جسر: متابعات:
كثيرة هي القصص والنكات الشعبية التي تتحدث، عن مطالبة الناس بتنظيم إذلالهم من قبل السلطات القمعية التي تحكمهم، بدل الثورة على هذه السلطات وتغييرها ورفع الظلم عن رقابهم، لكن أحداً ما كان يتوقع أن تتحول هذه النكات إلى حقيقة صارخة في سوريا، يمارسها البعض في العلن وبرضوخ تام.
والأغرب أن يصدر هذا الرضوخ من مركز بحثي رفيع المستوى مثل “مداد” الذي يضم خيرة الأكاديميين الاقتصاديين الموجودين في سوريا، وذلك بحسب الأسماء الموجودة فيه، والتي يعمل أغلبها مدرساً في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أو مستشاراً وباحثاً اقتصادياً مستقلا.ً.
هذا المركز، أي “مداد”، أو مركز دمشق للأبحاث والدراسات الاقتصادية، كان قبل عدة أشهر قد أعلن إفلاسه وأنه مضطر لإغلاق أبوابه، ما دفع العديد من الجهات الإعلامية، لإعلان “النفير العام”، ومناشدة سلطات النظام، بدعمه ومنع إغلاقه، وهو ما حدث بالفعل، لكن حدث معه شيء آخر، وهو أنه منذ ذلك الوقت تغيرت استراتيجية المركز بكاملها، ودخلت إليه أسماء جديدة غير معروفة، وأصبحت تقاريره هزلية، وتدعو للسخرية منها، بعد أن كانت سابقاً، تقدم الرؤى والحلول وتنتقد قرارات الحكومة وتحاول تصويبها باقتراحات علمية وأكاديمية..
لذلك يمكن القول إن الطفرة المفتعلة التي حدثت لمركز “مداد”، بين الإغلاق والعودة من جديد، كان المقصود منها تغيير نهجه، لكي يصبح جزءاً من الأدوات المخابراتية التي تقود البلد، وهو ما يمكن ملاحظته فيما بعد، في التقارير التي بدأت تصدر عن هذا المركز، والتي أصبحت تبرر للحكومة كل قراراتها الاقتصادية، وتحاول أن توسع لها الخيارات فيما يتعلق بعملية خنق السوريين وإذلالهم..
من هذا المنطلق يمكن قراءة التقرير الأخير للمركز، والذي يقترح فيه على الحكومة، أن توزع الخبز على البطاقة الذكية، ليس من خلال معتمدين أو من خلال صالات السورية للتجارة، وإنما من خلال المحال التجارية العادية التي تتواجد بكثرة في كل شارع، من أحياء المدن والقرى..
ويقترح المركز كذلك، أن يتولى كل محل مسؤولية تأمين الخبز لـ 50 أسرة على الأقل، يتم توزيعه عليهم وفقاً للبطاقة الذكية أو دفتر العائلة، وبذلك، حسب رأي المركز، فإنه يتم تلافي الازدحام على المعتمدين، ومن ثم يحصل الناس على خبزهم بكرامة..
طبعاً، هو اقتراح غريب من مركز يدعي بأنه مختص بالدراسات والأبحاث الاقتصادية، لأنه يفترض به أن يقدم حلولاً لمسألة توفير القمح، وأن يقترح على الحكومة خيارات في هذا الشأن، وليس من مسؤوليته تنظيم إذلال الناس.
المصدر: اقتصاد