعاطي السوري المستخف مع الشخصية التي يمثلها “قيصر”، إلا أنه يحمل في ثناياه اعترافاً بوجوده، وبوجود الصور- الوثائق التي في حوزته.
وتترقب دمشق بقلق كبير تداعيات بدء تنفيذ القانون على وضعها الداخلي المنهار أساساً. وقد بدأت بالفعل تلك التداعيات بالظهور على سعر العملة السورية التي سجلت هبوطاً قياسياً أمام الدولار تجاوز الثلاثة آلاف ليرة، كما ستتكشف التداعيات تباعاً على حركة الاستيراد والتعاملات المالية والتجارية والاستثمارية.
_____________________________________________________________________________________
*نشر في اندبندنت عربية الأربعاء 10 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا