جسر:مقالات:
على باب جامع الصّحابة في مدينة قدسيّا؛ انفجرت سيّارة الشّيخ عدنان الأفيوني عقب خروجه من صلاة العشاء الخميس 22/10/2020م لتودي بحياته مع رفيقه الشّيخ عادل مستو.
لم يكن الأفيوني المولود عام 1954م من طبقة العلماء الكبار في دمشق، وكذلك ليسَ من الطبقة الأولى من مشايخ جماعة كفتارو والطريقة النّقشبنديّة التي ينتمي إليها، فهو من تلاميذ الشّيخ رجب ديب المقربين.
انحاز الأفيوني للنظام بشكلٍ صارخٍ مع بدايات الثّورة السّوريّة، ليعيّنه بشّار الأسد مفتيًا ثالثًا لدمشق بعد الشّيخ بشير عيد الباري والشيخ عبد الفتّاح البزم في عام 2013م لينتقل للخطابة في جامع التقوى في منطقة مشروع دمّر ويحلّ محلّه الشّيخ عادل مستو خطيبًا في جامع الصّحابة مع احتفاظ الأفيوني بدرسه الأسبوعيّ في مسجده الأم جامع الصّحابة.
كان تعيين الأفيوني مفتيًا لدمشق وريفها نابعًا من اعتباراتٍ عدّة ليس بينها الرّسوخ العلميّ وأهليّة الفتوى العلميّة، بل من حاجة النّظام الماسّة إلى شخصيّة لها شعبيّتها في الرّيف الدمشقيّ ولها حضورها الدّينيّ لتكون عنوانًا لمفاوضات التسوية التي عرفت باسم “المصالحات” فكان الحضور الدّعويّ للأفيوني في منطقة من المناطق المتفجّرة وهي قدسيّا وما حولها من المؤهّلات المهمّة في هذا التّعيين.
كما تمّ تعيين الأفيوني مديرًا لمركز الشّام الإسلامي الدّولي لمواجهة الإرهاب والتّطرّف؛ الذي كان له دورٌ أساسيّ في صياغة الخطاب الدّعوي المتبني رواية النّظام فيما يتعلق بمواجهة الثّورة الشّعبيّة والمسلّحة على حدٍّ سواء.
مفتي المصالحات
فور تعيينه مفتيًا لدمشق وريفها غدا الأفيوني جزءًا فاعلًا ومحوريًّا من “وزارة المصالحة الوطنية” وبقي مستمرًا في عمله معها حتّى بعد حلّها وتحويلها بالمرسوم الرئاسيّ رقم 19 لعام 2018م إلى “هيئة المصالحة الوطنية”.
وقد لعب الأفيوني دورًا محوريًّا في المصالحات حتّى غدا لقبه في المجتمع السوريّ بشكلٍ عام والمجتمعات المعارضة والثّوريّة “مفتي المُصالحات”.
وقد كان للأفيوني الدّور الرّئيس في أخطر أربع مصالحات عقدها النّظام في محيط دمشق، فقد كان عرّاب المصالحات واتّفاقات التسوية في كلّ من:
أولًا: مصالحة قدسيّا والهامة
ابتدأ عمل الأفيوني به مع عام 2013م واستمرّ على مدار ثلاث سنوات شهدت الكثير من الأحداث المتشابكة لينتهي باتفاق أكتوبر عام 2016م القاضي بتهجير 525 مقاتلًا من مدينة قدسيا و114 مقاتلًا مع عائلاتهم من منطقة الهامة إلى إدلب، وقد كان الشّيخ عادل مستو الذي قضى مع الأفيوني في التفجير رئيس لجنة المصالحات في قدسيّا التي صاغت وأشرفت على تنفيذ هذا الاتفاق.
ثانيًا: اتّفاق وادي بردى
كان للأفيوني دورٌ رئيسٌ في عقد اتفاق وادي بردى الذي بدأ العمل عليه مع بدايات عام 2014م بمجموعة من الهدن لينتهي الأمر في يناير 2017م بتهجير 1200 مقاتلٍ مع عائلاتهم إلى إدلب في منطقة تحكم ميليشيات إيران وحزب الله اللبناني السيطرة عليها.
ثالثًا: اتّفاق جنوب دمشق
بدأت عمليّة المصالحات مع مدن يلدا، ببيلا، وبيت سحم في جنوب دمشق عام 2014م وكان الأفيوني عرّاب هذه المصالحات واستمرّ عمله للوصول إلى الاتفاق النّهائي في نيسان عام 2018م القاضي بتهجير المقاتلين مع عائلاتهم إلى إدلب، وقد تجاوز عدد من تمّ تهجيرهم بهذا الاتفاق 2200 شخصٍ.
رابعًا: اتفاق داريّا
كان الأفيوني عرّاب اتفاق التسوية الذي تم توقيعه مع مقاتلي داريّا التي بقيت عصيّةً على النّظام أربع سنواتٍ حتى أغسطس من عام 2016م حيث فرّغت داريا من سكانها المدنيين الذين تجاوزا 350 ألفًا، وتمّ تهجير المقاتلين وقد تجاوز عددهم 700 مقاتلٍ مع عائلاتهم إلى إدلب.
