جسر: متابعات:
تنافس جديد تشهده الساحة السياسية السورية بين الدول المؤثرة في الصراع السوري، مع إطلاق مشروع “الهيئات السياسية” الذي يفترض به تمثيل أبناء المدن والمحافظات السورية والتعبير عنها.
فمع بدء المفاوضات الكردية-الكردية برعاية أميركية شمال شرق البلاد، في نيسان/أبريل الماضي، أوعزت تركيا إلى القوى المدعومة من قبلها، والشخصيات السياسية والاجتماعية السورية المقيمة على أراضيها، من المكون العربي والقوميات الأخرى، من أجل تشكيل هيئات سياسية تمثلهم، وخاصة في المحافظات الشمالية والشرقية، الأمر الذي قابلته الدول المنافسة لها بمشروع مماثل.
تشكيل هيئة دير الزور
أعلن يوم الجمعة الفائت، وبدعم سعودي، عن تشكيل “الهيئة السياسية لمحافظة دير الزور” التي تألّفت من ناشطين ووجهاء عشائر عربية اجتمعوا في بلدة “الكشكية” الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد” تحت شعار “لا للتبعية، لا للوصاية، لا للتهميش”.
وعرّف المجتمعون عن أنفسهم بأنهم من أبناء العشائر العربية والشخصيات الاجتماعية والناشطين السياسيين والإعلاميين في الداخل وبلاد المهجر “الذين آلمهم التدهور المتواصل للأوضاع في دير الزور، ووجدوا أن من الواجب عليهم إطلاق تشكيل سياسي يمثل المنطقة ويسعى للخروج بها من الأوضاع الراهنة”.
ورغم أن المشروع يبدو رداً على التخوف العربي في المحافظة من أن يكون هدف الحوار بين حزب “الاتحاد الديموقراطي” الكردي والمجلس الوطني الكردي هو الهيمنة على قرار ومصير المنطقة الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، إلا أن سماح “قسد” بانعقاده في مناطقها يشير بوضوح إلى أن تشكيل هذه الهيئة يهدف إلى قطع الطريق على المشروع المماثل المدعوم من تركيا.
وتضمّن البيان التأسيسي للهيئة السياسية لدير الزور 15 بنداً، أكدت في جوهرها على استقلالية التشكيل الجديد وعدم تبعيته، وعلى حق تقرير الشعب لمصيره دون إملاء خارجي، ووحدة الأراضي السورية واستقلالها، بالإضافة إلى رفض عودة النظام إلى دير الزور، والتهميش الذي تمارسه الإدارة الذاتية بحق المكون العربي، وهي مبادئ متفق عليها من قبل مختلف أطياف المعارضة، لكنها مع ذلك لم تكن كافية لإبعاد التساؤلات عن علاقة الهيئة ب”قسد” والسعودية، ومدى قدرتها على تمثيل أبناء المحافظة بشكل مستقلاً في ضوء ذلك بالفعل.
هيئات المحافظات
تساؤلات وشكوك يعززها الإعلان عن هذه الهيئة بالتزامن مع مشروع الهيئات السياسية للمحافظات السورية الذي أطلقته قبل نحو شهر قوى وشخصيات مدعومة من تركيا. هذا المشروع الذي جاء، حسب الكثيرين، كرد على الحوار بين الأحزاب الكردية.
وكانت القوى السياسية المقربة من تركيا قد أعلنت تشكيل “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة”، ضمن اجتماع عُقد في مدينة “رأس العين” الخاضعة للجيش الوطني المعارض، شمال محافظة الحسكة، بحضور وجهاء وأعيان ممثلين عن سكان المحافظة.
إعلان سبقه تشكيل لجان وهيئات سياسية تمثل عدداً من المحافظات السورية وسكانها المهجرين والنازحين في الشمال السوري وفي تركيا، ضمن مؤتمر تأسيسي عُقد في مدينة “عفرين” بريف حلب الشمالي، حملت الثوابت والبنود ذاتها التي أُعلن عنها في بيان تأسيس الهيئة السياسية لدير الزور.
ورغم أن الهدف الرئيسي المعلن لهذه الهيئات هو إطلاق مشروع سياسي وطني شامل يسمح للشباب والكيانات الثورية والمعارضة غير التقليدية بإنتاج مجال سياسي سوري جديد، يكسر احتكار مؤسسات المعارضة التي تعاني من الترهل والانحسار، ويسعى لتمثيل أبناء هذه المحافظات في الداخل والخارج ويعبر عنهم، إلا أن دعم المشروع من قبل تركيا أثار الملاحظات نفسها التي أثيرت حول هيئة دير الزور.
لكن رئيس الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة مضر الأسعد قال ل”المدن”، إن “الهدف من تشكيل الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة هو قيادة الحراك الثوري في المحافظة، ومحاربة مساعي المليشيات الانفصالية الرامية لفصلها عن الأراضي السورية، والدفاع عن المكون العربي خاصة، والثوري عامة، الذي يعاني من المضايقات والتهميش من قبل قوات قسد”، حسب تعبيره.
وأضاف الأسعد أن “تشكيل هيئات سياسية تمثل المحافظات السورية، أصبح ضرورة ملحّة، نظراً للأوضاع الراهنة التي تعيشها سوريا، واستمرار عمليات التغيير الديموغرافي للبلاد، ومن أجل التأكيد على ثوابت الثورة واستمرار الحراك بما يؤدي إلى إسقاط النظام الذي يجري مساعي دولية لإعادة تعويمه، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض تقسيمها على أسس عرقية أو أثنية”.
ولا ينكر القائمون على مشروع الهيئات السياسية للمحافظات السورية الدعم التركي المقدم لهذا المشروع، لكنهم يؤكدون أن هذا الدعم لا يتعدى تقديم التسهيلات من أجل إنجازه، من دون التدخل في برنامج عمله السياسي أو توجهّاته، كما أنهم يؤكدون أن القائمين على هذا المشروع هم بالمجمل من الشخصيات والقوى الاجتماعية والسياسية المعروفة بنهجها الثوري المناهض للنظام والمشاريع غير الوطنية، مقابل ما يرونه عدم وضوح هوية الذين بادروا للإعلان عن التشكيل المنافس في مناطق سيطرة “قسد” وبدعم مالي من السعودية.
وكانت مصادر خاصة قد كشفت ل”المدن” عن تلقي القائمين على مشروع الهيئات السياسية وعوداً من قبل تركيا والمعارضة المقربة منها بضم ممثلين عن هذه الهيئات إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي يعاني مشكلات وانتقادات كبيرة تتعلق بشرعيته الداخلية ومدى تمثيله للقوى الثورية والشارع المعارض بالفعل.
وعود يبدو أنها منحت المشروع جرعة تحفيز كبيرة، مع ميل الرأي العام السوري المتزايد نحو اللامبالاة وتجاهل مؤسسات الثورة والقوى السياسية والعسكرية التي ينظر إليها بشكل متزايد على أنها لم تعد تمثل الحاضنة الشعبية للثورة، بينما تبقى قضية التدخلات الخارجية وطبيعة العلاقة بين هذه المشاريع والدول المتنافسة في سوريا التحدى الأكبر أمام نجاحها.
المصدر: موقع المدن/ 14 تموز 2020