جسر:صحافة:
ترى مجلة فورين بوليسي أن الولايات المتحدة تتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية على أنها أداة لمحاربة “داعش”، فيما نجحت هذه القوات مع الإدارة الذاتية في الصمود لثماني سنوات في وجه بشار الأسد الذي يريد السيطرة على شمال شرقي سوريا.
وتقول المجلة في تقرير مطول بعنوان: “واشنطن تستطيع مواجهة بوتين والأسد بتواجد بسيط في سوريا”، إن واشنطن أثبتت أنها قادرة على لعب دور عسكري كبير بوجود 600 جندي أميركي فقط في سوريا، لكن ما ينقص فعليا هو الدعم الدبلوماسي.
وتقول كاتبة المقال إيمي أوستن هيلز إنه “لأكثر من ثماني سنوات، واصل قادة شمال شرق سوريا مشروعهم للحكم الذاتي في تحدٍ لنظام الأسد في دمشق. صمدت المنطقة التي يقودها الأكراد في وجه تنظيم داعش، التدخلات التركية المتعددة، الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة ونشر القوات الروسية”.
وبحسب التقرير، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتقد أن انسحاب الولايات المتحدة في الخريف الماضي سيجعل من الممكن أخيراً تحقيق هدفه الأول في سوريا: السماح لبشار الأسد باستعادة السيطرة على جميع الأراضي السورية. ظنّ بوتين أن المنطقة شبه المستقلة سوف تسقط بسهولة تحت سيطرة الحكومة المركزية، بالطريقة التي انهارت بها حلب أو حمص بمجرد دخول قوات النظام. لكن هذا لم يحدث.
وتضيف الكاتبة “بدلاً من الانهيار، تواصل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا حكم ربع سوريا، بل حتى تدفع رواتب تبلغ ضعف تلك الموجودة في مناطق سيطرة النظام. لقد زرت شمال شرق سوريا لأسابيع في أيلول/سبتمبر وشهدت بنفسي كيف أن جميع مؤسسات الحكم التي أنشأتها الإدارة المستقلة تواصل العمل في تحدٍ للأسد”.
ربما يكون الأمر مخيباً للآمال بالنسبة لبوتين، أن قسد المدعومة من الولايات المتحدة حافظت على هيكل قيادتها الموحد. وبدلاً من أن تعاني الانشقاقات في مواجهة الهجوم التركي وانتشار القوات الروسية وقوات النظام، صمدت في موقفها. لدى قوات سوريا الديمقراطية الآن ما يقدر بنحو 100 ألف مقاتل وتشمل قوات الأمن الداخلي. إنها ثاني أكبر قوة مسلحة في كل سوريا، وتأتي في المرتبة الثانية بعد جيش الأسد.
يريد كل من بوتين والأسد أن تستسلم قسد لقوات النظام السوري. هذا هو المفتاح لإعادة تأكيد سيطرة النظام على منطقة الحكم شبه الذاتي. لكن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية اللواء مظلوم عبدي ليس لديه أي خطط للقيام بذلك.
يقول مظلوم ل”فورين بوليسي” في مقابلة مطولة: “نريد أن نكون جزءاً من الجيش السوري المستقبلي، لكن ليس الجيش الحالي”. وأكدت قسد والإدارة الذاتية مراراً التزامهما بوحدة أراضي سوريا. يريدون تنفيذ مشروعهم في أجزاء أخرى من سوريا وليس بمعزل عن سوريا. ومع ذلك، لا يزال مسؤولو النظام يشيرون إلى الأكراد السوريين على أنهم مهاجرون وليس كمواطنين سوريين ويتهمونهم بأطماع انفصالية. يبدو أن المسؤولين الروس إما يؤمنون بصدق بالدعاية المعادية للأكراد أو يجدون أنها عصا مفيدة لاستخدامها ضدهم.