وبعد قرابة شهرٍ من التهجير صلّى بشّار الأسد صلاة عيد الأضحى في جامع سعد بن معاذ في داريا المفرّغة من سكّانها ليكون الشّيخ الأفيوني خطيب العيد مشيدًا ببطولات بشّار الأسد وكان ممّا قاله فيها:
“إن اختياركم للصّلاة في هذا المسجد المبارك في داريا التي حملت جراح السنين له دلالات مهمّة أولها أن يرى السوريون والعالم كله أجمع كيف حوّل الارتهان إلى الغرب وأدواته هذه المدينة العامرة بالحياة إلى خراب ودمار”
من له مصلحة في قتل الأفيوني؟
من الضّرورة التأكيد على أنّ قتل الأفيوني له ارتباط أساسيّ بعمله في المصالحات وليس بالإفتاء، وذلك أنّ الإفتاء وحده لا يمثّل فاعلًا حقيقيًّا في مجرى الأحداث وليسَ أدلّ على ذلك من بقاء مفتيي دمشق الآخرَين الباري والبزم على الهامش دون أيّ دورٍ محوريّ في حركة الأحداث في سوريا عقب 2011م.
وكالعادة مع قيام أيّة عمليّة من هذا النّوع يسارع النّشطاء وشريحة من المحلّلين إلى اتّهام النّظام مؤكّدين أنّ النّظام قام بهذه العمليّة عقب انتهاء مهمّة الأفيوني، وقد عزّز هذه الفرضيّة عند بعض النّاشطين أن يكون الاغتيال في اليوم ذاته الذي يصدر فيه المرسوم التّشريعي رقم 22 القاضي بإلغاء الهيئة العامة للمصالحة الوطنيّة، لأنّها “استنفدت دورها ووجودها لم يعد له فائدة” كما علّل بعض أركان النّظام.
ولكنّ هذا كلّه لا يعني بالضرورة أنّ النّظام هو من قتل الأفيوني، بل إنّ الواقع يؤكّد بأنّ اغتيال الأفيوني شكّلَ ضربةً قويةً للنّظام من جهة خسارته لإحدى الشخصيّات التي يعتمد عليها في ملفّات عدّة منها ملفّ محاربة “التطرف والإرهاب”، إضافة إلى أنّ حاجة النّظام له ما تزال مستمرّة وقائمةً في التّرويض المجتمعيّ، وحصر إفادة النّظام منه في عمله في هيئة المصالحات غير دقيق؛ فاستهداف النّظام له أمرٌ مستبعد.
وفي منحىً آخر وجّه البعض أصابع الاتّهام إلى الجناح الإيرانيّ داخل أروقة النّظام السوريّ، معتبرين أنّ الأفيوني تمّ اغتياله لرفضه عمليّات التشييع التي تمارسها إيران عبر أذرعها في سوريا.
وهذا كلامٌ عارٍ عن الصّحة، فالأفيوني جزء من المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف الذي تباركه إيران وأذرعها، إضافة إلى أنّ الأفيوني قدّم خدماتٍ لا تقدّر بثمن لإيران وحزب الله من خلال إشرافه وقيامه باتفاقيات التهجير التي أسهمت بشكلٍ واضح في عمليات التغيير الديمغرافي في محيط دمشق وتحديدًا في المناطق التي تسيطر عليها إيران وحزب الله؛ فقيام إيران وأجنحتها باغتياله أمرٌ مستبعدٌ كذلك.
وكذلك يبقى احتمال مستبعد أيضًا أن يكون الأفيوني ومستو ضحايا صراعاتٍ داخليّة بين الأجنحة الأمنيّة التّابعة للنّظام، وذلك بسبب انتهاء عمليّات المصالحة التي كانت محلّ جدلٍ أمنيّ داخليّ، فهذا الاحتمال كان يمكن أن يكون قويًا لو تمّت عمليّة الاغتيال في خضم مفاوضات المصالحات مع تلك المناطق وليس بعد انقضائها.
ويبقى الاحتمال الأقوى ـ في تقديري الشخصيّ ـ هو قيام مجموعةٍ من المتضررين من اتفاقيات التهجير التي صاغها وأشرف عليها الأفيوني بعمليّة الاغتيال، لا سيما أنّ هناك نقمة عارمة في أوساط الفصائل المقاتلة على مستوى الأفراد والفصائل من الأفيوني.
كما أنّ عمليّة الاغتيال وقعت في منطقة رخوة أمنيًا ولا تحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ أو تعقيد بالغٍ لوصول المنفذين إلى هدفهم المنشود.
والخلاصة أن الأفيوني هو المفتي الذي قتلته المصالحة التي ظنّ أنّها ستحوّله يومًا إلى مفتي الجمهوريّة عوضًا عن أحمد حسون الذي تدلّ المؤشّرات أنّ بقاءه في الإفتاء لن يدوم طويلًا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا