جسر: حسن قاسم:
سارعت وسائل اﻹعلام الروسية في نقل أخبار اتهام قادة وسياسيين غربيين لإيران بتنفيذ هجمات آرامكو.
مسارعة هذه الوسائل في نقل الاتهام وترويجه، تثير الريبة، وحين يكون رد الفعل الروسي على الضربة عرض بيع أسلحة للسعودية، تزداد الريبة وتدفع على التأمل.
ما هي مصلحة روسيا في ضربات آرامكو، واتهام إيران بها؟
بداية فقد تسببت الضربات بخفض إنتاج النفط السعودي إلى النصف، ما انعكس انخفاضاً في اﻹمدادات العالمية بلغ نسبة 6%، اﻷمر الذي أدى لارتفاع اﻷسعار؛ فسجل خام برنت، أعلى مكسب في النسبة المئوية في يوم واحد منذ حرب الخليج 1991، فبلغت نسبة الزيادة في عقوده اﻵجلة 19.5%، ليصل سعر البرميل إلى 71.95 دولار. وبحلول منتصف يوم اﻹثنين، بعد يومين من الضربة، بلغت نسبة الزيادة في عقود الشهر المقبل 9.9%، أي 5.98 دولار في سعر البرميل الواحد، ليصل سعر البرميل إلى 66.20 دولار. وزادت عقود خام برنت غرب تكساس بنسبة 15.5%، ليصل سعر البرميل إلى 63.34 دوﻻر، هو أكبر مكسب بالنسبة المئوية له خلال يوم منذ 22 حزيران/يونيو 1998.
يبدو الشغب والتضييق على اﻻمدادات العالمية للنفط، أموراً قد تصب في مصلحة إيران المحرومة من توريده، لكنها مصلحة بعيدة، تبدو نتائج اﻻعتداء أعلى من أن تكون كلفة لها؛ فجميع قادة العالم، بمن فيهم أولئك المدافعين عن إيران في مجلس اﻷمن، روسيا والصين، أدانوا اﻻعتداء، وحمّل كثير منهم إيران وزره، وما زالت اﻷمور في تصاعد يترقب الجميع نتائجه.
المستفيد حقاً، هو واحد من الموردين الكبار، الذي ينتظر بلهفة أي زيادة في اﻷسعار العالمية للنفط، بمكن أن تضخ في خزائنه سيولة نقدية هو في أمس الحاجة إليها. مورد كبير ليس للنفط فقط، بل للأسلحة اللازمة لحمايته، مورد يعتبر نفسه لاعباً في المنطقة، فيستثمر في تناقضاتها، ويحالف أضدادها.
كان أول رد فعل روسي رسمي على الهجوم؛ عرضَ بيعِ أسلحةٍ قدّمه بوتين للسعودية، فصرح بعد يومين من الهجوم، في 16 أيلول/سبتمبر الجاري، وعلى هامش القمة الثلاثية التي جمعته بنظيريه الإيراني والتركي في أنقرة، أن بلاده مستعدة لمساعدة السعودية وحمايتها “أرضاً وشعباً”، وأن المملكة ستتخذ قراراً “حكيماً كما فعل قادة إيران بشراء منظومة أس-300، والرئيس إردوغان بشرائه منظومة أس-400 للدفاع الجوي من روسيا”.
تعتمد المملكة في حماية منشآتها النفطية، وغيرها، على منظومة باتريوت اﻷمريكية، ولا يخفى على المتابع ما يظهر من صراع منظومات الدفاع الجوي الصاروخية الجاري في المنطقة؛ ما فعله بوتين هو ما يفعله أي تاجر بمنافسيه، تقليل قيمة سلعتهم، وانتهاز الفرصة المناسبة لعرض سلعته، وتبيان تفوقها على ما يقدمونه.
قد تبدو هذه مبالغة في القراءة، اعتماداً على الطابع الاستعراضي لهكذا تصريحات، وبناء على استراتيجية العلاقات الدولية، وخصوصاً بين السعودية وأمريكا، لكن؛ متى أهمل الروس، وبوتين تحديداً، هذا النوع من اﻻستعراضات؟ وما الذي يقدمه محمد بن سلمان عن مشروعه المستقبلي لبلاده سوا اﻻستعراض؟ وكم سيطول اﻷمد بالسعودية، قبل أن تباشر سياسة من الضغط على الحليف اﻷمريكي، على غرار ما فعلت تركيا وإردوغان، في غير مثال قبل شراء منظومة إس-400؟.
إن الارتفاع المؤقت في اﻷسعار العالمية للنفط، الناتج عن استهداف منشآت أرامكو، سيؤمن ﻷكثر الموردين الكبار حرية، لروسيا، سيولة مالية هي بأمس الحاجة إليها، في ظل نمط اقتصادها الريعي الذي تخوض به حرباً مكلفة. وعندما تكون هذه المنشآت محمية بمنظومة أمريكية منافسة للمنظومة الروسية، التي بدأت بالتسلل إلى المنطقة، نكون أمام مكسب مزدوج، تبدو مصلحة روسيا في تحقيقه أوضح من أن نتجاهلها.
لكن مكاسب روسيا، في هذا الاستهداف تحديداً، أكبر من ذلك.
فاتهام حليفها اﻹيراني في سوريا، الذي ترشح بين فترة وأخرى أنباء عن اصطدامها به؛ عسكرياً، على نحو ما يجري في المواجهات بين الميليشيات المدعومة من الطرفين، وسياسياً، في اﻷخبار المتواترة عن إزاحة مقربين من إيران عن مفاصل حساسة في نظام اﻷسد، لحساب مقربين من الروس. اتهام الحليف اﻹيراني، وتعزيز هذا اﻻتهام، والعمل على ترويجه، كما فعلت وسائل اﻹعلام الروسية، التي تناهبت تصريحات القادة الغربيين المتهمة ﻹيران، يزيد من أزمة إيران وعزلتها، وبالتالي ضعفها، ليس في سوريا فقط، التي ينتظر الروس بفارغ الصبر أي مساحة يخليها حليفهم فيها ليشغلوها، بل في عموم المنطقة، التي بات الروس أحد لاعبيها اﻷساسيين، في ظل ما يبدو انسحاباً أمريكياً، يقلق حلفاء الدولة العظمى.