من الجزرات التي استخدمها المسؤولون في موسكو غالباً، عرضهم للتوسط في محادثات بين دمشق والإدارة الذاتية. لكن الأسد رفض حتى الآن تقديم تنازل واحد. تسأل هيلز مظلوم لماذا؟ هل ذلك لأن الروس غير قادرين أو ببساطة غير راغبين في الضغط على الأسد لتقديم تنازلات؟ ويجيب: “هذا لأنهم لا يريدون ذلك ، فهم يدعمون النظام. لقد استقبلنا الروس ليس لأننا أردنا ذلك، ولكن بسبب انسحاب الولايات المتحدة”.
تفاوضت قسد على الشروط التي يمكن للروس بموجبها العمل في منطقتهم. كان أحد الشروط المسبقة للروس لدخول هذه المنطقة أن ينسقوا معها، وليس مع النظام. “لذلك نحن دائما نواجه الروس إذا لم يلتزموا بالاتفاق”، بحسب عبدي. في الوقت الحالي، يؤكد أن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال لها اليد العليا: “الروس ضيوف على قسد، ونحن نرافقهم في دورياتهم”. لكن الجيش الروسي غالباً ما يختبر حدود الصبر.
ولأن الشمال الشرقي رفض الخضوع لسيطرة الحكومة المركزية، فقد تحولت روسيا الآن نحو أشكال جديدة من التحايل. تشمل هذه الأشكال المطالبة بقواعد روسية إضافية في الشمال الشرقي، ومحاولة تقسيم قسد من خلال إثارة التوترات الطائفية بين الأكراد والعرب، ومزيد من التعدي على القوات الأميركية في محاولة لإجبارها على الانسحاب الكامل. لا يزال هناك ما يقدر بنحو 600 جندي أميركي في سوريا. حتى الآن، ثبت أن هذه الأساليب غير مجدية – لكنها تسببت في مشاكل.
تم وضع الأساس للأوضاع التي وصلنا إليها قبل عام. بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ولكن من دون استشارة مستشاريه للأمن القومي، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب القوات الأميركية بالانسحاب من شمال شرق سوريا. بعد ثلاثة أيام، اندفعت القوات التركية ووكلاؤها عبر الحدود، واحتلت مساحة كبيرة من الأراضي الواقعة بين تل أبيض ورأس العين.
وسّع الجيش الروسي وجوده إلى أكثر من 15 قاعدة عسكرية، ووعد بالعمل كضامن ضد المزيد من التوغلات التركية. وطالب الجيش الروسي في أيلول/سبتمبر بقواعد إضافية في المنطقة. عندما رفضت قوات سوريا الديمقراطية، هدد الجيش الروسي بالانسحاب. يثير تهديد روسيا بالانسحاب تساؤلات بشأن التزام الجيش الروسي بحماية المنطقة من المزيد من التوغلات التركية، وربما كان الهدف منه إجبار قسد على تقديم تنازلات.
وترى الكاتبة أن “أي التزام أميركي أقوى في شمال شرق سوريا لا يستلزم نشراً كبيراً أو مفتوحاً للقوات. أظهر العام الماضي أنه حتى مع انخفاض البصمة العسكرية، فإن الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ مهام مناهضة لداعش عبر مساحات شاسعة من شمال سوريا. ومع ذلك، فإن الاستقرار والاحتياجات الإنسانية هائلة والوجود الدبلوماسي الأميركي ضئيل للغاية”.
الوجود الدبلوماسي المتزايد سيقطع شوطاً طويلاً نحو استعادة الثقة منذ الانسحاب الجزئي الفاشل لترامب قبل عام. من الضروري أيضاً تواجد دبلوماسي أكبر لضمان تنفيذ سياسات أميركية واسعة النطاق على الأرض، بحسب هيلز.
وتختم تقريرها قائلة: “حان الوقت لأن تتوقف واشنطن عن معاملة قسد باعتبارها مجرد أداة لهزيمة داعش. سيطرت قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية أيضاً على الأراضي بعد تحريرها من الخلافة، وجعلت شمال شرق المنطقة الأكثر استقراراً في سوريا، ورفضت، لأكثر من ثماني سنوات، الاستسلام للأسد. يلوح في الأفق بالفعل بديل لنظام الأسد. تحتاج حكومة الولايات المتحدة فقط إلى الاعتراف بذلك”.
المصدر: صحيفة المدن