جسر:صحافة:
تصاعدت الحرب على الأرض السورية وحدث الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في آب/أغسطس 2013 وكان فرصة لحوار جدي بين الولايات المتحدة من طرف وروسيا من طرف آخر من أجل إجبار النظام السوري على التخلي عن ترسانته العسكرية مقابل وقف الضربة العسكرية التي هدد الرئيس الأميركي السابق أوباما بتنفيذها في حال انتهاك النظام السوري الخط الأحمر واستخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين، عندها جرى التوصل لاتفاق ضمن في قرار مجلس الأمن 2118 الذي صدر في 27 أيلول/سبتمبر 2013 وتمت الموافقة عليه بالإجماع ونص للمرة ألأولى في مادته ألأخيرة “يدعو إلى القيام، في أبكر وقت ممكن، بعقد مؤتمر دولي بشأن سوريا من أجل تنفيذ بيان جنيف، ويهيب بجميع الأطراف السورية إلى المشاركة بجدية وعلى نحو بناء في مؤتمر جنيف بشأن سوريا، ويشدد على ضرورة أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلا كاملا وأن تلتزم بتنفيذ بيان جنيف وبتحقيق الاستقرار والمصالحة”.
لم يجد هذا القرار ومادته الأخيرة طريقها للتنفيذ حيث جرى التركيز فقط على تطبيق الآلية الخاصة بنزع الأسلحة الكيماوية، وهو ما وجد فرصة للنظام من أجل التنصل من أية التزامات سياسية وفق القرار، بعد أن تبين للمبعوث الأممي أنه لا تدخل عسكري أميركي في 2013 وجد الفرصة سانحة للدعوة إلى اجتماع للمفاوضات السياسية بين طرفي النظام والمعارضة في جنيف 2 في فبراير/شباط 2014 وانتهت بعد خمسة أيام فقط بإعلان المبعوث الأممي بأن المفاوضات انتهت إلى “طريق مسدود” بسبب الخلافات بين الطرفين.
كانت سنوات 2014 و2015 الأقسى في تاريخ الحرب السورية حيث شعر النظام السوري أنه بمأمن من أية ضربة عسكرية من قبل الولايات المتحدة فصاعد من استخدام البراميل المتفجرة ضد مناطق المعارضة التي استطاعت أن تسيطر على الكثير من الأراضي والمدن السورية بما فيها الغوطتان الشرقية والغربية اللتان لا تبعدان سوى كيلومترات قليلة عن العاصمة السورية دمشق.
مع مجيء السيد دي ميتسورا كمبعوث جديد فشل في تحقيق وقف إطلاق نار شامل في الأرض السورية فلم يجد بداً من الدعوة إلى جلسة جديدة من المفاوضات في فبراير/شباط 2016 رغم أنه مدرك للفجوة الهائلة بين الطرفين، لأنه اعتقد أن روسيا التي بدأت تدخلها العسكري الكامل في سبتمبر 2015 ربما تحتاج إلى هذه المفاوضات من أجل البحث عن مخرج سياسي لها بعد فشل المبادرة الأميركية القائمة على ما يسمى مجموعة دعم سورية الدولية (ISSG) International Syria Support Group التي أفلحت فقط في إصدار القرار الأممي 2254 بتاريخ 18 كانون الأول / ديسمبر 2015 الذي يعد خريطة الحل السياسي في سوريا والذي نص على القيام “بعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر”.
طبعا لم يتحقق شيء من ذلك ليس في غضون 18 شهرا وإنما بعد مرور خمس سنوات من صدور القرار، فعقدت الجولة الثالثة من المفاوضات في يناير/كانون الثاني 2016 وتمحور الخلاف بين وفدي المعارضة والنظام في تفسير القرار 2254، في ظل هذه الفجوة الهائلة لم يجد المبعوث الأممي دي ميتسورا جدوى من عقد جولة جديدة من المفاوضات حتى قرر عقد الجولة الرابعة في فبراير/شباط 2017 ولم تختلف عن سابقاتها.
لكن الجديد كان التغييرات الدراماتيكية على الأرض حيث تمكن النظام السوري بمساعدة كاملة من روسيا من الجو ومن إيران على الأرض في السيطرة على الكثير من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية خاصة في حلب والغوطة الشرقية ودرعا، كما جاءت الجولة الرابعة عقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017، وجولتين من المفاوضات بين النظام والمعارضة المسلحة في أستانا بكزاخستان برعاية روسية التي أظهرت أملا في إنجاز أو تحقيق تقدم ما على الصعيد السياسي بعد تحقيق عدد من التفاهمات العسكرية.
لكن روسيا كانت تهدف من محادثات أستانا التغطية على جرائمها في سوريا والإيحاء بأنها جادة في التوصل لحل سياسي في سوريا، عبر السيطرة على مخرجات المحادثات في أستانا وفقا لمعاييرها، وهو ما وضع محادثات جنيف في مأزق حقيقي حيث عقدت أربع جولات في عام 2017 كلها انتهت إلى فشل مطلق وذريع بعدم التوصل ليس إلى اتفاق وإنما أبسط من ذلك مبادئ عامة للاتفاق.
عقدت الجولة التاسعة من المحادثات السورية في يناير/كانون الثاني 2018 وكانت الجلسة الأخيرة التي ركزت في إطارها العام على قرار مجلس الأمن 2254 حيث عقد مؤتمر سوتشي في روسيا في يناير/كانون الثاني 2018 برعاية الرئيس الروسي بوتين الذي أعلن في نهاية الاجتماع الحاجة للتركيز على تشكيل اللجنة الدستورية كأولوية للحل السياسي.
قرر المبعوث الدولي دي ميستورا الاستقالة في منتصف عام 2018 بدون أن يحرز أي تقدم على مستوى تطبيق القرار 2254 حتى جرى تعيين المبعوث الأممي الجديد بيدرسون الذي اعتبر أن اللجنة الدستورية هي الفكرة الوحيدة التي تحظى بالدعم من الأطراف الدولية رغم قناعة المعارضة السورية أن ذلك يعد خروجا عن قرار مجلس الأمن الذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وهو ما دفع إلى انشقاقات كبيرة داخل المعارضة السورية التي رفضت في مجملها انحراف مسار المفاوضات في جنيف واقتصر تمثيلها على مجموعة أفراد يطلقون على أنفسهم وصف “أعضاء اللجنة الدستورية الممثلين للمعارضة”.
واحتاج الأمر أكثر من عامين كي تولد هذه اللجنة الدستورية التي لا تحظى بأي دعم سياسي من قبل المعارضة السورية أو الشعب السوري وعقدت أول اجتماعاتها في أكتوبر 2019 وشارك النظام السوري بوفد اعتاد على تبديد الاجتماعات بإثارة تفاصيل جانبية دون أي قرار سياسي بإنجاح نتائج هذه الاجتماعات، وعقدت الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة الدستورية في نوفمبر 2019 والثالثة في آب/أغسطس 2020 دون إحراز أي تقدم يمكن الإشارة إليه.
باختصار بعد مرور تسع سنوات من بدء مفاوضات جنيف وأكثر من 12 جلسة الحصيلة كانت صفر، المعارضة السورية تعرف ذلك والمجتمع الدولي بما فيها الولايات المتحدة تعرف ذلك، والأهم أن النظام السوري كان سعيدا دوما بهذه الحصيلة الصفرية.
المصدر:تلفزيون سوريا