جسر – باريس
اليوم وفي ذكرى الثورة الشعبية السورية ضد نظام آل الأسد، أُعلن عن رفع دعوة قضائية ضد ميليشيا “فاغنر” الروسية، أمام القضاء الروسي. وقد
اختارت الجهات القائمة على القضية، يوم ذكرى مرور 10 سنوات على انطلاق الثورة السورية، موعداً للإعلان عن رفع دعوة قضائية في موسكو ضد مرتزقة “فاغنر”، لارتكابهم جريمة شنيعة بحق مواطن سوري بريء هو “حمادي الطه”.
ومن المنتظر أن يلقى هذا الإعلان موجة من الاهتمام العالمي، ومن المأمول أيضاً أن يكون له -إضافة إلى الملف الحقوقي المرافق- ارتدادات سياسية واسعة النطاق. كلها تصب نهاية المطاف في كشف الانتهاكات التي وقعت على الشعب السوري من أطراف عدة، فطريق المحاسبة شاق وطويل، لكن هذه القضية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن ثورة السوريين أفرزت مؤسسات إعلامية وحقوقية ذات نفس طويل، استطاعت عبر تعاونها وتعاضدها قطع أشواط طويلة نحو الحقيقة والعدالة التي يصبو إليها الشعب السوري.
المرحلة الأولى.. من “جسر” كانت البداية
كان لصحيفة “جسر”، دوراً أساسياً في كشف هذه الجريمة البشعة وملابساتها، والدفع باتجاه محاسبة مرتكبيها.
عملت “جسر” خلال السنتين الماضيتين على التحقيق في الجريمة وتواصلت مع الشهود والمعنيين، واستطاعت الوصول إلى نتائج مهمة للغاية.
ونشرت الصحيفة تقارير خاصة عن القضية، استندت إليها فيما بعد صحيفة “نوفايا غازيتا” الروسية ومركز أبحاث “نيو أميركا” الأمريكي، كأرضية صلبة للتحقيق في القضية.(للاطلاع على عيّنة من التقارير المذكورة اضغط هنا، وهنا، وهنا).
عقب ذلك، عملت “جسر” على إيصال جميع هذه النتائج إلى مختلف المنابر الإعلامية الدولية، إضافة إلى المؤسسات الحقوقية المعنية، وفي مقدمتها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، الذي أكمل الطريق، مع الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، وتوليا الجانب الحقوقي الفعلي، الأهم والأعقد، وتمكنا بعد بذل جهود شاقة وطويلة، من رفع دعوى قضائية، ضد الجناة أمام قضاء بلادهم، في العاصمة الروسية موسكو.
المرحلة الثانية.. الشكوى أمام القضاء الروسي
تقدم مواطن سوري بشكوى جنائية في العاصمة الروسية موسكو يوم الخميس الماضي ١١ آذار/مارس 2021 ضد مقاتلي مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية، نيابةً عن شقيقه “محمد. أ” الذي أقدم مقاتلو “فاغنر” على تعذيبه وقتله والتمثيل بجثته في حزيران/ يونيو من العام ٢٠١٧ في بادية حمص.
وتطالب الشكوى، التي يسرها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومركز “ميموريال” لحقوق الإنسان (موسكو)، ببدء إجراءات جنائية ضد أعضاء في الشركة العسكرية الخاصة “مجموعة فاغنر” (PMC Wagner). ويمثل المحاميان اللذان استعان بهما المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH)، ومركز ميموريال لحقوق الإنسان “إيليا نوفيكوف” و”بيتر زايكين”، شقيق الضحية “محمد. أ”، بحسب ما جاء في بيان للمركز، حصلت جسر على نسخة منه.
وفي وقت سابق لتاريخ رفع الدعوى حصلت جسر على تصريح خاص من المحامي “مازن درويش” مدير ومؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، قال فيه إن “الملف القانوني بات حاهزاً، مستوفيا كامل عناصره والشروط القانونية”، مضيفاً أن “الدعوى ستقدم خلال أيام للمدعي العام في موسكو فيما سيؤجل الإعلان عنها حتى يوم الاثنين ١٥ آذار/مارس الذي يصادف الذكرى العاشرة للثورة السورية”.
وقال المركز في بيانه إن هذه الدعوى، تعتبر هذه الدعوى المحاولة الأولى من نوعها من قبل عائلة ضحية سورية لمحاسبة المشتبه بهم الروس على الجرائم الجسيمة المرتكبة في سوريا. وتطالب الشكوى بالشروع في إجراءات جنائية على أساس جريمة قتل ارتكبت باستخدام القسوة المفرطة، بهدف إثبات مسؤولية الجناة المزعومين في الأفعال المنسوبة إليهم عن هذه الجريمة وغيرها من الجرائم، بما في ذلك جرائم حرب.
