جسر: ثقافة:
إلى الشمال الغربي من حلب، وإلى الجنوب الشرقي من عفرين، تقع عين دارة التي جاء اسمها من اسم النبع الذي يقسم المدينة إلى قسمين ليصب أخيرا في نهر عفرين إلى الغرب من التل الأثري ودارا هو الملك الفارسي داريوس.
يتألف هذا الموقع الأثري الهام من جزأين: الأول يعود بتاريخه إلى العصر الحجري الحديث (النيوليت)، أي ما بين نهاية الألف التاسع وحتى بداية الألف الثامن ق.م، حيث كشفت التنقيبات الأثرية فيه عن وجود مستوطنة زراعية عثر فيها على العديد من الأدوات الحجرية الصوانية التي كان يستخدمها الإنسان القديم، أما الجزء الثاني فهو تل عين دارة والذي تزيد مساحته عن 7.5 كم2، ويتربع عليه معبده المعروف في أقصى شمال التل، والذي كُرِّس لعبادة الربة عشتار ورب الجبل أو إله الطقس في آن واحد.
تشير المصادر إلى أن تاريخ المعبد يعود إلى 1200 ـ 700 ق.م، ورغم هذا الاختلاف الطفيف في التأريخ إلا أن أجزاء من الرُقُم المكتوبة بالهيروغليفية الحثية تؤكد وجوده في الألف الأول قبل الميلاد. وعلى الرغم من أن عمر المعبد لم يدُم أكثر من مئتي عام (950 ـ 740) ق.م نتيجة تدميره الأول في ذلك الوقت، إلا أنه يُعد البناء الأكثر أهمية في التل الأثري، وعلى جانبي المدخل تمثالين لأسدين من الحجر البازلتي على يمين ويسار الداخل بقي واحد منها، وبينهما عتبتين، حُفرت على العتبة الأولى شكلا لقدمين بشريتين (طبعة قدم محفورة في الحجر) وهي أكبر من المقياس الطبيعي للاقدام البشرية، حيث يبلغ طول القدم الواحدة حوالي 90 سم، وعلى العتبة الثانية نقش للقدم اليسرى فقط، مما يثير تساؤلاً لماذا اليسرى فقط؟ وأين يمكن أن يكون نقش القدم اليمنى؟! وقبل الدخول إلى القاعة الثانية هناك عتبة في أرضية المدخل عليها نقش القدم اليمنى.
إن هذا التسلسل المعماري الذي يقود المصلي من خارج المعبد إلى داخله يقدم تساؤلات وأجوبة في الوقت نفسه، ويقدم تميّزا فريدا في الطقس الديني الذي كان متداولا فيه من خلال نقوش الأقدام الكبيرة، ناهيك عن تماثيل الأسود البازلتية التي تزين واجهة المعبد ومداخله.
ويتوسط المصلى منبر مزين بالأسود أيضا ومحاط برواق مزين بالمنحوتات النباتية والحيوانية، وكان المصلون فيما مضى يطوفون فيه للتعبد.
تُشير الدراسات الأثرية إلى أن هذه النقوش هي تمثيل لأقدام الإله نفسه، في محاولة من البنّاء أو النحّات الإشارة إلى استقبال المعبد، ثم وجود القدم اليسرى فقط إشارة منه لحركة الدخول باليسرى، ومن ثم الدخول إلى المصلى باليمنى، وقد يكون تقديم اليسرى على اليمنى ذو مغزًى طقوسي في تلك الفترة.
وعلى الرغم من أن معبد عين دارة بعيد نسبيا عن الاشتباكات العسكرية، إلا أن الاعتداءات العسكرية طالته أيضا، مثله مثل الكثير من المواقع الأثرية، وحيث أنه لم يتم الانتهاء من أعمال التنقيب الأثري بشكل كامل في الموقع، فإن ما حصل من تدمير وغياب للسويات الأثرية الهامة فيه ربما يخفي سويات أثرية قد تكون أكثر أهمية في تأريخ المعبد وكشف طبقاته فيما لو اتضحت مستقبلا.
وفي كانون الأول من عام 2019 سُرق تمثال أسد عين دارا البازلتي بعد أن أصبح المعبد مرتعا لاستعراض الفنون الحربية والآليات العسكرية.
إن ما قامت به القوات التركية من قصف للموقع أوائل العام 2018، لا يعتبر اعتداء على موقع أثري فقط، وإنما هو اعتداء على كل المواثيق الدولية والإنسانية التي تحظر قصف المواقع الأثرية في حالات النزاع، هذه الضربات التركية التي طالت الموقع الأثري قامت فعلياً بتدمير أكثر من 50 % منه، ولم يتبق منه قائماً إلا الشيء القليل، كما لم تسلم قطعة واحدة من التزيينات الجدارية أثناء القصف، علما أن هذا الموقع، مع العشرات من المواقع الأثرية القريبة منه، قد اعتمدتها منظمة اليونسكو لحماية التراث ضمن المواقع الأثرية المهددة بالخطر.