جسر – متابعات
نشرت “هيئة الإذاعة البريطانية” (BBC) على موقعهاً، تقريراً عن عمليات تجنيد “المرتزقة” السوريين من قِبل تركيا وأذربيجان، وزجهم في الحرب الأخيرة ضد أرمينيا.
التقرير استعرض شهادات لمقاتلين سوريين كانوا على جبهات المعارك في إقليم قره باخ المتنازع عليه، كما نشر التقرير مجموعة صور، تثبت وجود المقاتلين السوريين في أذربيجان، الأمر الذي يكشف بشكل جلي، زيف التصريحات الرسمية التركية والأذرية التي كانت تنكر تجنيد أشخاص سوريين كمرتزقة.
جاء في التقرير أنه رغم أن كلاً من أذربيجان وحليفتها تركيا تنفيان استخدام المرتزقة السوريين، فقد جمع الباحثون قدراً كبيراً من الأدلة المصورة، المستمدة من مقاطع الفيديو والصور التي نشرها المقاتلون على الإنترنت، والتي تظهر رواية مختلفة تماماً.
ويبدو أنه تم نشر السوريين على الجبهة الجنوبية خلال تقدم القوات الآذرية، حيث كانت الخسائر لدى الجانبين كبيرة جداً.
وتعرض المقاتلون الذين تحدثت إليهم “BBC”، لإطلاق نار كثيف وتبدو عليهم آثار صدمات نفسية ناجمة عن تجربة الحرب هناك. لم يرغبوا في الكشف عن هويتهم، خوفاً من انتقام قادة الميليشيات، لذلك أطلقت عليهم أسماء مستعارة.
شهادات مقاتلين سوريين في قره باغ
قول إسماعيل: “بدأت معركتي الأولى بعد يوم واحد من وصولي إلى هناك”.
“تم إرسالي مع حوالي 30 مقاتل إلى خط الجبهة. مشينا مسافة 50 متراً تقريباً عندما سقط صاروخ بالقرب منا فجأة، ألقيت بنفسي على الأرض، واستمر القصف لمدة 30 دقيقة بشكل متواصل دون توقف. شعرت بتلك الدقائق وكأنها سنوات، وندمت على مجيئي الى أذربيجان”.
يقول سمير: “لم نكن نعرف ماذا نفعل أو كيف نتصرف”، مضيفاً أنه وكثيرون من زملائه المجندين لم تكن لديهم خبرة عسكرية ولم يتلقوا أي تدريب.
“شاهدت رجالاً يموتون وآخرون يركضون مثل المجانين، لم يكونوا يدركون إلى أين يذهبون لأنهم أساساً كانوا مدنيين”.
وقال جميع الرجال إنهم حصلوا على القليل من معدات الحماية أو الدعم الطبي. يبدو أن العديد من زملائهم المقاتلين قد نزفوا حتى الموت متأثرين بجروح كان من الممكن أن يعالجها الأطباء في ساحة المعركة بسهولة.
ويقول اسماعيل الذي نُقل لاحقاً إلى المستشفى جراء إصابته بشظايا: “إن أصعب لحظة عاشها كانت عندما “أصيب أحد زملائي… كان على بعد 20 متراً مني عندما سقطت القذيفة، رأيته يتهاوى أرضاً وهو يناديني ويصرخ، كان موقعه يتعرض لاطلاق النار من قبل القوات الأرمنية، لم أستطع مساعدته، وفي نهاية المطاف مات هناك”.
ويقول سوري آخر، أنه شلت قدماه خوفاً عندما بدأ القصف.
“أتذكر أنني جلست هناك وبكيت وبدأ أصدقائي المصابين في البكاء أيضاً…لقد أصيب رجل بشظية في رأسه ومات هناك، كنت أرى ذلك كل يوم، أما أنا فكنت أجلس وأبكي، وحتى الآن لا أعرف كيف نجوت من الموت”.
عندما امتنع المقاتلون عن القتال
يقول سمير: “بدأ القادة بتهديدنا بالسجن في أذربيجان لمدة تسعة أشهر. ثم أخبرونا أنه عندما نعود إلى سوريا، سيعتقلوننا أيضاً”.
ويتابع : “ولكن كنا 500 مضربٍ عن القتال في ذلك الوقت وبدأنا في التأثير عليهم. لذلك سجلوا قائمة بأسمائنا، وبعد خمسة أو ستة أيام جاؤوا إلينا وطلبوا منا الاستعداد للمغادرة”.
يقول سمير إنه لم يحصل أي من هؤلاء الرجال على فلس واحد من ألفي دولار الموعودة، ولم يستطع كثيرون منهم حتى استرداد ممتلكاتهم الشخصية التي وصلوا بها إلى أذربيجان.
مضيفاً أنه بعد وصولهم إلى سوريا، قتل قادة فصيل من فصائل المعارضة أربعة رجال بتهمة تنظيم الإضراب عن القتال في أذربيجان. ولم تتمكن بي بي سي من التحقق من هذا الادعاء.
يقول سمير: “أشعر بالذنب لأنني أصبحت أحد المرتزقة. أشعر بالعار”، رغم أنه رفض القتال بعد ثلاثة أيام فقط من زجّه في القتال على خط المواجهة.
