جسر – صحافة
شهد الشمال السوري تصعيداً عسكرياً لافتاً خلال الأسابيع الماضية، تعرضت فيه المنطقة لخرق قواعد الاشتباك والتفاهمات بين الحليفين اللدودين والشركاء في مسار أستانة، روسيا وتركيا.
لم يتوقف التصعيد عند القصف الروسي لمحيط مدينة مارع الواقعة تحت النفوذ التركي، بل تعدّاه الأمر لسقوط عدة قذائف هاون على مدينة قرقميش التركية، مصدرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المتواجدة في قرية شير مغار غرب مدينة عين العرب، الداخلة ضمن خط سير الدوريات التركية الروسية المشتركة، في تصعيد لم يكن الأول من نوعه داخل الأراضي التركية وعلى المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي.
لم يتوقف التصعيد عند القصف الروسي لمحيط مدينة مارع الواقعة تحت النفوذ التركي، بل تعدّاه الأمر لسقوط عدة قذائف هاون على مدينة قرقميش التركية، مصدرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المتواجدة في قرية شير مغار غرب مدينة عين العرب، الداخلة ضمن خط سير الدوريات التركية الروسية المشتركة، في تصعيد لم يكن الأول من نوعه داخل الأراضي التركية وعلى المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي.
ردود الفعل جاءت بوتيرة عالية عبر رأس الهرم في تركيا، الرئيس رجب أردوغان، مهدداً بشن عملية عسكرية في الشمال السوري ضد القوات الكردية وقوات النظام. وقال أردوغان إن “كفاحنا في سوريا سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة، سنخوض كل اشكال الكفاح اللازم ضد تلك التنظيمات الإرهابية والقوات المدعومة أمريكيا هناك، وكذلك ضد قوات النظام، ونحن عاقدون العزم في هذا الخصوص”.
ولكن على أرض الواقع لم تترجم هذا التصريحات النارية لأفعال تعكس مدى قدرة وجدية الجانب التركي على القيام بأي عمل عسكري في ظل الظروف الراهنة وتعقيدات المشهد الدولي، فما هي الأسباب والعوائق التي قد تمنع القيادة التركية من تنفيذ تهديداتها؟، هل هي تخشى من جرها الى فخ معركة لم تختر مكانها وزمانها؟، أم أن حكومة حزب العدالة والتنمية تواجه صعوبات موضوعية تجعل من الظرف غير ملائم لذلك؟
لا شك أن تركيا عسكرياً قادرة على استكمال عملية نبع السلام شرق الفرات، التي توقفت بموجب تفاهمات مع الولايات المتحدة وروسيا، في خريف 2019، أو على شنّ عملية جديدة ضد قوات سوريا الديمقراطية غرب الفرات في مدينتي منبج أو تل رفعت، اللتين تحتلهما قوات “pyd”، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، وإلحاق هزيمة ساحقة وسهلة، بها على غرار ما جرى في عملياتها السابقة (غصن الزيتون، نبع السلام)، بل إنها لا تحتاج الى استخدام الكثير من القوى والوسائط طالما أنها ستعتمد على حليفها وشريكها في الميدان (الجيش الوطني السوري).
إلا أن ما يعيقها في الواقع عوامل عدة، داخلية وخارجية، أهمها:
أولاً: العوامل الخارجية
الحسابات الإقليمية والدولية وتوازنات القوى الموجودة في الميدان، إذ أن المعادلة العسكرية في سوريا أصبحت تخضع لحسابات الدول التي لها جيوش على الأرض وتتقاسم النفوذ فيها.
فعلاقة الحكومة التركية مع الولايات المتحدة في أسوأ حالاتها اليوم، وخاصة على المستوى الشخصي بين الرئيسين جو بايدن ورجب طيب اردوغان. تجلى ذلك برفض الرئيس الأميركي جو بايدن لقاء نظيره التركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الفائت، بالإضافة إلى تمديد الرئيس جو بايدن لقانون الطوارئ الوطنية بشأن التعامل مع سوريا، واتهام تركيا بتقويض جهود مكافحة داعش من خلال شن هجماتها العسكرية شمال شرق سوريا، ما يعني استمرار فرض العقوبات عليها.
فعلاقة الحكومة التركية مع الولايات المتحدة في أسوأ حالاتها اليوم، وخاصة على المستوى الشخصي بين الرئيسين جو بايدن ورجب طيب اردوغان. تجلى ذلك برفض الرئيس الأميركي جو بايدن لقاء نظيره التركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الفائت، بالإضافة إلى تمديد الرئيس جو بايدن لقانون الطوارئ الوطنية بشأن التعامل مع سوريا، واتهام تركيا بتقويض جهود مكافحة داعش من خلال شن هجماتها العسكرية شمال شرق سوريا، ما يعني استمرار فرض العقوبات عليها.
