جسر – صحافة
فإضافة إلى تفاصيل تحركات المقاتلات الحربية، تنشر المراصد تقلبات العملة التركية، وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتحركات أرتال الجيش التركي في إدلب، وصولاً إلى أسعار المحروقات والخبز وتغطية مختلف الأحداث المحلية مثل وقوع حادث سير أو احتراق خيمة أو حدوث اشتباك مسلح، مع كمية كبيرة من التحليلات السياسية السطحية التي توفرها الثقافة البسيطة للعاملين فيها.
خطاب مزدوج
والحال أن العاملين في تلك المراصد، شكلوا مع مرور الوقت، شخصيات وجاهية تمارس أعمالاً نقدية للمجتمع والمنظمات الإنسانية، وأحياناً السلطة. وأفرز ولاء معظم الراصدين للسلطة، وحتى، تخوفهم منها، ازدواجية في الخطاب، تتمثل في النقد السلبي الذي يصل أحياناً إلى الشتائم للمنظمات الإنسانية غير الحكومية. فيما تكتظ في المقلب الآخر، صوتيات الغزل التي تخاطب السلطات على تنوعها. لكن في حالات نادرة يوجه بعض الراصدين نقداً ناعماً للسلطات على شكل “نصيحة أخوية”.
على أن هذا الخطاب يتغير جذرياً، ويغدو أكثر جرأة حين يكون الحديث عن الواقع المعيشي السيء الذي يعيشه سكان إدلب، وهنا توجه أصابع الاتهام إلى “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”هيئة التحرير الشام” ومسؤوليها، من دون المس بالفصائل المقاتلة، في استعارة كاملة للمشهد المتكرر في مناطق سيطرة النظام السوري، حيث يتم توجيه سهام النقد للحكومة، لا النظام، باعتبارها المسؤولة المباشرة و”الوحيدة” عن الوضع المزري.
مستخدماً “فايسبوك”، يواظب “مرصد أبو بكر حاس” على لسع “حكومة الإنقاذ” بانتقادات حادة، مثل حديثه عن “استحمار الشعب بعد الاستعمار”، حسب توصيفه، في معرض مقارنته بين سعر ووزن الخبز المدعوم في كل من جرابلس التي تخضع لسلطة الجيش الوطني المدعوم من الحكومة التركية، وإدلب حيث أعلنت “الإنقاذ” مؤخراً عن خبز مدعوم بأسعار تفوق نظيره في مناطق الحيش الوطني.
عشرات الإذاعات
وفي ظل الابتعاد عن وسائل الإعلام الجماهيرية، كالراديو والتلفزيون، وتوقف عشرات وسائل الإعلام السورية البديلة عن العمل خلال السنوات الماضية، شكلت منصات رصد الطيران إذاعات متنقلة يسهل الوصول إليها من خلال القبضات اللاسلكية التي يحملها مدنيّون كثيرون، أو تطبيقات الاتصال الصوتي المتوافرة في الهواتف الذكية.
هنا، يمكن الاستماع إلى الأخبار العاجلة التي يتم بثها بسرعة فائقة، كما تعمل هذه الإذاعات على تحفيز المدنيين خلال المعارك من خلال استعراض المنجزات العسكرية لفصائل المعارضة، الذين تطلق عليهم لقب “المجاهدين”، والتعداد الوهمي لخسائر جيش النظام الذي يُطلق عليه غالباً “العدو النصيري”، وهي لغة جهادية بحتة كان يمكن رصدها في الإعلام التابع لتنظيم “داعش” والحركات المتشددة الأخرى التي نشطت طوال العقد الماضي في البلاد، بعكس ما كان عليه الحال في الإعلام البديل الذي حاربته الحركات المتشددة في الواقع.
ويناصر الخطاب السياسي للمراصد، سلطات الأمر الواقع المتباينة، حيث يتحكم المكان في التوجه السياسي، مستعيراً عبارات سياسية ودينية متضادة. لذلك، يختلف الخطاب في ريف حلب الشمالي حيث “الجيش الوطني” التابع لتركيا، عن إدلب حيث “هيئة تحرير الشام”.
ويمكن ملاحظة تغطية تصريحات السياسيين الأتراك ونشاطاتهم، ومهاجمة “قوات سوريا الديموقراطية” الكردية بكثرة، مع إطلاق لقب الثوار على المقاتلين المحليين، ونظام الأسد على الحكومة السورية خلال الاستماع إلى مراصد ريف حلب الشمالي. فيما يكثر الخطاب الجهادي بعباراته وألفاظه الخاصة، في مراصد إدلب. على أن الجانب الديني موجود في خطاب الطرفَين وعلى رأسه التكبير والدعاء، والاستدلال بآيات القرآن، كما يواظب معظم الراصدين على التذكير بأوقات الصلوات والحث على الصيام وذكر الله.
شهرة وتأثير
عادة ما يطلق على منصات رصد الطيران، أسماء الأشخاص العاملين فيها والذين يتوزعون ضمن مناطق جغرافية تغطي جميع بلدات وقرى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة. وأدت هذه الخطوة إلى دخول عشرات الراصدين عالم الشهرة بشقها المحلي.
على سبيل المثال، يمكن لسعد أبو العز الذي يدير “مرصد سرمين” وهي بلدة شرقي إدلب، أن يحرك قضية ما من خلال بث مباشر في “فايسبوك”، كما يمكن للعاملين في معظم مراصد إدلب للطيران وأغلبهم موالون لـ”هيئة تحرير الشام” أن يناصروا أي فكرة تطرحها الهيئة كي تلقى قبولاً لدى المستمعين، مثلما جرى مع الحراك الذي تم في ربيع 2020 على طريق “إم4″، عقب الإعلان عن تفاهم الممر الآمن بين موسكو وأنقرة، حيث دأبت المراصد على حشد السكان وحثهم على الاعتصام ضد تسيير الدوريات الروسية.
ويتخطى ذلك نحو نشاطات إغاثية أيضاً، فعبر صفحته في “فايسبوك” ينشر “مرصد جود أبو أحمد” تسجيلات مرئية لتوزيع الخبز والسلات الإغاثية على المحتاجين في مخيمات إدلب. ويمثل أبو أحمد نقطة تحول جديدة في عمل المراصد، نتجت عن الهدوء النسبي الذي تعيشه المنطقة، حيث يربط بين المتبرع والمحتاج، مع بث مقاطع مرئية توثق عمليات التوزيع. ومع كل تسجيل مرئي، تتوالى التعليقات المرحبة بهذه الخطوة، في حين يقول أبو أحمد أنه يعتمد على تبرعات أهلية شحيحة.
المصدر: موقع المدن