جسر: متابعات
استطاعت السلطة الحاكمة التي أسسها حافظ الأسد في انقلابه عام 1970 أن تقبض على العلويين بالتدريج بقبضة أمنية ولكن عبر أيضاً خلق علاقات مصلحية لقطاع واسع منهم. وتخلل هذه العملية صراعات كانت سلطة الأسد تنهيها عبر القمع، تحديداً إن تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعتها، وعبر الرشوة بالمصالح، وتغذية حالة الخوف من السوريين الآخرين من غير العلويين. ونحاول في هذه الورقة خط مقاربة أولية مقاربة أولية لعلاقة البيئات العلويّة مع السلطة، وموقفهم منها. وكمدخل سنمر على منشأ الديانة العلويّة في القرون الوسطى، ثم التغييرات التي طرأت على البيئة العلويّة بعد وصول الأسد للسلطة، والتغييرات التي طرأت بعد نشوب الثورة في سوريا، ولنخلص إلى سؤال حول مصيرهم ارتباطا بمصير سوريا. ولنقوم بتنفيذ مخططنا اعتمدنا على الخبرة الشخصية، بالإضافة للعودة إلى المراجع التاريخيّة.
نشأة العلويين
تعود نشأة العلويين إلى عصر المماليك، حيث أسسها محمد بن نصير 270 هـ. (1) ، ومن ثم تلميذه الجنبلائي الذي عمل على نشر الدعوة من خلال الرسل الذي أرسلهم لمختلف الأصقاع العربيّة، ولكنّ العلويّة الخصيبيّة تعود للداعية عبدالله الخصيبي، الذي حوّل الدعوة للسريّة، حيث عاصر الخصيبي انهيار الدولة الحمدانيّة ودعوات ابن تيميّة لقتل العلويين والخلاص من الدعوة، ما جعل من الخصيبي داعيّة سريّاً أيضاً يدعو لقتل السنّة وهذا ما ظهر في أشعاره التي توارثها العلويون لحد الآن، وتحوّلت منذ ذلك الحين الديانة العلويّة لدعوة سريّة مغلقة، حيث لا يمكن لغير ابن العلوي أن يكون علويّاً، لكن تحوّل العلوي لغير العلويّة أمراً مستهجناً لدى العلويين، ودعا الخصيبي لقتله، لكنّ سريّة الدعوة والخوف من الآخر الذي لم يفارق العلويين منذ النشأة، بالإضافة للحروب الطائفيّة وعداء العثمانيين للعلويين (2) ، ما أسهم في تناقص أعداد العلويين على مر قرون طويلة.
كما أن العلويين ينقسمون عشائريّاً لأربع عشائر رئيسيّة رافقت المكزون السنجاري عندما قدم من العراق لمساندة العلويين في حروبهم الدينيّة وهم (الخياطين والحدادين والمطاولة والكلبييّن). وتتفرع هذه العشائر الرئيسيّة إلى إثنين وثلاثين عشيرة فرعيّة، حيث كانت تقوم بينهم نزاعات على الأراضي والاقطاعات الزراعيّة ولأسباب متنوعة، وقد عملت جميع القوى التي سيطرت على المنطقة على إذكاء روح العشائريّة عند العلويين، ومن أبرزهم حافظ الأسد الذي حوّل الجيش لقطاعات عشائريّة متنوعة وفضّل عشائر على أخرى.
طبيعة (الدين) العلوي
للوقوف على طبيعة (الدين) العلوي لابد من العودة للثقافة المؤسسة والمؤثرة في الدين العلوي، وما يحضر في ذهن العلويين من طقوس وأعراف كانت مصادرها قليلة، إذ إنّ المرجعيّات العلويّة كانت تظهر في فترات تاريخيّة نادرة، ولا تدم طويلاً، ومن أهم خصائص الدين العلوي خاصيتان الأولى خاصيّة عسكريّة حربيّة والثانية صوفيّة مسالمة ومنفتحة، ولهاتين الخاصيتين طبيعتين متناقضتين تشكلان جوهر (الدين) العلوي، إذ ظهرت الخاصيّة العسكريّة على يد الخصيبي و المكزون السنجاري وأيضاً في زمن حافظ الأسد وابنه بشار الأسد، ولكل مرحلة دوافعها الخاصّة حيث كانت أشعار الخصيبي تحض على قتل السنّة والجهاد والاغتنام من السنّة رداً على فتاوى ابن تيميّة، وشهدت المناطق العلويّة والاسماعليّة المتداخلة حروباً طاحنة ومجازر من الطرفين استمرت حتى الحملة الفرنسيّة على سوريا حيث كان الشيخ صالح العلي يقود غزواته ضد اسماعيليّة القدموس ونهر الخوابي، أما في زمن الأسد الأب والابن، فقد دخل الدين العلوي للجيش، ودخلت العسكرة للدين في علاقة تبادليّة سنتحدث عن أثرها المفصّل في فقرات لاحقة.
