جسر: ترجمة:
قبل خمسة أعوام قررت الحكومة الألمانية فتح الحدود للاجئين. وبهذا تمكن السوري أبو علي من الهرب إلى ألمانيا. يعيش الآن في إدلب مرة أخرى، بين الأنقاض والخطر.
يوما ما خطر لمعاذ أبو علي أنه عليه الرحيل. عمل كمتطوع لدى الخوذ البيضاء في إدلب، حيث قام على مدى سنوات بسحب ضحايا كُثر من تحت الأنقاض بعد الغارات الجوية، كما أنقذ حياة الكثيرين. شاهد أطفالا تموت، أخرج جثثا من تحت الأنقاض. هو نفسه جُرح مرتين أثناء عمله.
في صيف عام 2015 وصل لأقصى طاقة تحمل عنده. تقريبا يوميا تقصف طائرات حربية سورية وروسية في آخر معقل للمتمردين في سوريا. كانت الطائرات تصيب أيضا مناطق سكنية، أسواقا ومشافٍ. في عملية إنقاذ مشتركة توفي صديق مقرب منه. “لقد أثر في هذا الحدث كثيرا”، يقول الشاب ذو ال 26 عاما مستعيدا الأحداث. “كان السبب الأساسي الي دفعني لترك سوريا إلى مكان أشعر به بالأمان”.
حياة جديدة في فوبرتال و مشاعر بالعجز
أراد أبو علي الوصول إلى ألمانيا، تماما مثل 800 ألف سوري آخرين منذ اندلاع الحرب. سمع أن الحدود مفتوحة و أن اللاجئين مرحب بهم. كانت رحلة مليئة بالمخاطر والصعاب عبر تركيا، البحر المتوسط والبلقان. في النهاية بدأ حياة جديد في فوبرتال. انتقل إلى سكن جماعي، تعلم الألمانية ودرّس العربية.
شعر بالترحيب: “الناس كانوا ودودين معي. عندما كانوا يعرفون أني لاجئ كانوا يقدمون لي المساعدة.” ولكنه كان يعاني من عجزه عن مساعدة أهل بلده في الحرب. الصورة المرعبة من إدلب كان تصله أيضا وهو في ألمانيا. كان شعور العجز يعذبه.
بعد عام من وصوله لم يعد يرغب في البقاء في فوبرتال. عاد إلى إدلب بالاعتماد على نفسه. بالطائرة إلى اليونان ثم عبر تركيا بالباص إلى سوريا. لم يرغب أبو علي في تحمل منّة أحد، حتى عندما عرضت ألمانيا على العائدين من السوريين مبلغ 3500 يورو. أكثر من 1000 سوري استفادوا حتى الأن من العرض. لا يوجد ترحيل إلى سوريا حتى الآن. وزراء داخلية الولايات الألمانية اعتبروا البلد غير آمن للترحيل.
خطف وتعذيب في مناطق الحكومة
يتهدد اللاجئين في المناطق الخاضعة لحكم بشار الأسد الخطف والاعتقالات التعسفية. هناك 1.5 مليون سوري على لوائح المطلوبين في سوريا. تقول منظمة أمنستي انترناشيونال أن هؤلاء مهددون بالتعذيب والقتل. يتم تعذيب المعتقلين في سجن صيدنايا سيء الصيت بالعصي والسياط, كما يتم سكب الماء المغلي عليهم. الجثث تبقى مكومة في الزنازين لأيام عديدة.
أبو علي أيضا قد يتعرض لمصير كهذا في حال سافر إلى دمشق. كمتطوع في الخوذ البيضاء في إدلب تعتبره الحكومة مشتبها به لا بل إرهابي. العائدون الذكورمن غير المشتبه بهم من قبل الأجهزة الأمنية عليهم الالتحاق بخدمة الجيش. عليهم أن يخدموا عامين على الأقل في الجيش السوري، وعليهم ربما المشاركة في القتال على الجبهة. هذا لوحده يرعب السوريين ويدفعهم لعدم التفكير بالعودة.
بالإضافة لهذا فقد دُمرت البنية التحتية لأماكن كثيرة. أحياء كاملة لاتزال بعد سنين من الحرب غير قابلة للسكن. وفوق هذا تأتي كارثة الأزمة الاقتصادية. هنالك تقديرات بأن نصف السوريين عاطلون عن العمل. أكثر من 80 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر. العملة تدهورت بشكل كبير جدا، مؤخرا أيضا بسبب عقوبات أمريكية جديدة.
انفجرت أسعار المواد الغذائية، هناك نقص في الأطباء
انفجرت أسعار المواد الغذائية. الكثير من السكان يستطيعون برواتبهم الشهرية شراء بضعة كيلوغرامات من الفواكه. العناية الصحية تعتبر أيضا كارثية. تقريبا نصف المستوصفات خارج الخدمة، لأنها تضررت في الحرب. هناك نقص في الأطباء، في الأدوية أيضا في الوقت الذي تزداد فيه أعداد الإصابات بفيروس الكورونا بسرعة.
أصابت الأزمة الناس في إدلب بشكل خاص. من شهر آذار الماضي تسود حالة وقف إطلاق النار في الإقليم الذي يشهد معارك منذ سنوات. لا أحد يعلم إلى متى سيصمد. تدور بين الحين والآخر اشتباكات على الجبهة. في معقل المتمردين الخاضع لمليشيات إسلامية لا يوجد عمل، الأسعار ارتفعت بشكل هائل. أسعار بضائع كثيرة من بينها أدوية لم تعد تُحتمل. مئات الآلاف هُجروا من مناطق أخرى من البلاد، يعيشون اليوم في خيم. الناس وقعوا في فخ، فالطريقة إلى تركيا مغلق أمامهم.
العودة إلى الخوذ البيضاء
عثر أبو علي في بيت نصف مدمر على مأوى. يعمل مجددا مع الخوذ البيضاء برغم المخاطر. في إحدى المهام كُسر عظم حوضه، توجب عليه البقاء ثلاثة أشهر في السرير. ومع هذا يحاول أن يبحث عن استقرار في وطنه القديم. تزوج و رُزق بطفلة و يدرس في جامعة إدلب.
ومع هذا لازال الشاب ذو ال26 عاما قلقا على مصير عائلة. ابنته شهدت عدة هجمات جوية، غالبا ما تبكي بسبب هذا كما يقول. في تلك اللحظات يندم أبو علي على عودته إلى سوريا. يرى مستقبله هنا، ليست في ألمانيا. ولكنه يرغب بزيارة البلد مرة أخرى، يوما ما.
المصدر ترجمة فريق INT