جسر : رأي
انقضت طائرات بيرقدار التركية المسيرة على مراكز تجمع وأرتال قوات النظام بكل شراسة.. قصفت بعنف وأوقعت المئات من الجنود والضباط بين قتيل وجريح انتقاماً لمقتل ثلاثين عسكرياً تركياً سقطوا قبل ذلك بقصف من هذه القوات.
كانت الرسالة واضحة: لا يمكن التسامح مع النظام أو السكوت عنه عندما يقتل من غير السوريين..
استمرت الطائرات التركية بحصد مزيد من أرواح جيش النظام، واستمر بالمقابل صمت حلفائه الروس والإيرانيين، إلى أن قتل العشرات من مرتزقة حزب الله اللبناني في هذه الغارات، وقتها فقط تحركت طهران وأرسلت إلى أنقرة تطلب منها أن تتوقف، ومجدداً كانت الرسالة واضحة: يمكنكم أن تقتلوا أي عدد من قوات النظام، لكن من غير المقبول أن يقع ضحايا من غير السوريين…!
مرت تسع سنوات والأمر على هذا النحو.. مسموح فقط في هذه المذبحة أن يموت السوريون، لن يزعج الأمر أحداً، لكن عندما يتجاوز الأمر حدود ذلك فلا تسامح مطلقاً.
لم يكتف النظام بالتفرد بقتل السوريين من معارضيه، بل استدعى الغرباء ليشاركوا معه في الفتك بهم ومطاردتهم وتشريدهم، حتى أصبح السوري أقل من مجرد رقم في هذا العالم البائس الذي يكتفي بالتفرج..
لم يكتف بذلك، بل واستسهل منذ البداية دماء وأرواح عسكره وشبيحته الذين نذروا أنفسهم للدفاع عنه، فتركهم على الدوام قرابين بلا قيمة على مذبحه بقائه جاثماً فوق رؤوس من يبقى حياً منهم، ومجدداً أيضاً هي الرسالة: ليموت من يموت من السوريين، لكن المهم استمرار النظام.
يتفق إذاً النظام وحلفاؤه وخصومه والصامتون كذلك، يتفقون على القاعدة التي كان النظام أول من أنتجها: يمكن للسوريين أن يموتوا، مؤيدين كانوا أم معارضين، بلا توقف، بلا حساب، دون أي مبالاة، والقاعدة الوحيدة في هذه اللعبة هي عدم خرق هذه القاعدة..!
في هذا الصدد كان لافتاً تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال فيه إنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن يخلي بين تركيا وبين النظام لمحاسبته، غداة مقتل العسكريين الأتراك.. كان واضحاً أن أردوغان لا يقيم أي وزن أو اعتبار لجيش النظام وقواته، ولم يكن الأمر بحاجة للانتظار كي يتم التأكد من ذلك، فقد جاءت صور وفيديوهات غارات (بيرقدار) لتثبت ما سبق، لكن بوتين رفض.
ترفض موسكو أن تستفرد تركيا بالنظام، ليس محبة بجيشه، ولا رأفة بجنوده، ولا شفقة على أرواح ضباطه، إذ يمكن للجيش التركي، وكذلك الإسرائيلي كما تجلى على مدار سنوات، أن يقتلا ما يشاءا من هذا الجيش، لكن فقط برغبة وإرادة روسيا، التي تريد أن تستفرد هي بسوريا، دولة وأرضاً وشعباً، ثم تقرر من يمكن أن يقوم بقتل هذا الشعب وكم يمكن أن يقتل!
لقد عرف العالم ملوكاً وسلطات وجيوشاً فتكت بشعوبها ودمرت بلادها ومقدراتها في سبيل الاستئثار بالحكم، ويقدم لنا التاريخ أمثلة كثيرة عن حكام ارتكبوا مجازر وتسببوا بكوارث لشعوبهم من أجل شهوة السلطة وامتيازاتها، بل وقد تجد نماذج عن آخرين استعانوا بالأجنبي لتثبيت أركان حكمهم، لكن من الصعب أن نجد مثالاً بهذه القتامة التي يقدمها نظام الأسد.
إن مشهد المسيرات الجوية التركية وهي تبيد أرتال قوات النظام وتجمعاتها في ريف إدلب، لا يثبت فقط أن هذا الجيش ليس سوى تجمع عشوائي لمزيج من قتلة متوحشين، ومرتزقة انتهازيين، وفئة مغلوب أصحابها على أمرهم يساقون، إلى حتفهم جميعاً، بل ويؤكد المشهد مرة أخرى على أن تفكيك هذا النظام والتخلص منه حاجة وطنية عامة لا تنقذ فقط المعارضين، بل وأيضاً المؤيدين والصامتين على حد سواء.
لقد قدم النظام منذ تسع سنوات إلى اليوم كل ما يمكن من الأدلة على استخفافه بأرواح ضباطه وجنوده، وتركهم غالباً بمواجهة أقدارهم، بينما كان يتحرك بكل جد ويقدم جميع التنازلات من أجل إطلاق سراح أسير إيراني أو استعادة جثة مقاتل من حزب الله، في الوقت الذي يهزأ فيه من مناشدات ذوي المفقودين والأسرى من مقاتليه السوريين أن يعيد لهم أبناءهم، ولم يقبل في الغالب أن يفعل حتى لو كان الثمن بسيطاً بالنسبة له، وهو مجرد إطلاق سراح بعض المعتقلين والمعتقلات لديه، وكأنه يقول بوضوح: كلكم بالنسبة لي سوريون، بلا قيمة، بلا أهمية، يتساوى عندي المؤيد والمعارض بالنتيجة وإن اختلفت الأدوات والأساليب.
إن كل الأحداث منذ تسع سنوات إلى اليوم تثبت كم كانت الثورة على هذا النظام ضرورة، وكم كان التمسك بجذرية أهدافها وعدم التزحزح عن مطلب سقوط النظام صائباً بسبب اليقين المطلق الذي سبق الأدلة القاطعة التي أتت لاحقاً على أنه نظام لا يعني له الوطن ولا الإنسان أي قيمة، وأنه في سبيل الحفاظ على سلطانه، فهو مستعد للتضحية بكل الشعب في كل وقت، سواء كانت الثورة اليوم أو غداً أو في أي يوم.
(موقع تلفزيون سوريا)