أما الخاصيّة الصوفيّة في الدين العلوي فهي تتميز بأصالتها، من حيث جوهر الدعوة بعيداً عن الظروف السياسيّة المحيطة. وتبدو صوفيّة الدعوة جليّة في ابتعادها عن التشريعات اليوميّة حيث تستمد الدعوة أرضيتها الإيديولوجية من علي بن أبي طالب ومن فضاءات الزهد التي كان يعيشها وتؤكد الدعوة على مسألة تأليه علي بن أبي طالب، وفيما عدا ذلك لا يمكن الإمساك بأي “حقيقة” تخص الديانة العلويّة، إذ تتمحور الديانة حول مسألة التأليه وبضع طقوس دينيّة، كما تتأصل الطبيعة الصوفيّة في الديانة العلويّة في مسألة غياب النص، أو المرجع التشريعي وغياب الاجتهاد الديني في معظم الحقبات التاريخيّة باستثناء فترات استثنائيّة ظهرت فيها بعض الفتاوى التي شكّل البعض منها منطلقاً للاجتهاد، إلا أنها لا ترقى لمستوى النص الديني الملزم، ولا تعدو كونها اجتهادات مشايخ يستأنس بها رجال الدين العلوي في حل مشاكلهم، وكمثال على ذلك تحريم الشيخ سليمان الأحمد للغنيمة إثر اشتباكات حصلت مع سنّة بانياس في عشرينيات القرن الماضي (3) ، الأمر الذي لم يكترث له رجال الدين العلويين في الثورة السوريّة، وتجاهله معظم العاملين في الشأن الديني والمهتمين به.
العلويّون والأسد
ينحدر حافظ الأسد من الطائفة العلويّة، ومع وصوله للسلطة في سوريا، بعد تصفية زملائه في اللجنة الخماسيّة ومنهم صلاح جديد الذي ينحدر أيضاً من الطائفة العلويّة، لم تغب عنه للحظة واحدة أن أكثر الشرائح خطورةً عليه هم الضبّاط العلويون أنفسهم، الذين كان ولائهم لزملائه في اللجنة الخماسية ولصلاح جديد، والجيش الذي أوصله للحكم والأداة الوحيدة لضمان بقائه فيه قد يكون الأخطر عليه أيضاً، لذا انتهج سياسة التفرقة العشائريّة واللعب على تداخل الصلاحيات وإشعال المنافسة بين قادته الأمنيين والعسكريين للحصول على الرضى مقابل إطلاق أيديهم على المال العام والناس، يبطشون كأمراء حرب في المدن السوريّة كافّةً. واعتمد حافظ الأسد للسيطرة على العلويين سياسة “فرق تسد”، ولهذا الهدف اعتمد ثلاث وسائل نستعرض اثنتين منها ونفتتح بالثالثة الجزء الثاني من ورقتنا:
الوسيلة الأولى: تغييب المرجعيّات الناشئة، والتي تتمثل في الطائفة العلويّة على مستوى مناطقي وعشائري ولا تتمثل على مستوى جمعي، إلا أنه عمل على تغييب جميع الشخصيّات الدينيّة الجامعة، وأيضاً الوجهاء المحليين ذوي السمعة الطيبة والذين يمتلكون القدرة على تغيير المزاج العام نحو المصالح المباشرة للأهالي بشكل موازٍ للنظام وتحويل هذه القيادات لدمىً بيد النظام وأدواته البعثيّة والأمنيّة، بالإضافة لتحجيمها بشكل كبير، الأمر الذي حول البيئة العلويّة لمرجعيّة واحدة فقط وهي النظام متمثلاً في قياداته البعثيّة والمسؤولين المدنيين وضبّاط الأمن، الذي أمسكوا بكل منافذ الحياة في هذه البيئة وجيروها لصالح تقديس الأسد وملاحقة جميع المعارضين والمتحفظين على سياساته أو على الدولة وسياساتها، والتي تحظى بسمعة جيدة.
الوسيلة الثانية: توزيع المناصب الأمنيّة حسب الانتماء العشائري ، فقد أطلق المطاولة في أفرع الأمن العسكري، حيث ينتمي أغلبية ضبّاط شعبة الأمن العسكري، وخاصّة القيادات، للمطاولة. كما فعل الشيء نفسة مع الخياطين حين سلمهم شعبة الأمن السياسي، أمّا الحدادين والذين يكنّون الولاء لصلاح جديد من جهة ويشكلون السواد الأعظم من العلويين، لذا حوّلهم جميعاً لشعبة المخابرات الجويّة والتي أضعف نفوذها وإعداد عناصرها بشكل كبير، (تضخمت شعبة المخابرات الجويّة بعد الثورة السوريّة حيث اتكّل الإيرانيّون عليها للنفوذ والتغلغل في النظام والإمساك بالواقع الميداني وانتقلت المخابرات الجويّة من أصغر شعبة أمنيّة للأكبر تقريباً حيث ضاهت شعبة الأمن العسكري والتي شارفت على المئة ألف عنصر) أما الكلبيين فهم على قلتهم كانوا الضبّاط الأكثر نفوذاً في جميع قطع الجيش، وفي الأفرع الأمنيّة، وكانوا يعملون كقيادات موازية تتصل مع ضبّاط القصر بشكل مباشر.
الوسيلة الثالثة، العصا والجزرة:
قام حافظ الأسد بتوزيع المناصب المدنيّة على العلويين بناء على قاعدة الولاء، معتمداً تقسيم حسب انتماءاتهم العشائريّة في كل منطقة على حدا، حيث أدخلت نسب التوزع العشائري في كل بلدة وفي كل مدينة على قيادات فروع الحزب والشعب الحزبيّة وعلى مناصب الإدارة المحليّة وعلى المديريات العامة لمختلف الوزارات في المحافظات والمدن، ما خلق نوع من التوازن الحساس بين هذه العشائر على الصعيد المدني لكنّه هش بسبب التدخل الأمني المباشر بكل مفاصله وتبعيته الكاملة للأجهزة الأمنيّة.
كما قامت سلطة الأسد بتجفيف الاقتصاد المستقل للبيئات العلويّة حيث انتهج سياسات زراعيّة مفقرة وحارب التدجين والرعي وأصدر مراسم وقوانين تمنع الأهالي من استثمار مساحات شاسعة من الأراضي البعليّة واعتبرها أملاك للدولة، هذه السياسات قامت بالتوازي مع ربط دخل الأفراد بالدولة من خلال الوظائف الحكوميّة والتطوّع في الجيش، وجعل مسار الارتباط بالدولة ممراً إجباريّاً للعلويين للوصول للطبقة الوسطى، متغاضياً عن الفساد العام للموظفين وعن الإثراء غير المشروع للضباط والموظفين الكبار وعناصر الأمن والجمارك، رابطاً بذلك دفة النجاح والإثراء بمسألة الولاء والرضى، عدا عن مسائل الدخل الضروري الذي لن يستطيع العلوي تأمينه دون ارتباط وثيق بمؤسسات النظام.
كما قامت سلطة الأسد، عبر أذرعها الأمنية، بعدة موجات من الاعتقال التعسفي لجميع المنظمات والأحزاب المعارضة، والأشخاص المرتبطين بها والأشخاص المشبوه بارتباطهم بها، مجنداً بذلك كل أدواته الأمنيّة والبعثيّة وأبقى البيئة العلويّة تحت المجهر مجنّداً لذلك أعداداً كبيرة من رجال الأمن من العلويين أنفسهم ليعلم بكل صغيرة وكبيرة تجري في أصغر قرية تقع في أقاصي الجبال وصولاً لعلويي المدن، ولم تقف حملات الاعتقال لجميع المشككين والمحتجين على سياسات الأسد أو أولئك الذين لا يظهرون الولاء لا بل حتى لأولئك الذين يشككون بقدسيّة الأسد الأب والابن في المجتمعات العلويّة، ما خلق بيئة مسحوقةً بالكامل يمسكها النظام من عنقها طيلة أربعين عاماً.
