كشف مصدر خاص لـ”المدن”، عن الوسائل الإستخباراتية الإسرائيلية التي اعتُمدت على مدار سنوات طويلة وتكثفت في الأشهر الأخيرة، لتحديد مكان وجود رفاة المساعد في جيش الإحتلال الإسرائيلي زخاريا باومل، الذي قتل خلال معركة سلطان يعقوب أثناء حرب لبنان الاولى قبل سبعة وثلاثين عاماً، حتى تمت استعادة رفاته وحاجياته الشخصية قبل أيام.
ويبين المصدر أن استخبارات الإحتلال الإسرائيلي اعتقلت عدداً من الفلسطينيين من الضفة الغربية في فترات مختلفة، عندما علمت أنهم قدموا من سوريا، وحققت معهم، حيث حصلت على مجموعة من المعلومات الخاصة بوجود الرفات في المقبرة التابعة لمخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق.
لكن المعلومات من المعتقلين اكتملت بشكل تام وفق عمليات ميدانية أشرفت عليها وحدة كوماندوز خاصة تابعة لإستخبارات الجيش الإسرائيلي، ووفق معلومات “المدن”، فقد ساعدت هذه الوحدة الإسرائيلية، قوة مما تسمى بـ”المرتزقة” وهي تابعة للجيش الروسي، وبمساعدة أشخاص “محليين” متواجدين على الأراضي السورية، حتى تم الوصول في نهاية المطاف إلى القبر الذي كانت رفات باومل موجودة فيه، وكذلك حاجياته الشخصية الموجودة في أحد الأماكن.
ووفق ما رصدته “المدن”، فإن رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات كان قد وعد منذ نشوء السلطة الفلسطينية عام 1994 بالمساعدة في الوصول إلى رفاته، كما وعدت حركة “حماس” بعض الأطراف الأوروبية والإقليمية التي توسطت في صفقة “وفاء الأحرار” (شاليط) بالمساعدة في الوصول إلى الرفاة واستعادتها، فضلاً عن وعود من حزب الله اللبناني للوسيط الألماني بالمساعدة في ذلك منذ سنوات.
ولكن لم يحدث أي تقدم على هذا الصعيد نتيجة الوعود، إلى أن حدث التقدم “الدراماتيكي” المتسارع في الأشهر الأخيرة، ويبدو أن إسرائيل عملت على ذلك، مستفيدة مما أسمته “حالة الفوضى” في سوريا.
مصدر سياسي مطلع قال لـ”المدن”، إن المساعدة الروسية الرسمية تمت في الأشهر الأخيرة من ناحية لوجستية وحدوث تفاهمات مع جهات “محلية”، لنقل رفات الجندي ومقتنياته الشخصية، وبموافقة النظام السوري بناء على الجهد الروسي المذكور، وسط حديث عن دور تركي “غير مباشر” أيضاً.
مصدر مقيم في موسكو كشف لـ”المدن”، أن خط سير عملية نقل رفات الجندي الإسرائيلي تمثل بنقلها من سوريا إلى روسيا، وثم إلى إسرائيل، على غرار ما حصل في قضية استعادة دبابة إسرائيلية استولى الجيش السوري عليها خلال إحدى المعارك قبل سنوات طويلة، إذ جلبها نتنياهو معه قبل ثلاث سنوات أثناء عودته من موسكو إلى تل أبيب.
وبحسب هذا المصدر، فإن الجهات “المحلية” التي ساعدت في تحديد القبر الذي يتواجد فيه رفات الجندي وكذلك بالنسبة لمقتنياته الشخصية، متصلة بجماعة مسلحة كانت متواجدة قرب الحدود مع الدولة العبرية، حيث قدمت المساعدة في هذا الملف مقابل مساعدات مالية وامنية لها من قبل إسرائيل. ويقول هذا المصدر إن النظام السوري علم بالأمر في المرحلة الأخيرة، لكنه لمح إلى وجود جهات من النظام قدمت مساعدات أيضاً، ولكن من دون علم رأس النظام في مرحلة معينة.