وينقل البيان عن محامي المدعي “إيليا نوفيكوف” قوله: “ينص القانون الروسي على التزام الدولة بالتحقيق في الجرائم التي يرتكبها مواطنون روس في الخارج. حتى الآن لم تشرع لجنة التحقيق في أي تحقيق في الجريمة المعنية، وذلك على الرغم من أن جميع المعلومات اللازمة قد تم إبلاغها رسمياً إلى السلطات الروسية منذ أكثر من عام”. في إشارة إلى شكوى بخصوص الحادثة سبق وأن تقدمت بها إحدى الصحف الروسية”.
وكانت جسر قد حددت هوية الضحية في مقاطع فيديو تظهر تعرض رجل أعزل للضرب والتعذيب ومن ثم القتل وتقطيع الجسد بالكامل وإحراقه، إضافة إلى مكان الجريمة بالقرب من منشأة غاز الشاعر في بادية حمص؛ ما أدى إلى فتح تحقيق إعلامي على نطاق واسع، الأمر الذي ساعد الصحيفة اليومية الروسية “نوفايا غازيتا” بالتعرّف على أحد المشتبه بهم، وهو عضو في مجموعة “فاغنر”، وتقديم الشكوى.
“لقد تم تجاهل الشكوى التي قدمتها صحيفة نوفايا غازيتا قبل عام”، ينقل البيان عن “ألكسندر تشيركاسوف”، رئيس مركز حقوق الإنسان “ميموريال”. “ولقد أجبرنا هذا، نحن المدافعين عن حقوق الإنسان، على اللجوء إلى سلطات التحقيق الروسية. إذ أن هذه الجريمة في الحقيقة، هي تكرار لما حدث قبل 20 عاماً، عندما لم يتم التحقيق في حالات الاختفاء القسري والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء التي ارتكبت أثناء النزاع المسلح في شمال القوقاز. إننا اليوم نشاهد حلقة أخرى في سلسلة الإفلات من العقاب هذه”.
وتتألف “مجموعة فاغنر” في الغالب من مواطنين روس خاضعين للسيطرة الفعلية للاتحاد الروسي، وكانت نشطة لعدة سنوات في عمليات قتالية في مناطق مختلفة، بما في ذلك في سوريا. وقد وردت تقارير عديدة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها المجموعة ضد المدنيين. وبحسب البيان فإن الوضع القانوني الغامض لمجموعة “فاغنر” بموجب القانون الروسي وإنكار الروابط الواقعية التي تشير إلى اعتمادها الكامل على السلطات الروسية، هو وسيلة الكرملين للتنصل من المسؤولية الدولية عن الجرائم التي ارتكبها أعضاء المجموعة.
لكن “درويش” يؤكد أنه “يجب أن تتحمل الحكومة الروسية مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الانتهاكات التي يرتكبها جيشها بما في ذلك الكيانات الخاصة المشاركة في العمليات العسكرية الخارجية تحت إشراف قيادتها، مثل مجموعة فاغنر. رغم معرفتنا بأن شبكات العلاقات الاقتصادية والسياسية لهذا النوع من الجماعات هي معقدة. إلا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال اعتبار دماء السوريين رخيصة الثمن والتفكير في أرواح المدنيين المفقودة على أنها مجرد أضرار جانبية”.
وعن أهمية الدعوى يقول “إيليا نوزوف”، رئيس مكتب أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان: “لا تعتبر هذه الشكوى خطوة مهمة إلى الأمام وحسب، نحو ضمان قدر بسيط ومتواضع من العدالة لأسرة ضحية هذه الجريمة الهمجية، بل أنها تمهد الطريق لتحميل روسيا المسؤولية عن هذه الجرائم وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها قواتها المسلحة بحكم الأمر الواقع خارج حدودها الإقليمية”.
وأردف: “لا يمكن لأي دولة التنصل من المسؤولية الدولية من خلال الاستعانة بمصادر خارجية لأعمال العنف كالجماعات المسلحة الغامضة مثل مجموعة فاغنر”.
من جانبها، تؤكد “كليمانس بكتارت” منسقة مجموعة إجراءات التقاضي التابعة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان على أن المنظمات الثلاث “عملت منذ شهور لإعداد وتحضير القضية من أجل تقديم ما يكفي من الأدلة والثبوتيات للقضاء الروسي وذلك لمحاسبة المشتبه بهم المتورطين في الجريمة على أفعالهم”، مضيفة أنهم سوف يواصلون العمل من خلال كافة السبل القضائية المتاحة حتى تأخذ العدالة مجراها.
ووفقاً لقانون الإجراءات الجنائية للاتحاد الروسي، يجب على لجنة التحقيق الرد على الشكوى في غضون ثلاثة أيام من تاريخ تقديمها. مع إمكانية تمديد هذه الفترة إلى 10 أيام، وثم إلى 30 يوماً بناءً على طلب المحقق المعيّن، وفي حال لم يتخذ القضاء الروسي أي إجراء التحقيق في الحادثة ومحاسبة الجناة، سيكون من حق المدعين نقل الدعوى الى المحكمة الاوربية لحقوق الانسان.