هذه السياسة أدت لظهور بيئة مستلبة إلى حد بعيد للسلطة، لا تستطيع أن تدافع عن مصالحها الحيويّة، كما أن الشرائح الاجتماعية والطبقية المتضررة فيها عاجزة عن تنظيم صفوفها وإنشاء أرضيّة للتعاطي مع المعطيات اليوميّة لمسائل تتعلق بالحياة والفقر والإهمال والظلم. كما أسست هذه السياسات على المستوى الفردي ضياعاً كبيراً في الثقة بالنفس والثقة في العقد الاجتماعي لأبسط قوانين الحياة اليوميّة، لتحل محلها سلطة فاسدة متغطرسة تأخذها حيث تشاء، وهذا ما خلق إحساساً بالاغتراب الفعلي في البيئة العلويّة ما جعل كل فرد منها يسعى لنجاته وحده في ظل الرهاب والخوف وضياع مطلق للثقة في المزاج الاجتماعي والحماية الأهلية المنهوبة بشكل كامل من قبل النظام وهيئاته البعثية وسلطته الأمنية التي تعمل بشكل مستمر على تعزيز سلطتها وسلطة الأسد وتعزيز الرهاب منهما بشكل دائم ومستمر.
العلويّون والثورة السوريّة
ما إن اندلعت شرارة الثورة السوريّة حتى بدأت سلطة الأسد باللعب على الوتر الطائفي في البيئات العلويّة، وراحت تنشر المخاوف من الإرهاب عبر هيئات النظام العسكريّة والمدنيّة. حيث بدأ الأمر بنشرها حواجز لكتائب البعث بين القرى العلويّة، وبثت الإشاعات لنشر حالة الهلع والخوف بين العلويين من الثورة حيث تم تصويرها على أنها حركة سنيّة للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد. كما قامت سلطة الأسد بتنظيم كتائب الدفاع الوطني واللجان الشعبيّة في صفوف العلويين وأغرقها بعمليات القتل الطائفي والسرقة لتوريط العلويين معها وارغامهم على الوقوف معها في نفس الخندق. وعملت على كتم جميع الأصوات التي تنادي بتجريم القتل والسرقة وهددت المجتمع بالشبّيحة الذين عاثوا في البيئة العلويّة لكبت كل اعتراض.
الأمر الذي قسّم البيئة العلوية لأربع شرائح رئيسيّة تأخذ مواقف متدرّجة من الثورة السوريّة ومن النظام:
1- المتماهون مع النظام: وهم الذين يمزجون مصيرهم بمصير النظام ومصير بشار الأسد وهم المتنفذون والفاسدون ورجال الأمن
2- المنساقون: أبناء الطبقات الفقيرة من العلويين والذين أحيطوا بكم هائل من المخاوف ولم يتجرؤوا على الخروج من عباءة النظام التي أثقلت كاهلهم لأربعين عاماً، ولم يجدوا مفراً من الالتحاق بدعوات الاحتياط والسوق وترديد شعارات النظام والعمل معه.
3- المتحفظون: وهم الشرائح التي تعي مخاطر الحرب ومخاطر النزاع الطائفي واستطاعت أن تستشف رعونة النظام واستهتاره حتى بالعلويين وبكل مكونات الشعب السوري، ولعدم قدرتهم على تنظيم ردود أفعالهم حاولوا التهرّب من الجيش ومن القتال في صفوف النظام وهاجر الكثير من شبابهم خارج البلاد.
4- المعارضون: وهم شريحة صغيرة جداً يعملون في الخفاء أغلب الأحيان وإن أظهروا معارضتهم لبعض الممارسات تكون في أغلب الأحيان خجولة، ويكون جل نشاطهم في مجتمعاتهم العائليّة الضيقة وفي أوساط المعارضة التاريخيّة، دون قدرتهم على تصدير أي تنظيم فاعل على الأرض لقدرة النظام على اقتلاعهم ووضعهم في السجون بكل بساطة.
وينتمي أغلب العلويين للشريحتين 2و3 حيث يشكّلون ما يقارب الثمانين بالمئة من مجمل البيئات العلويّة في سوريا، وهذا ما ظهر جليّاً في السنوات الخمس الأولى للثورة السوريّة حيث بات ترك السلاح أمراً رائجاً في البيئات العلويّة كما بدأ تعلو الأصوات المناهضة لسياسات النظام القمعيّة في بيئات النظام.
