داهمت قوة أميركية خاصة، مدعومة بـ”قوات سوريا الديموقراطية”، منزلاً في بلدة الشحيل شرقي ديرالزور، ما تسبب بمقتل 7 بينهم طفلان، واعتقال آخرين. وبعد انسحاب القوة، خرج أهالي البلدة لدفن قتلاهم والتظاهر احتجاجاً، فأطلقت دورية من “قسد” النار عليهم، وقتلت شاباً من المتظاهرين. فهاجم الأهالي مقرات “قسد” في عموم المنطقة، واحرقوها جميعاً، بعد فرار الجنود منها.
رواية الأهالي
“المدن” تواصلت مع شهود عيان شهدوا المداهمة التي وصفوها بالمجزرة. وتقاطعت الروايات على أن عملية الدهم حدثت عند الساعة الواحدة ليلاً، عندما استيقظ سكان حي الكتف على ضجيج آليات ونداء مكبرات صوت تطلب منهم البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها. لكن المخاطر الأمنية التي تحيط بالمنطقة، التي تشهد نشاطاً كبيراً لخلايا “داعش”، والحساسيات القبلية هناك، وتصفية الحسابات والثأر في تلك المنطقة القبلية، دفعت رجلاً في العقد السادس للخروج ومعاينة الموقف، فقتله قناص. أحد أولاد الرجل حاول اسعافه، لكنه أصيب ايضاً، وكذلك حدث من الابن الثاني.
ودفع ذلك الأهالي لاخراج سلاحهم، ومقاومة القوة المهاجمة، التي لم يعرفوا من تكون في ظلام تلك الساعة المتأخرة من الليل. فاستخدمت ضدهم نيران الأسلحة الرشاشة الثقيلة، ليقع 4 قتلى آخرين، بينهم طفلان، قتلا بنيران المُهاجمين. واستمرت المناوشات والحصار حتى مطلع الفجر، ونزف عدد من الضحايا حتى الموت وسط عجز الأهالي عن الوصول إليهم. وفي النهاية، ألقت القوة المُداهمة، القبض على رجلين من الحي، وغادرت.
جميع الضحايا والمقبوض عليهم من عائلة واحدة، ومن سكان البلدة، وليس لهم علاقة بتنظيم “داعش”. وفقاً لرواية الأهالي، هم من المناهضين للتنظيم الإرهابي، ممن سقط لهم قتلى في مواجهته، ولديهم أبناء في صفوف “قسد”.
المظاهرات
وبعد دفن الضحايا، خرج سكان البلدة في مظاهرة منددة بالجريمة، لكن سيارتين تابعتين لـ”قسد”، تصدتا للمتظاهرين الغاضبين، واطلق الجنود النار عليهم، ما أدى إلى مقتل شاب. وعلى أثر ذلك اتسعت المظاهرات، وأصبحت أشد عنفاً. وتوجّه المُتظاهرون إلى مقرات “قسد” في المنطقة التي فرّ جميع عناصرها، وقاموا بإحراقها. ثم امتدت المظاهرات مساء الخميس لتشمل بلدات وقرى يقطنها سكان على صلة قبليّة بالضحايا، وتخللها احراق مقرات وقطع طرق، مع دعوات لانشقاق العناصر العربية في “قسد”، وتركها فوراً، وإلا فإنهم سيكونون قبل غيرهم هدفاً مشروعاً لعمليات الانتقام.
قسد: نفذنا عملية “ناجحة”
من جهتها، أعلنت “قسد” عبر أذرعها الإعلامية المحلية أنها تمكنت من “اعتقال المدعو أبو براء الديري الذي كان يمول خلايا داعش الإرهابية و كان مسؤولا عن شراء الأسلحة والمتفجرات من اجل ضرب استقرار المنطقة”. وأنه، “اثناء قيام قوات سوريا الديمقراطية بالتعريف عن أنفسهم قامت المجموعة الإرهابية بإطلاق النار عليهم ونتج ذلك عن جرح إثنين من الارهابيين”، ولم يتطرق الحديث إلى ذكر الضحايا المدنيين، خاصة الأطفال.
