ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر تركية قولها إن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بحث، في اتصال هاتفي، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، آخر التطورات في سورية، خصوصاً في مدينة إدلب. وذكر بيان لوزارة الخارجية الروسية أن جاووش أوغلو ولافروف بحثا “الوضع في منطقة إدلب، وشددا على أهمية تنسيق الجهود المبذولة لمواجهة الإرهاب بغية التنفيذ الكامل للاتفاق القاضي باستقرار الوضع في المنطقة، والموقع في 17 سبتمبر/ أيلول 2018 في ختام المحادثات بين رئيسي روسيا وتركيا في مدينة سوتشي”. وأشار إلى أن الطرفين “بحثا سير عملية التسوية السياسية في سورية تماشياً مع أحكام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، حيث أكدا الاهتمام المتبادل بالانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية وإطلاق عملها في أسرع وقت”.
وقال مصدر من الدفاع المدني السوري، لـ”العربي الجديد”، إنّ حصيلة ضحايا القصف الجوي الروسي على السوق الشعبي ومنازل المدنيين في معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، الإثنين الماضي، بلغت 39 مدنياً، فضلاً عن إصابة 60 على الأقل بجروح، بينهم حالات خطرة، الأمر الذي يجعل الحصيلة مرشحة للارتفاع. وأكدت مصادر محلية أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 44 قتيلاً، في ظل استمرار عمليات انتشال الجثث من تحت الأنقاض، مشيرة، في اتصال مع “العربي الجديد”، إلى أن الوضع في المدينة “مأساوي”، مضيفة أن حالة الصدمة لا تزال تخيم على الأهالي بعد فقدان أكثر من 40 مدنياً خلال ساعات. وتابعت أن فرق الدفاع المدني لم تكن قد انتهت، حتى ظهر أمس الثلاثاء، من انتشال العالقين تحت الأنقاض، وذلك بعد أكثر من 24 ساعة على القصف. وأكدت المصادر أن “الخوف والقلق والترقب سادة الموقف في معرة النعمان بعد الأساليب الجديدة، وربما الصواريخ الجديدة، التي يتم استخدامها في القصف”، مضيفة “هذه المرة لم يشعر الكثيرين بهجوم الطيران إلى حين التنفيذ. وحتى صوت انفجار الصاروخ لم يكن قوياً كما المعتاد، بعكس تأثيره الذي دمر أبنية كبيرة، ما يشير إلى استخدام أنواع جديدة من الصواريخ والذخائر”. وتابعت “قصف طيران النظام، الثلاثاء، أطراف مدينة معرة النعمان، وهو ما عمّق حالة الخوف من القادم لدى أهالي المدينة التي تضم آلاف النازحين والمهجرين من عموم سورية”.
وكان يوم الإثنين دامياً في عموم الشمال الغربي من سورية، إذ بلغت حصيلة ضحايا القصف الجوي الروسي على أرياف إدلب وحماة وحلب، أكثر من 52 قتيلاً، بالإضافة إلى 80 جريحاً على الأقل، وذلك جراء استهداف الأسواق ومنازل المدنيين في عدة مدن وبلدات بصواريخ شديدة الانفجار. وحاولت وزارة الدفاع الروسية التنصل من مسؤولية المجزرة في مدينة معرة النعمان، كعادتها عقب كل مجزرة يرتكبها الطيران الروسي بحق المدنيين، من نساء وأطفال، في المدن والبلدات والقرى السورية، رغم أن الأدلة التي تثبت وقوف الروس وراء المجازر دامغة. وزعمت الوزارة، في بيان أول من أمس الإثنين، أن “ادعاءات ممثلين مجهولي الهوية من تنظيم الخوذ البيضاء، الممول من قبل بريطانيا والولايات المتحدة، بشأن شن طائرات القوات الجوية الفضائية الروسية ضربة على سوق في بلدة معرة النعمان بمحافظة إدلب ليست إلا خبراً زائفاً”. كما زعمت أن “طيران القوات الجوية الفضائية الروسية لم ينفذ أي مهمات في هذه المنطقة بالجمهورية العربية السورية”.