“عندما يسألني الناس فيما لو سافرت إلى هناك، أجيبهم بالنفي، رغم أنني أعرف أنهم يعلمون بأمر ذهابي… أشعر أنني وضيع جداً في أعينهم… عندما وصلت إلى هناك قلت لا للحرب، واعترضت على ما كان يحدث، لكني أشعر بالخجل لأنني وثقت بالمرتزقة، لهذا أشعر بالعار”.
وسُئل المقاتل “سمير” ماذا سيقول لرفاقه السوريين الذين تغريهم عروض مماثلة للعمل في الخارج، فيجيب: “أقول لهم ستفقدون كل شيء حتى كرامتكم، ولن تحصلوا على أي شيء وقد تخسرون حياتكم… حتى لو كنتم فقراء، إلا أن الشعور باليأس هنا في سوريا أفضل بكثير من الذهاب للقتال من أجل هدف لا يمت لكم بصلة ولا تعرفون عنه شيئاً”.
و”قتيبة”، الذي التحق بالجيش السوري الحر في بداية الثورة عندما كان طالباً، يسأل أولئك الذين سيطلقون أحكاماً على السوريين الذين سافروا إلى أذربيجان، أن يتخيلوا أنفسهم غير قادرين مثلاً على شراء الحليب أو الحفاضات لأطفالهم، يقول: “أولئك الذين يروننا مرتزقة، لا يرون فقرنا وحاجتنا. سنفعل أي شيء لرعاية أطفالنا، فأسوأ شيء هو أن ترى طفلك يحتاج إلى الحليب ولا تستطيع توفيره له، فلو كنتم مكاننا لاتخذتم القرار نفسه”.
هل أذربيجان بحاجة للمرتزقة؟ وما الهدف من تجنيد السوريين كمرتزقة؟
يقول المحلل العسكري مايكل كوفمان، رئيس برنامج روسيا في مركز الأبحاث العسكرية CNA في واشنطن إن الهدف حسب ما يبدو كان للحد من الخسائر البشرية في صفوف القوات الأذربيجانية.
ويضيف: “سقط العديد منهم في وقت مبكر من الحرب وخاصة على الجبهة الجنوبية الشرقية، واستخدم هؤلاء المرتزقة أساساً كقوات اقتحام كي تواجه الموت في الموجة الأولى من الهجوم”.
“استعد الآذريون للمعركة وهم واضعين في حسابهم إمكانية فشل الهجوم الأولي وفي هذه الحالة يسقط هؤلاء المرتزقة، في العملية وليس الجنود الآذريون، فلا أحد يهتم بالمرتزقة”.
توافق إليزابيث تسوركوف، العضوة في مركز السياسة العالمية في واشنطن، والتي تحدثت إلى عشرات السوريين الذين شاركوا في النزاع، على أن السوريين فعلاً “استخدموا كوقود للحرب”.
وتشرح “إنهم بلا قيمة، وبالإمكان نقلهم بسرعة إلى الخطوط الأمامية مع القليل من الإعداد، كما هو الحال في أذربيجان وخاصة أولئك الذين يمكنك وضع بندقية كلاشينكوف على ظهورهم والطلب منهم “اذهبوا وسيطروا على تلك التلة أو انطلقوا واستولوا على تلك الغابة ليقوموا بذلك فعلاً”.
وتوضح أن هؤلاء يعيشون في فقر مدقع، “لذلك، فهم على أهبة الاستعداد للسفر والمخاطرة بحياتهم”.
مئات القتلى من السوريين في قره باغ
تختلف التقديرات الدقيقة حول عدد القتلى بين السوريين. فالأرقام المبلغ عنها تقدر بأكثر من 2400 على الجانب الأرمني، وحوالي 3000 من الجانب الأذربيجاني، علماً أن أذربيجان لا تعترف بوجود سوريين بينهم، بحسب تقرير “BBC”.
إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة مقرها المملكة المتحدة تراقب الصراع في سوريا، قدرت عدد القتلى السوريين بأكثر من 500 قتيل.
وقال رئيس أذربيجان إلهام علييف لشبكة فرانس 24 الإخبارية في تشرين الأول/ أكتوبر إنهم لا يستخدمون أي مرتزقة في حربهم موضحاً: “هذا بياننا الرسمي، منذ اندلاع الحرب، لم تقدم أي دولة دليلاً على ذلك. علاوة على ذلك، لسنا بحاجة إلى ذلك، لأن لدينا جيش يزيد عدده عن 100 ألف مقاتل، وما نقوم به على أرض الواقع، يدل على قدرة جيشنا على تحرير أراضيه بنفسه”.
أوميت يالشين، سفير تركيا في لندن يقول: “نحن لا نرسل مقاتلين إلى ليبيا. لدينا علاقات قرابة تاريخية عميقة مع ليبيا ونريد أن نرى حلا سياسيا وفي ليبيا الآن هناك فرصة للسلام والحوار”.
وعندما ذكرت له شهادات مقاتلين سوريين عن دور تركيا في تجنيدهم للقتال في قره باغ، ردد رواية النفي الرسمية لأذربيجان وقال: “بالطبع لا أساس لهذه الادعاءات ولن تساهم في تحقيق العدالة والسلام والاستقرار، يجب أن نركز على تحقيق السلام والعدالة في المنطقة”، بحسب التقرير المنشور.