تجدر الإشارة إلى أن المتحدث بإسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف، كان قد لمّح في سياق حديث له قبل نحو سبعة أشهر، ارتباطاً بحادثة تسبب إسرائيل بإسقاط الطائرة الروسية العسكرية فوق سواحل اللاذقية، بأن بلاده تعمل على مساعدة إسرائيل في سوريا بخصوص قضية “إنسانية”، غير أنه لم يوضح طبيعتها، إلا أنه يبدو كان يتحدث عن رفات الجندي باومل.
والواقع، أن العديد من الأسئلة الخاصة بعملية استعادة رفات باومل، لم تجب عليها الصحافة الإسرائيلية في أعدادها الصادرة، الخميس، من قبيل: “ماذا حصل بالضبط حتى تم تحديد المكان الذي تواجدت فيه رفات الجندي الإسرائيلي بعد كل هذه السنوات؟ ثم كيف تم نقل هذه الرفات؟”. والحقيقة، أن هذه معلومات أمنية لم يُجب عنها أيضاً بشكل رسمي، وستبقى معظم المعلومات طي الكتمان.
ومع ذلك، ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” أنه جيء بجثث أخرى لجنود إسرائيليين قتلى، ولكن فقط جثة زخاريا باومل الوحيدة التي تم التعرف عليها. أما صحيفة “هآرتس”، فقالت في إطار حديثها عما أسمتهم “مفقودي معركة السلطان يعقوب”، إن التأخير في الإعلان عن العثور على جثة الجندي زخاريا باومل يعود إلى الإعتقاد بوجود جثة الجندي فلدمان. ولم تتردد الصحيفة في الحديث عن الإستثمار الإنتخابي للموضوع من قبل نتنياهو، وذلك تحت عنوان “بمساعدة الدراما الإنسانية: نتنياهو يحاول التغطية على إخفاقاته”.
وقالت صحيفة “معاريف”، إن رفات الجندي زخاريا باومل ستُدفن الخميس في اسرائيل، مشيرة في تحليلها إلى أنه “لا يوجد وجبات مجانية”، وأن مساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إعادة رفات الجندي باومل، تعني أنه سيجني الثمن في مسألة أخرى، فيما نوهت صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى أنهم “في إسرائيل علموا مكان دفن الجندي باومل، وانتظروا الفرصة”.
بدوره، قال موقع “واللا” الإخباري إن العثور على رفات باومل، كان نتاج جهود استمرت 17 عاماً، حيث بذلها طاقم متخصص في البحث عن الجنود المفقودين من معركة السلطان يعقوب. لكن القناة “12” الإسرائيلية، أكدت أن عملية استعادة جثة الجندي زخاريا باومل استمرت عامين.
الإذاعة العبرية العامة “مكان” أكدت أن إعادة رفات باومل وحاجياته الشخصية تمت عن طريق دولة ثالثة قبل أيام. وقد تسنى ذلك في أعقاب عملية سميت “زيمر نوغي” أي “أنشودة حزينة” وليس ضمن “صفقة”. ووفق الإذاعة الإسرائيلية، فقد تم تشخيص الرفات والتأكد من أنها تعود إلى باومل في معهد “الطب العدلي” في أبو كبير بحضور الحاخام العسكري الأكبر البريغادير إيال كريم. وعلمت عائلة باومل بالنبأ عن طريق رئيس “هيئة القوى البشرية” في الجيش الإسرائيلي الميجر جنرال موطي الموز.
كما ابلغ الجيش الإسرائيلي عائلتي “المفقودين” الآخرين في معركة سلطان يعقوب، وهما يعقوب يهودا كاتس وتسيفي فلدمان بذلك. هذا إلى جانب عائلات الطيار رون أراد والجنديين اللذين تحتجز حركة “حماس” جثمانيهما في غزة هدار غولدين وأورون شاؤول.
ويذهب رئيس الوزراء الاسرائيليى بنيامين نتنياهو، الخميس، إلى موسكو، لهذه الغاية المركزية من أجل شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكذلك شخصيات روسية أخرى على جهودهم في عملية استعادة رفات الجندي باومل