جسر: متابعات:
على النقيض من سياساتها القائمة على التكتم بشأن الإصابات بفيروس كورونا المستجد، طالبت حكومة النظام، الأربعاء الماضي، عبر وزارة الصحة، المواطنين إلى المبادرة إلى الإبلاغ عن الأشخاص الذين يدخلون البلاد بطريقة غير شرعية حرصاً على الصحة العامة.
يأتي ذلك بعد الإعلان رسمياً عن تسجيل 16إصابات بالفيروس، أفضت إلى حالتي وفاة. وأهم من ذلك شيوع الاعتقاد بأن هذا الرقم لا يكشف حقيقة انتشار “الوباء العالمي” في البلاد، كون دمشق، برأي أحد سكان ضواحي العاصمة ممن تم تشخيص إصابة أحد معارفه بالفيروس مؤخراً، تتعامل مع الوباء “باعتباره أحد الملفات الأمنية”، لافتاً في حديث إلى”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إلى لجوء حكومة النظام إلى “نفي أي إصابة، ومن ثم إثباتها في وقت متأخر بعد أن يكون المصاب قد خالط الأوساط المحيطة”،
وعلى سبيل المثال، بلغ”عدد الحالات المودعة في الحجر الصحي”، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، نحو 260 حالة بين إصابات مؤكدة ومشتبه بها، حتى 29 آذار/مارس الماضي ، موزعة على 7 محافظات” تحت سيطرة قوات النظام.
وقد أمكن لـ”سوريا على طول” إحصاء 46 إصابة في سوريا، استناداً إلى مصادر خاصة أو إعلامية مفتوحة. يضاف إليها ما لا يقل عن 166 حالة ما يزال أصحابها يخضعون للحجر الصحي في مناطق سيطرة قوات النظام، نتيجة إظهارهم أعراضاً مشابهة للإصابة بفيروس كورونا،
المناطق الأكثر عرضة لتفشي الوباء
تبدو بواعث التشكيك في الأرقام الرسمية والقلق من “انفجار في حالات الإصابة” بالوباء، وفق تحذير رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية، عبد النصير أبو بكر، في حقيقة وجود ما يمكن اعتباره بؤراً عديدة محتملة لفيروس كورونا المستجد في سوريا، كما تُظهر الخريطة أدناه، نتيجة تواجد مليشيات إيرانية وقوات روسية وتركية، ومخيمات نازحين مكتظة من دون توافر أدنى متطلبات الوقاية، وسجون ومراكز اعتقال رسمية وغير رسمية تضم أكثر من مائة ألف معتقل، متضافراً ذلك مع انهيار النظام الصحي حتى في مناطق سيطرة القوات الحكومية، لكن بشكل أكبر في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب البلاد، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شرق الفرات.
وبحسب دراسة صادرة في 26 آذار/مارس الماضي، عن فريق سوريا في برنامج بحوث النزاعات في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، يُقدر الحد الأقصى لعدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد التي يمكن معالجتها في سوريا بشكل مناسب بنحو 6500 حالة فقط، مع وجود فروقات في القدرة بين المحافظات؛ إذ فيما تستطيع دمشق التعامل مع 1920 حالة، تكاد تفتقد دير الزور لأي إمكانات في هذا الصدد. وبحسب منظمة الصحة العالمية، لا يعمل في سوريا سوى 64% من المستشفيات، و52% من مراكز الرعاية الصحية، كما فرّ 70% من العاملين في القطاع الصحي خارج البلاد.
وتُعد السجون ومراكز الاعتقال ضمن مناطق سيطرة قوات النظام، من بين أكثر الأماكن عرضة لخطر تفشي فيروس كورونا، لاسيما وأنها تضم “أضعاف قدرتها الاستيعابية”، كما قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ”سوريا على طول”، ويعاني المعتقلون فيها من الإهمال الطبي.
كذلك، يبرز في هذه المناطق خطر الانتشار الكثيف للمقاتلين المدعومين من إيران، والذين يقدر عددهم بنحو 50,000 مقاتل، يتوافدون من ست دول سجلت إصابات بالفيروس، لاسيما إيران التي تعد ضمن الأعلى عالمياً في عدد الإصابات والوفيات.