رواية النشطاء
لكونها من أوائل البلدات الثائرة في سوريا، تزخر بلدة الشحيل بالنشطاء، خاصة الإعلاميين منهم. وهؤلاء توافقوا على كون المجزرة مكيدة حاكها أكراد في “قسد”، للايقاع بين الاميركيين والعرب، بعدما احرجتهم المظاهرات السلمية التي خرجت في المنطقة خلال الأسبوعين الماضيين. وطالبت المظاهرات بتوزيع عادل للثروة النفطية المحلية، ورحيل “كوادر قنديل” من “العمال الكردستاني” الأتراك والايرانيين، المهيمنين على القرار الأمني والسياسي والاقتصادي في المنطقة. وهو ما اخذته الإدارة الاميركية في المنطقة على محمل الجد، وبدأت على اثره جملة من الاجراءات، لتحجيم نفوذ “القنديليين” على الأقل، وتحسين أوضاع السكان المحليين.
النشطاء أيضا أشاروا إلى جريمة مماثلة حدثت قبل نحو أسبوع في بلدة ضمان القريبة من الشحيل، وذهبت ضحيتها عائلة كاملة، بينها امرأة حامل. وقالوا إن استخبارات “قسد” التي تزود القوات الخاصة الاميركية بالتقارير، تتعمد تفجير العلاقة بين السكان المحليين وبين القوات الاميركية، من خلال زرع الحقد المتبادل، في منطقة معروفة بتمسكها بعادات الثأر والانتقام للدم، ويسهل لصق تهمة الإرهاب بقاطنيها، لكونهم من العرب السنة.
“الكواتم” تتدفق إلى شرق الفرات
لم تبد “قسد” أي رغبة في معالجة هذا الموقف المتوتر، لا من خلال تفهم المحتجين واحتوائهم، ولا بإبراز ادلة على استهدافها لمجموعة إرهابية كما زعمت، بل يبدو أنها أميل إلى التصعيد والقمع، واستفزاز السكان. وتسعى “قسد” لتسخين الموقف أكثر، ثم القاء جمرته في حضن القوات الاميركية المتمركزة في حقل العمر، الذي يقع فعلياً في محيط بلدة الشحيل، والتي حلقت في سمائها مساء الخميس مقاتلتان أميركيتان على علو منخفض، في تذكير باليد الأميركية الضاربة، التي تستطيع “قسد” استحضارها متى شاءت، بحجة مواجهة خلايا “داعش”.
لكن ما هو أخطر من ذلك، هو ما بات يتداوله النشطاء عن عزم “قسد” البدء بخطة صامتة لتصفية “محركي” الاحتجاجات السلمية المحرجة لها، خاصة أمام الأميركيين. وذلك عبر خلط الاوراق وزرع الشكوك بين مختلف أطراف الصراع المعقد شرق الفرات، من الأكراد والعرب ونظام الأسد وايران وروسيا والولايات المتحدة و”داعش” و”القاعدة” وتركيا، وزعزعة المنطقة القبلية بإثارة صراعاتها الكامنة مع بعضها البعض.
وتفيد معلومات حصلت عليها “المدن”، أن الصراع “الأمني” الواسع بين هذه الأطراف قد استكمل لوازمه، وأن “المسدسات الكاتمة للصوت” والعبوات الناسفة الدقيقة، تتدفق على شرق الفرات من كافة الفرقاء، وستبدأ قريباً حرب تصفيات لا هوادة فيها. وبطبيعة الحال سيكون أول ضحاياها الحراك السلمي المدني، الذي يحرج كافة المتنازعين على السيطرة، ويذكرهم بأن السلطة التي يتصارعون عليها هي ملك للشعب، الذي يمجدونه بألسنتهم، ويقتلونه بأسلحتهم.