جسر: رأي:
السيدة زينب السيدة رقيا السيدة سكينة وغيرها مراقد شيعية مزعومة جعلتها إيران مراكز لنشر التشيع في سوريا، فكيف استغلت ايران هذه المراقد؟ ولماذا تريد أن تشييع الشعب السوري؟ أسئلة تمكن الإجابة عليها من خلال متابعة دقيقة لتحركات إيران في سوريا قبل انطلاق الثورة السورية وخلالها.
لقد أعتمد نظام الملالي في طهران على تسع وأربعين مقاماً شيعياً تزعم إيران أنها موجودة في مختلف المحافظات السورية، وبررت من خلالها إبقاء ميليشياتها في سوريا بحجة حماية هذه المقامات، عشرون من هذه المقامات في دمشق وريفها، وسبعة في حلب، وأربعة في اللاذقية، وأربعة في حماه، وثلاثة في حمص، واحد عشر في مناطق الجزيرة، إضافة إلى ثمانية مزارات أوجدتها في المنطقة الجنوبية من سوريا خلال الثورة.
ولتنشيط هذه المراقد زادت إيران عدد الحجاج الشيعة إلى سوريا بتقديم تسهيلات كثيرة لهم، ومنها دخولهم عبر مطار دمشق دون إبراز جواز سفرهم أو أي وثيقة شخصية أخرى، وكأنهم يتنقلون بين محافظات إيرانية، وقد وصل عددهم إلى مليون ونصف حاج سنوياً في الأعوام الأخيرة، بعد أن كان لا يتجاوز السبع وعشرين ألف حاج سنوياً عام 1979، وتحولت هذه المراقد إلى حوزات تنشر التشيع لاستمالة العقول والسيطرة العقائدية، وأقامت معها الحسينيات لإقامة الشعائر واللطميات ونشرها في المجتمع، ومراكز لتجنيد ميليشيات تدين لها بالولاء بعد تشيعها، فتضاعف معدل التشييع في سنوات الثورة إلى أكثر من خمسين ضعفاً، أستُهدف من خلالها أفراداً من الطائفة العلوية بشكل خاص، لتبلغ نسبة التشيع 55% في مدن الساحل والجزيرة والمناطق الشرقية ودمشق وريفها.
وبهذا تمكنت إيران من نشر أفكارها في سوريا بشكل واضح في محاولة جادة لاستكمال سيطرتها على منطقة الهلال الشيعي الممتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، بعد أن رسخت سيطرتها عسكرياً عبر العديد من الميليشيات الطائفية وتوغل الكثير من ضباط وعناصر الحرس الثوري الإيراني في التركيبة الأساسية للجيش السوري، بحجة الخبراء تارة وبحجة الصناعات الحربية تارة أخرى، ناهيك عن توغلها الخطير على المستوى الأمني وسيطرتها على إدارة أمن الدولة، وإدارة المخابرات الجوية، إحدى أهم الأجهزة الأمنية السورية.
ويمكن القول أن توطين الكثير من الأسر الشيعية مكان المكون السني خاصة في دمشق وريفها ساعد كثيراً في سرعة نشر التشيع خاصة بعد إعطاء هذه الأسر ميزات استثنائية منها الراتب والغذاء والتعليم المجاني، وإعطاء منح مجانية لأبناء هؤلاء، ولمن تشيع من السنة لترسيخ وضمان الولاء لهم في المستقبل، ومن خلال نشاط هؤلاء تم فتح الكثير من الحسينيات والمعاهد وحتى الجامعات، بُدء من خلالها تعليم اللغة الفارسية، وعمدت إيران على التركيز بشكل واضح على الريف الجنوبي لدمشق في المنطقة الممتدة من السيدة زينب إلى منطقة ببيلا والحجر الأسود، مروراً بالمخيمات الفلسطينية، وصولاً إلى القدم والدحاديل ومنها إلى داريا ومعضمية الشام غرباً، وبهذا تكون إيران قد أسست ضاحية تشبه الضاحية الجنوبية في بيروت، ستقوم ببنائها من خلال مشروع سُمي أبراج طهران، ليكون المعقل الرئيسي لها في سوريا.
إن ما تقوم به ايران في سوريا ليس بمعزل عن تحركاتها في منطقة شرق المتوسط واليمن، ونعتقد جازمين أن هذه التحركات لا يمكن أن تُنفذ لولا الضوء الأخضر من أصحاب القرار في العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يبدو مقدمة لشرق أوسط جديد تسوده الفوضى الخلاقة التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، وبموجبها سيتم تقسيم المقسم من دول المنطقة، تكراراً لاتفاقية سايكس بيكو التي أظهرت دول الشرق الأوسط بوضعها الحالي، وبهذا ستظهر دول وليدة في المنطقة وفق حسابات جديدة تخدم مصالح الدول العظمى لمائة عام قادم.
لكن السؤال المطروح أين حكام هذه الدول من هذه التحولات الخطيرة؟ وما دورهم في هذا المخطط؟ وهل تستطيع قوة في العالم تنفيذ مخطط واحد ولو بسيط دون مساعدة ومباركة من هؤلاء؟ الذين ثبت أنهم أدوات تنفيذية لمخططات المنظومة الدولية، وما حصل في ثورات الربيع العربي، وخاصة في الثورة السورية، ليس إلا دليل صارخ على ذلك، وبهذا يكون المد الإيراني وصل إلى أغلب الدول العربية ذات الأغلبية السنية، وبموافقة حكامها، لا بل بمساعدتهم؛ من خلال إعطاء الشرعية القانونية لتواجدهم لتنفيذ هذه المخططات.