في المقابل، لم تسجل المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق في شمال غرب وشمال شرق سوريا، أي إصابات بالفيروس إلى لحظة إعداد التقرير. وحتى 24 آذار/مارس الماضي “تم إجراء 12 تشخيصاً مخبرياً لحالات اشتباه في شمال غرب سوريا” بحسب مدير قسم التواصل والمناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، د. فادي حكيم، “9 منها نتائجها سلبية، و3 إصابات لم تصدر نتائج الفحص حتى الآن”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
مع ذلك، تعاني مناطق المعارضة والإدارة الذاتية من عدم وجود إمكانات طبية للكشف عن إصابات بالوباء أو الوقاية منه، لا سيما في شمال غرب سوريا التي تشهد كثافة سكانية كبيرة، وبما “ينذر “بوضع خطير جداً” كما حذر حكيم. لافتاً إلى أن “المستشفيات المخصصة للتعامل مع المرض غير مجهزة، وهناك نقص كبير في الموارد والمعدات التشخيصية”، فيما مراكز الحجر “ما تزال قيد الإنشاء”.
وتشير أرقام صادرة عن مديرية صحة إدلب، التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، إلى وجود ما يقدر بحوالي 600 طبيب لتقديم الرعاية الصحية لأربعة ملايين نسمة شمال غرب سوريا، أي بمعدل 1.4 طبيب لكل 10,000 شخص. فيما يبلغ عدد الأسرّة في أقسام العناية المركزة 201 سرير، أو سرير واحد لكل 20,788 شخص. أما عدد أجهزة التنفس للبالغين، والتي تؤدي دوراً حاسماً في علاج الإصابة بـ”كورونا”، فيبلغ 95 جهازاً، مقابل 30 جهازاً للأطفال.
ولأن السؤال بشأن شمال غرب سوريا هو “ليس إن كان الفيروس سيصل أم لا؟، وإنما متى سيصل؟”، كما قال مصدر طبي مقيم خارج سوريا لكنه على معرفة عميقة بالواقع الصحي فيها، فإن الخشية تبدو من انتشار الوباء “بشكل انفجاري”. إذ كشف المصدر الذي تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته عن تقديرات بأن يطال “فيروس كورونا” في حال تفشيه شمال غرب سوريا ما بين 60% و70% من الكتلة البشرية الموجودة في المنطقة، وبما قد يؤدي في حال لم تكن هناك إجراءات وقائية شديدة، إلى وفاة أكثر من 100 ألف شخص، أو ما نسبته حوالي 3% من عدد السكان هناك.
وقد أكد هذه التقديرات مصدر طبي آخر في مديرية صحة إدلب، طالباً عدم الإفصاح عن اسمه.
معضلة الدعم الدولي
في 19 آذار/مارس الماضي، أثار تصريح المتحدث باسم جهود منظمة الصحة العالمية عبر الحدود في جنوب تركيا، هيدين هالدورسون، استياء العاملين في القطاع الطبي شمال غرب سوريا. إذ رغم تأكيد المسؤول الدولي على دعم إدلب بمعدات الكشف عن فيروس كورونا، فإنه فسّر تأخير وصولها بأن المنظمة وزعت معدات الكشف على وزارات الصحة الحكومية فيما “شمال غرب سوريا ليس دولة”.
إذ سلمت “الصحة العالمية” مخصصات إدلب من معدات الكشف عن “كورونا” إلى حكومة دمشق التي قامت لاحقاً بتسليمها لإدلب، وليس من خلال “الاستجابة عبر الحدود” وفق قرار مجلس الأمن الدولي، كما قال مدير قسم التواصل والمناصرة في “سامز”، وذلك على الرغم من أن المنظمات الإنسانية في شمال غرب سوريا “أثبتت كفاءة عالية في التفشي مع الأوبئة، من مثل وباء شلل الأطفال في السابق، ويمكن الاعتماد عليها. كما إنها أكثر مصداقية من دمشق”.
في هذا السياق، دعتالمفوضة في لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، كارين أبو زيد، إلى “السماح للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الدعم والإمدادات الطبية، بالوصول إلى [النازحين] وفق الحاجة وليس وفق الاعتبارات السياسية”.
هذه الآلية في التعامل مع الوباء العالمي، إلى جانب “الفروقات في مقدرة النظام الصحي بين مناطق النظام والمعارضة، وتقسيم المواد اللازمة للفحوصات والرعاية الصحية بينها، يجعل القدرة على مواجهة الفيروس في شمال غرب سوريا تتأخر عن باقي المناطق” كما قال مدير المناصرة والسياسات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، د. محمد كتوب، لا سيما في المخيمات التي تصل نسبة إشغال بعضها إلى 400%، بحسب أرقام صادرة عن مديرية صحة إدلب، وبحيث “تغدو إجراءات العزل الذاتي غير قابلة للتطبيق”، كما قال.
المصدر : موقع سوريا على طول