وقد أعقب ذلك رد فعل الرئيس التركي الذي اتهم إدارة بايدن بمواصلة دعم التنظيمات الإرهابية شمال شرق سوريا، مشيراً إلى أن “بايدن بدأ بنقل الأسلحة والذخائر والمعدات الى المنظمات الإرهابية هناك”.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التقط الرسالة من رفض الرئيس الأميركي اللقاء بأردوغان في نيويورك، وبالتالي عدم حصوله على ورقة تفاوض بحجم الورقة الأميركية للمساومة عليها أثناء جلوسه على طاولة المفاوضات في منتجع سوتشي في 29 أيلول/سبتمبر الفائت.
والحق أن الرئيس اردوغان عانى وللمرة الأولى، وكما لم يحدث ربما من قبل، من وقوعه بين رحى حجري الدولتين العظميتين، وهو الذي اتقن على مدار سنوات لعبة التوازنات الحساسة والمعقدة معهما، واستطاع أن يجاريهما ويستفيد من حاجة كل منهما لتركيا، وأن يوظف هذه الحاجة والتنافس على أنقرة من واشنطن وموسكو على أحسن وجه، إلا أن تفاجئه بالموقف المتصلب للرئيس الأميركي جعل موقفه مرتبكاً وضعيفاً ودون أوراق ضغط قوية أمام غطرسة الرئيس بوتين، الذي استثمر هذا الحال ليشن بالمقابل هجمات خطيرة عبر الخواصر الرخوة للموقف التركي.
هذا الظرف الدولي المعقد بالتأكيد سيكون له دور كبير في تأجيل القيام بعمل عسكري تركي في سوريا، وما ظهور الدبابات الأميركية قبل أيام في ريف الحسكة، إلا رسالة أميركية واضحة للجانب التركي، بأن المنطقة تحت حمايتنا.
وكذلك استئناف تسيير الدورية المشتركة التركية الروسية في مدينة عين العرب الاثنين، يعني احتواء الازمة وعودة التنسيق بين الجانبين، ولأننا اعتدنا ألا تنفذ تركيا هكذا عمليات إلا بوجود ضوء أخضر من الولايات المتحدة وروسيا، فان صانع القرار التركي بالتأكيد ليس ساذجاً ليتخذ قرارا بهذه الخطورة دون تفاهم مع واشنطن وموسكو والا سيكون كمن يذهب برجليه الى الفخ.
ثانياً: العوامل الداخلية
أما بالنسبة للعوامل الداخلية، فموقف الحكومة التركية يعاني من صعوبات لا تقل أهمية عن المعوقات الخارجية من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
إن كل الاحزاب السياسية تحشد منذ الآن ضد الرئيس التركي الذي يتعرض لضغوط كبيرة نتيجة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تركيا، من ارتفاع مستوى التضخم وانخفاض سعر الليرة، وغير ذلك من مظاهر أزمة على هذا الصعيد ليست خطيرة لكنها تستغل بشكل حاد من جانب المعارضة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن استخدام ورقة اللاجئين السوريين من قبل هذه الأحزاب لرفع وتيرة التصعيد ضد حزب العدالة والتنمية يجعل موقف الأخير أكثر صعوبة على صعيد الجبهة الداخلية، بالإضافة إلى أن تركيا مقبلة على انتخابات مصيرية بالنسبة للرئيس وحزبه الحاكم، واستحقاقات مهمة في عام 2023، وبالتالي فإن قرار الحرب يخضع للحسابات الانتخابية والخشية من المساءلة أمام الشعب وأمام المؤسسات، خاصة في حال التعرض لأي خسائر بشرية فيها.
باختصار، إن الظروف الدولية والعوامل الداخلية التي تواجه حكومة السيد أردوغان لا تسمح منطقياً لها باتخاذ قرار الحرب، وعلى الأرجح فإن أنقرة سوف تؤجل ما لا بد منه إلى أن تتهيأ الظروف الخارجية والمحلية للانقضاض على الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، التي تهدد حدودها، وطردها بعيداً، مع بقاء باب الاحتمالات مفتوحاً على تنفيذ عمليات محدودة في حال استمرار تهديد الأمن القومي التركي الذي تحظى حمايته بإجماع غالبية الأحزاب والتيارات التركية، وما قرار أردوغان البدء بجولة افريقية ابتداءً من الاثنين، إلا تأكيداً على أن قرار الحرب بات مؤجلاً، وأن الأولوية الآن لتحسين الجانب الاقتصادي، وربما تتضح الأمور أكثر بعد اللقاء المنتظر بين الرئيسين بايدن واردوغان في روما أواخر هذا الشهر على هامش قمة العشرين.
المصدر: موقع المدن