من جانبه، أكد “الدفاع المدني” السوري، التابع للمعارضة، في بيان نشره على معرفاته في وسائل التواصل الاجتماعي، أن “الطائرات الحربية الروسية هي التي قصفت مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، وتسببت بارتكاب مجزرة مُروعة بحق المدنيين بلغت حصيلتها أكثر من 31 قتيلاً مدنياً، من بينهم متطوع في الدفاع المدني السوري، وأكثر من 50 جريحاً”. وذكر في البيان أن “طائرة استطلاع روسية حلقت بعدها لتفسح المجال لطائرات النظام السوري، التي أقلعت من مطاري حماة وتي فور نحو معرة النعمان، لتنفذ تحليقاً دائرياً وتساهم في استهداف المدينة بخمس غارات جوية، تسببت في تأخير عمليات البحث والإنقاذ باستهدافها فرق الدفاع المدني المستجيبة، والطرق المؤدية إلى مكان المجزرة على أطراف المدينة”. وأوضح أن “الطائرة الروسية نفذت المهمة المعتادة في قصف المراكز المدنية والأسواق بـ8 غارات، تسببت بدمار هائل في المنطقة المستهدفة، وضحايا بالعشرات في ساعة اكتظاظ السوق صباحاً”.
من جهته، ندد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بـ”جرائم نظام الأسد وروسيا في مناطق خفض التصعيد، شمال سورية”، مشيراً، في بيان، إلى أنها “ليست جرائم حرب عادية، وإنما تتجاوز ذلك لتكون جرائم دولية تترتب عليها مسؤولية دولية جنائية”. ولفت إلى أن جرائم الحرب المستمرة “لا تأتي على هامش العمليات العسكرية”، مشدداً على أن “استهداف المدنيين وقتلهم هو الهدف الرئيس لهجمات النظام وروسيا على المنطقة”. وأضاف أن “ذلك يحوّل طبيعة هذه الجرائم إلى جرائم دولية تترتب عليها مسؤوليات دولية جنائية”. ووصف الائتلاف الوطني عمليات القصف بـ”الرهيبة”، موضحاً أن عناصر الدفاع المدني والإسعاف تعرضوا للاستهداف أيضاً. وقال “بات واضحاً أن النظام وحلفاءه عالقون في حتمية خياراتهم الأولى. وبسبب طبيعتهم الاستبدادية والدكتاتورية والقمعية، فإنهم لا يتصورون وجود خيارات بديلة سوى الاستمرار في القتل”. واعتبر أن هذه الجرائم تضع المجتمع الدولي تحت مسؤولياته “تجاه حالة الاستعصاء الجارية وسلسلة القتل المستمرة التي تهدف إلى تقويض جهود استئناف العملية السياسية”. وجدد الائتلاف الوطني تأكيده أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وعلى رأسه مجموعة من الدول الفاعلة، قادرون ومطالبون بوقف الهجمات والجرائم، إضافة إلى العمل على وقف القتل والإجرام والتهجير، وتحريك المسار السياسي للملف السوري وفق القرارات الدولية.
ولم يستفق الشارع السوري المعارض من صدمة ما جرى في مدينة معرة النعمان، خصوصاً أن استهداف الطيران الروسي للمدنيين في سوق شعبي حمل رسائل واضحة أن موسكومستعدة لتكرار سيناريو التوحش الذي نفذته في حلب وغوطة دمشق الشرقية، في حال لم تقبل المعارضة السورية المسلحة الخضوع. لكن الأخيرة تؤكد أنها مستمرة في الدفاع عن نحو 4 ملايين مدني في شمال غربي سورية، وأنها لن تفرط بمعقلها الرئيسي في البلاد. وفور وقوع المجزرة قصفت فصائل المعارضة ما قالت إنها “مواقع وتجمعات لعصابات الأسد والمليشيات الروسية المساندة لها في ريف حماة الغربي بصواريخ غراد”. وتواردت أنباء، مساء الإثنين، عن وقوع قتلى بين عناصر قوات النظام في عدة مواقع في ريف حماة الغربي نتيجة قصف الفصائل المسلحة لهذه المواقع رداً على مجزرة مدينة معرة النعمان.