جسر: رأي:
باتت المعركة بين حزب الله والأميركيين معركة مباشرة، وجهاً لوجه، وبلا قفازات وبلا خطوط تضبطها. وهذا على خلاف ما كانت عليه معاركه السابقة في لبنان وعلى لبنان. فلطالما كانت هناك خطوط وفواصل تضبط حزب الله في معاركه الخارجية.
حزب الله العاري
ويوم أعلن أمين عام الحزب حسن نصر الله أن حكومة الحريري لن تسقط، كان يريد لها أن تستمر لتشكّل غطاءً له، فيقاتل فيها وعبرها ويفاوض عليها. وسقطت الحكومة كخطّ دفاع أول عن حزب الله.
أما خط الدفاع الثاني عنه، فأسقطه التناحر الذي ضرب سنّة الثامن من آذار، صنيعة الحزب إياه. فهذه الكتلة النيابية نثرتها وبعثرتها هبّة ريح.
وحكومة حسان دياب هي حكومة حزب الله، بلا زيادة ولا نقصان، بكل المقاييس والمعايير المكرسة محلياً ودولياً. لذا لا يمكنها أن تكون خطّاً متقدّما للدفاع عن ذاك الحزب وتغطيته.
والغطاء المسيحي العوني، رئيس الجمهورية وجبران باسيل، لم يعد قادراً على الإيفاء بالغرض لكثرة الضغوط التي تتكاثر عليه: ضغوط شعبية وسياسية، مالية واقتصادية، ومحلية خارجية، تعطّل كلها فاعلية الغطاء المسيحي الذي يمنحه رئيس الجمهورية وتياره العوني للحزب. وخصوصاً مع استمرار التهديد والتلويح الأميركي بفرض عقوبات على شخصيات مسيحية تتعاون مع حزب الله. وهذا يرغم العونيين على الانكفاء، ولو بالحد الأدنى ومرحلياً، عن المواجهة.
وحتى الرئيس نبيه بري بتمايزه – سواء في الموقف من حاكم مصرف لبنان أو من القوى المعارضة للحكومة – لا يمكنه إلا أن يُدرج في خانة عدم خوض أية معركة بدلاً من حزب الله.
معارك بلا وسائط
عناوين المعركة المطروحة، تطال كلها حزب الله مباشرة، وبلا أي غطاء داخلي. وهي تهدد حلفاءه لمنعهم من الوقوف سواتر تتلقى عنه الضربات والصفعات. فمعركة الدولار، تدور بين حزب الله والولايات المتحدة الأميركية مباشرة بلا وسائط، ويدفع اللبنانيون ثمنها. وهي ستتفاقم وتستعر في المرحلة المقبلة. ومعركة المعابر الشرعية وغير الشرعية والتهريب، يخوضها الحزب إياه مباشرة، في وجه الضغوط الأميركية. وهي معركة مرتبطة بموضوع قوات الطوارئ الدولية وتعديل مهامها. ولن يحصل التعديل، بل تستخدمه أميركا لتكثيف ضغوطها، وصولاً إلى معركة الحدود البحرية والصواريخ الدقيقة.
لن تكون المعركة سهلة، ولا قصيرة الأمد. وهي تتزامن وتتوازى مع معارك كثيرة في الإقليم، وتحديداً في سوريا الأسد، التي تدخل تحت مقصلة قانون قيصر.
ماذا تريد واشنطن؟
تمارس الولايات المتحدة الأميركية أقسى الضغوط على إيران، للوصول إلى تفاهم معها، بعد تقليم أظافرها وتحجيم نفوذها. وذلك لتدخل الجمهورية الإسلامية في بيت الطاعة الأميركية، في مقابل الحفاظ الأميركي الاستراتيجي على العلاقة مع العرب، وتحديداً الخليجيين.
تريد واشنطن من طهران ثلاث مسائل أساسية: وقف برنامجها النووي. تحجيم نفوذها الإقليمي. ووقف برنامج الصواريخ البالستية.
المسألتان الأوليان يمكن لإيران التفاوض بشأنهما. أما الصواريخ البالستية فلن تقبل إيران التفاوض عليها. لبنان وسوريا والعراق تندرج في الملف الثاني. طبعاً يتمتع حزب الله بهامش واسع للمناورة. الشروط المطلوبة منه أميركياً، هي ترسيم الحدود البحرية والوصول إلى اتفاق حول النفط. هذا الاتفاق يعني إرساء الهدوء والاستقرار. ويعني توفير أمن إسرائيل. وتفكيك مخازن أو مصانع تجميع الصواريخ الدقيقة. والانسحاب من سوريا. وضبط الحدود اللبنانية السورية، والسورية العراقية، لقطع خطّ الإمداد الإستراتيجي بين طهران وبيروت، مروراً ببغداد ودمشق.
وحيداً بلا طوائف
أوراق حزب الله السياسية البديلة في هذه المعركة المتشعبة، سقطت: هو اليوم بلا غطاء سنّي، وغطاؤه المسيحي لم يعد فاعلاً كما كان في السابق، وغطاؤه الدرزي غائب طبعاً. وهو يبحث عن أوراق أخرى، من داخل بنية الدولة ومؤسساتها هذه المرة: الضغط على حاكم مصرف لبنان في مسألة الدولار، والتعيينات المالية، وحكومة حسان دياب وقراراتها. لكن فاعلية هذه الأوراق لن تكون طويلة الأمد، وهي غير قابلة للصمود.
لذا سيكون حزب الله أمام خيارين: إما الذهاب إلى مفاوضات قد تخفف الضغط عليه وعلى لبنان، أو الاستمرار في معركة يطلق عليها صفة “الصمود والصبر والتحمل”، إلى أن يأتي أوان المفاوضات.
الخيار الثاني مساره الزمني طويل، ومفروش بالمشاكل والأزمات، وقد يحمل أميركا على كسر حلقات القوة التي تواجهها.
_____________________________________________________________________________________
* نشر في المدن الثلاثاء 16 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا