في عام 2014، داهمت دورية من فرع الأمن العسكري بمدينة حلبشمالي سوريا منزل الطالبة الجامعية نور مكتبي (27 عامًا)، واعتقلتها للاشتباه بدعمها للثورة ضد نظام بشار الأسد، بداية من مارس/ آذار 2011.
عندما أخذتها الدورية إلى السجن قالوا لعائلتها إنها مسألة “سؤال وجواب”، ثم ستعود إلى منزلها وجامعتها، حيث كانت تدرس الشريعة.
لكن هذا السؤال وذاك الجواب امتد إلى أكثر من سبعة أشهر، قضت شهرًا منها في حلب، والبقية في دمشق.
** تحقيق وتعذيب
نور قالت للأناضول: تم اعتقالي من منزلي، وصادروا أجهزتي الإلكترونية، من حاسوب وهاتف محمول، وبعد ساعتين وصلت إلى فرع الأمن العسكري في حلب، حيث تعرضت فورًا للتحقيق والتعذيب.
وأضافت: خلال التعذيب كان المحققون يمنونني بأن أدرس في جامعات البلاد وأخضع للعلاج في مستشفياته، ويسألونني: ماذا فعل لكم بشار الأسد حتى تقوموا (تثورا) ضده (؟!).
وتابعت: كنت أتعرض للضرب بقضيب صرف صحي أخضر اللون، معروف باسم “الأخضر الإبراهيمي”.. بعد أكثر من ساعة من التحقيق والتعذيب، جاء المحققون بشباب وبدأوا يعذبونهم أمامي، وأنا أنظر إليهم.
وأطلق محققوا النظام على قضيب التعذيب هذا اسم “الأخضر الإبراهيمي” استهزاءً به، حيث كان مبعوثًا دوليًا إلى سوريا.
** 16 امرأة في زنزانة
حول الزنزانة التي بقيت بها في فرع الأمن العسكري بحلب، قالت نور إنها غرفة مساحتها مترين مربع، وتضم 16 امرأة.
وتابعت: كنا مضطرات للنوم على طرف واحد؛ لضيق المساحة، والغرفة لا يوجد فيها حمام وهم (المحققون وعناصر السجن) يحددون ساعات الدخول والخروج للحمام.
وأردفت: “كان المكان قذرًا ولا يوجد عناية صحية وكانت غرفة التعذيب قريبة منا، حينما لم نكن نتعرض للتعذيب كنا نسمع صوت المعتقلين الآخرين تحت التعذيب”.
وزادت بقولها: “تعرضت للشبح بتعليقي في السقف وقدميي في الهواء، كما تعرضت لـ(الفلقة)، حيث كنت أنام على بطني، ثم يرفعون قدميي ويضربونني بالقضيب المعدني عليهما”.
وأوضحت أن “الشبح يأخذ أشكالًا متعددة، منهم من يُعلق في الهواء، ومنهم من يبقى على رؤوس أصابعه، ومنهم من يُضرب أثناء الشبح، ولا يستثنى من الشبح حتى كبار العمر”.
وتابعت: “إضافة للتعذيب الجسدي، كانوا يمارسون التعذيب النفسي بتهديد المعتقلين بأهاليهم أو عبر تعذيب معتقلين آخرين أمامهم”.
** كراهية للطلاب
بشأن وضعها كطالبة جامعية، قالت نور: “المحققون كانوا يكرهون الطلاب، ويعذبوهم بشكل ممنهج، وكانوا يتوجسون منا نحن الطلاب، ويقولون لنا: عندما تخرجون ستتحدثون للإعلام عما تعرضتهم له.. لذلك كان المحققون يجتهدون في إخفاء هوياتهم وأسمائهم عنا”.
وأضافت: “أي اعتراض أو شكوى على الوضع في الزنزانة يعني مزيدًا من الضرب، وكل شخص سيُجبر في النهاية على الاعتراف بما لم يقترفه”.
** أصوات تعذيب
من فرع الأمن العسكري في حلب تم نقل نور مع آخريات إلى فرع فلسطين “سيء الصيت” في دمشق.
وقالت نور: “خلال الطريق كان عناصر النظام المرافقين لنا يتحرشون بالفتيات.. البعض كان يتحرش للتحرش فقط، وآخرون يتحرشون بقصد استفزاز الرجال المعتقلين”.
وأضافت: “بمجرد الوصول إلى فرع فلسطين سمعنا أصوات تعذيب تأتي من كافة أنحاء الفرع، كنا منهارين جدًا؛ لأننا نعلم ما هو فرع فلسطين”.
وتابعت: “لدرجة أنني سألت السجانة التي كانت تفتشني: هل يوجد اغتصاب هنا (؟) فلم تجبني”.
وأردفت: “كنا 15 فتاة في زنزانة صغيرة، مراقبة بالكاميرات، وكنا نتعرض للعقاب حتى في حال لم نأكل طعامنا”.
وأوضحت: “لم نتعرض لتعذيب شديد في دمشق، باعتبار أنه تم التحقيق معنا في حلب، أما من يأتي مباشرة إلى فرع فلسطين ويخضع للتحقيق فيه، فيتعرض لأشد أنواع التعذيب”.
** أقسى من التعذيب
قالت نور إن “سماع أصوات المعتقلين وهم يتعرضون للتعذيب كان أقسى من التعذيب الجسدي بالنسبة لي ولرفيقاتي”.
وأضافت: “تعرض شاب في فرع فلسطين لتعذيب متواصل من العاشرة صباحًا حتى الخامسة مساء.. وسمعت أحد الجلادين يقول للمحقق إن المعتقل يحتضر، فتم حمله حينها إلى خارج السجن”.
وتابعت: “امرأة من مواليد عام 1930 جاؤوا بها وعذبوها بتهمة (جهاد النكاح) .. وهي لا تعرف ماذا تعني تلك الكلمة”.
ومضت قائلة: “كانت تعتقد أنها اعتقلت بسبب شخص يدعى جهاد، حتى أن القاضي نفسه ضحك على التهمة لدى تقديم المرأة إلى القضاء، وعند إطلاق سراحها كانت تقول: سأتجنب كل شخص اسمه جهاد”.
و”جهاد النكاج” هو مصطلح أخرجته وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري، واتهمت به المعارضة السورية، وهي تهمة ثبت بطلانها.
** إطلاق سراح
بعد أكثر من سبعة أشهر، كما قالت نور، “تم إطلاق سراحي من فرع فلسطين بعد إجباري على التوقيع على أوراق لا أعرف فحواها”.
وأضافت: “وحين مثولي أمام القضاء تم ذكر تهم موجهة لي لم أسمع عنها”.
وختمت بقولها: “أتمنى أن يتعرض من عذبوني لما تعرضت له، ولا يصبرون كما صبرت”.
المدر: وكالة أنباء الأناضول