أدى الفقد الكبير للشباب في المعارك الدائرة على جبهات القتال السوريّة وفشل النظام في الإيفاء بوعوده لمناصريه العلويين في حمايتهم، وفقدان العلويين الأمل باستمرار النظام وعدم قدرته على الفوز في معركته على الشعب السوري أولاً، وثانياً الانهيار الاقتصادي التي تشهده البلاد بشكل تدريجي وفشل النظام في حماية موظفي الدولة والعسكريين من الفقر الشديد إلى تباعد واضح بين النظام والبيئات العلويّة، كما جاء الاحتلال الروسي الفج أخيراً ليزيد من هذه الهوة بين النظام والعلويين، حيث انتهت وبشكل كامل ولا رجعة فيه تلك الصورة التي بناها النظام لنفسه في أذهان العلويين من قداسة وقوة وتحكم بالمعطيات الدوليّة وقدرة على تلبية حاجات مناصريه بشكل دائم، وما أثارته الزيادة الأخيرة من آمال لدى بقايا البعثيين بعودة قوة الدولة جاء الانهيار السريع لليرة أمام الدولار بعدها ليودي بهذه الآمال بشكل كامل.
وتلك الصورة التي يحاول فاعلون في الشأن السياسي السوري تصديرها على أن العلويين بالمطلق موالين للنظام أو لبشار الأسد هي صورة مشوّهة للحقائق وتمثل تعمية فعليّة عن الواقع العملي الذي تعيشه هذه البيئات، فغياب مشروع ديني علوي، وإيديولوجية عقائديّة تطرح مشروعاً خاصاً بالعلويين يجعل منهم بيئات قابلة بشكل كبير لتبني أي مشروع وطني جمعي لكل السوريين، يضمن حقوق المواطنة الكاملة لهم وحقوقهم البسيطة في الحياة، إذ إنّ هذه البيئات لا ترغب بأي عقد اجتماعيّ للحياة سوى بالدولة الوطنيّة التي لا يرى الموالون منهم سوى النظام “لحد الآن” قادراً على الحفاظ على هذا العقد الاجتماعي.
إلى أين:
ما فعله النظام خلال خمسين عاماً لترويض العلويين وتوجيه طاقاتهم لخدمته في البقاء على سدة الحكم تلاشى بشكل كامل مع الثورة السوريّة، حيث لم يبق من النظام في أذهان العلويين سوى الخوف من فروعه الأمنيّة في ظل تفتت العقيدة البعثيّة وانهيار قطاعات الخدمات والاقتصاد بشكل عام وبحث العلويين عن فرص للدخل بعيد عن الارتباط بالنظام.
وهذا ما يحيلنا للمهام الواقعة على عاتق القوى السياسيّة الفاعلة تجاه جزء هام من السوريين، استخدمه النظام كرهينة على مدى عقود، وتعرّض للكثير من الهجمات من قبل أطراف محسوبة على المعارضة السوريّة، بضرورة العمل على سوريا بلد المواطنة لكل السوريين. علّنا نجتاز الهويّات الطائفيّة التي عمل النظام على تأسيسها وغرسها في أذهان السوريين، بأشكال متعددة مباشرة وغير مباشرة، كما أنّ غياب الطرح الحقيقي لمشروع الدولة الوطنيّة في سوريا عند الكثير من قوى المعارضة أعطى للنظام قوّة دفع هائلة في تصدّره لهذا المشروع واحتلال واجهته في أذهان العلويين، الأمر الذي يستوجب علينا القيام بإعادة النظر في الطروحات الوطنيّة لقوى المعارضة، ومن أهمها التعاطي السياسي مع جميع السوريين وفق هويتهم السوريّة فحسب والابتعاد عن تقسيم المجتمع لشرائح طائفيّة، أو التمثيل الديني للمجتمع الذي يحتّم “أي التمثيل الديني” مشروعاً لا يرقى للوطنيّة، ومن أهم وأخطر تلك المظاهر، تلك المؤتمرات الطائفيّة والدينيّة التي تعقد في عواصم أوربيّة بين الحين والآخر، والتمثيل الديني في مؤتمرات الحوار كمؤتمر سوتشي وقبله مؤتمر الحوار الوطني، حيث يتلطّى التمثيل الديني خلف الرغبة في التمثيل الشعبي ويعمل على هدم الهويّة والمشروع الوطني لأي فعل سياسي.
المصدر: ليفانت