في أي مواجهة عسكرية متوترة، يبدأ الدبلوماسيون في البحث عن “سبيل” لربما يؤدي إلى تهدئة التوترات. لكن في المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران، من الصعب العثور على أي طريق خروج مماثل.
المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران هي واحدة من تلك المواقف الغريبة، حيث يبدو اللاعبان حريصان على إطلاق الشرر، على الرغم من أنه لا يبدو أنهما يريدان إشعال نار مستعرة. يبدو أنهما مرتاحان وهما في منتصف الطريق من منطقة الصراع، حيث تستخدم الدول القوة بطرق لا يمكن التملص منها عبر مجالات مختلفة، على أمل ألا يسببان أي انفجار.
المشكلة هي أن لا أحد في واشنطن أو أوروبا أو الشرق الأوسط يمتلك إجابة مقنعة عن السؤال الواضح: ماذا بعد؟ يقول كل جانب إنه يخشى من هجوم الطرف الآخر، لكن المتشددين في كلا العاصمتين يبدوان جاهزين بشكل مخيف لتبادل الضربات.
إليكم كيفية قيام مسؤول كبير في إدارة ترامب بتوضيح الحال في حديث مع الصحافيين، يوم الخميس: “لأننا نطبق مستويات من الضغط ليس لها سابقة تاريخية، أعتقد أننا يمكن أن نتوقع أن تزيد إيران من تهديداتها لزيادة سلوكها الخبيث”.
تنظر كل من واشنطن وطهران إلى المواجهة، من خلال عدسات وردية، مشوبة بالأيديولوجية.
ترى إدارة ترامب أن إيران تجهد للتعامل مع العقوبات التأديبية، ويخبر مسؤولو البيت الأبيض الزملاء أنه خلال ستة أشهر، سيكون النظام الإيراني مجبرًا على عقد صفقة، أو مواجهة الفوضى في الشوارع. بدلًا من تخفيض العقوبات، يتحدث مسؤولو ترامب عن إضافة المزيد منها، مما يؤثر على البتروكيماويات، على سبيل المثال، بينما محللو الاستخبارات هنا وفي الخارج مرتابون من افتراض سياسة ترامب بأن إيران ستستسلم.
يبدو أن الإيرانيين، من جانبهم، قد استنتجوا أن المواجهة هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع ما يعدونه بأن الولايات المتحدة عدوانية وغير جديرة بالثقة. قررت طهران قبل بضعة أسابيع أن انتظار أي شيء من إدارة ترامب أمرٌ غير ناجح. كانت العقوبات تضغط عليهم بقوة، ويبدو ترامب وكأنما قد يُعاد انتخابه.
بعدئذ بدأ القادة الإيرانيون الطلب من فيلق الحرس الثوري ووكلائه في العراق وأماكن أخرى، لبدء التخطيط لشن ضربات ضد أهداف أميركية، كما يعتقد المحللون الأميركيون والأوروبيون. وكما يحذر البنتاغون، فإن هذه االطلبات، المصحوبة ببعض شحنات جديدة من صواريخ الحرس الثوري يمكن أن تهاجم القوات الأميركية.
يمتطي الرئيس ترامب آلة الحرب بفرضية متفائلة، ولكن ربما تكون غير صحيحة بأن النظام الإيراني سيستسلم نتيجة للضغط. إنه لا يريد حربًا مع إيران (في الواقع، لديه حساسية إلى حد ما من الحرب في الشرق الأوسط)، لكنه يعتقد أن إيران الضعيفة ستساوم على صفقة ضخمة جديدة، تحدّ من خياراتها النووية ومن تدخلاتها الإقليمية، حيث غرد يوم الأربعاء، 16 أيار/ مايو: “أنا متأكد من أن إيران سترغب في التحدث قريبًا”.
بجردة للواقع: أصر آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، بشدة على أنه غير مستعد للتحدث مع الولايات المتحدة. ووافق على مضض على الاتفاق النووي لعام 2015، محذرًا زملاءه من أن الولايات المتحدة غير موثوق بها، وأنها سوف تتراجع، ولن ينخدع مرة أخرى. تستند مهنة خامنئي بأكملها إلى منطق المقاومة المعاند.
قد يموت خامنئي أو يُطاح به، ولكن حتى لو حدث ذلك، فهناك القليل من الأدلة على أنه سيتم استبداله بنظام أكثر مرونة، ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لخوض حرب طويلة الأمد لتغيير النظام. إذن ما هي خطة ترامب؟ هذا هو الجزء الذي يحيّر المحللين في واشنطن والخارج.
أخبرني السناتور المستقل أنغوس كينغ من ولاية مين هذا الأسبوع: “يتصرف البعض من طاقم الرئيس وكأنهم يريدون من إيران أن تتحرش بأميركا، حتى نتمكن من توجيه ضربة قوية لها”.
في الوقت الحالي، تحافظ إيران على أعمالها في المنطقة الرمادية لحرب “هجينة”، يمكن التملص منها. ألغام عائمة، ربما وضعت من قبل إيران، وتعطيل سفن راسية قبالة ساحل الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع. أدى هجوم بطائرة من دون طيار (درون) من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن إلى تدمير خط أنابيب نفط سعودي. كانت هذه استعراضات للقوة منخفضة المخاطر. ومن المحتمل أن الولايات المتحدة تبحث عن عملياتها الخاصة المنطقة الرمادية التي يمكن التملص منها، ومن ذلك الحرب الإلكترونية.
السبيل موجود، إذا كان أي من الجانبين جاهزًا لعقد صفقة أو مساومة. يمكن للإمارات إحالة هجمات الناقلة إلى مجلس الأمن لمناقشتها، ويمكن أن يستفيد مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن من نجاحه الأخير، في بدء انسحاب الحوثيين من ميناء الحديّدة. ويمكن لموسكو وواشنطن رعاية الحوار المشترك لاحتواء التدخل الإقليمي الإيراني وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
لكن تلك التدابير الرامية إلى خفض التصعيد تفترض أن واشنطن وطهران مستعدتان للحديث. لكن حتى الآن، لا توجد هناك علامة على ذلك. وبدلًا من ذلك، يريد كل منهم أن يوجع الآخر، لجعله أكثر ليونة ويقدم تنازلات لاحقة كما يتوقع المتشددون.
وكما قال الجنرال ديفيد بترايوس كلمته الشهيرة أثناء غزو العراق عام 2003: “أخبرني كيف سينتهي هذا”.
نقلا عن موقع “جيرون” ترجمة عن واشنطن بوست،The Washington Post،