جسر: كوبلنز:
كرة القدم ليست مجرد لعبة، هي أكثر لعبة، بل هي منظومة اقتصادية وسياسية في جانبها الاحترافي، وهي منظومة عاطفية أحيانا أخرى، تحرك الناس وتؤثر في سلوكياتهم. هي اللغة العالمية التي تجمع سكان الأرض. البعض يراها عكس ذلك، والبعض يراها ملجأ عاطفيا لملايين الناس على سطح الكوكب، هربا من هموم تعصف بحياتهم. وغالبا ما يعكس تطور اللعبة في بلد ما، مدى تطور البلد نفسه وحجم قوة اقتصاده وبنيته التحتية، خاصة أن المال يلعب دورا أساسيا في صنع النجوم وتمويل اللعبة وتحريكها كمنظومة اقتصادية بحتة.
أما قصة السوريين مع كرة القدم، فهي قصة عشق وشغف لا ينتهي. فبسهولة تلمح ملامح ذلك الهوى القديم العميق لديهم، من خلال وسائل تعبيرهم عن ذلك الشغف المتأصل فيهم، من خلال مظاهر الهوس الزائد في الفعاليات؛ مثل كأس العالم ودوري أبطال أوروبا وحمى “الكلاسيكو” والدوري الإسباني أو الإيطالي..
ورغم كل ذلك الارتباط العاطفي بين السوريين وكرة القدم، فلم يكن هناك إنجازات مهمة للكرة السورية على الخارطة الدولية باستثناءات قليلة جدا، مثل دورة ألعاب المتوسط 1987، وبطولة آسيا للشباب عام 1994. إضافة لانجازات فردية كثيرة.
لكن في بلاد اللجوء، حيث استقرت أعداد هائلة منهم؛ نقل السوريون عشقهم ومواهبهم المتميزة في ممارسة اللعبة إلى حيث لجؤوا، الأمر الذي أبهر الآخرين بهم وبمدى موهبتهم الفذة العالية التي تستحق الإشادة والدعم والتحفيز.
القصة بدأت في مدينة كوبلنز الألمانية، ففي هذه المدينة أشرقت شمس أول نادٍ سوري احترافي لكرة القدم، اسسته مجموعة من الشباب السوري اللاجئ في ألمانيا، وفي مدينة كوبلنز تحديدا، تحقق الحلم، فالأحلام لاشك بالإرادة تصير حقيقة.
فمن فكرة إلى حقيقة، هكذا بدأت قصة أول نادٍ سوري لكرة القدم لللاجئين، معترف به بشكل رسمي من الاتحاد الرياضي الألماني لكرة القدم، والسلطات الرسمية الألمانية، يلعب في ما يسمى (kreislige D)، اعتبارا من الموسم القادم.
فقد استطاع اللاجئ السوري في ألمانيا عبد الرحمن العطية مع مجموعة من رفاقه السوريين الموهوبين في مجال كرة القدم من تحقيق هذا الهدف الكبير الذي يحسب للسوريين كلاجئين استطاعوا ان يتركوا بصماتهم الإبداعية الخلاقة في المجتمع الألماني، ويرسموا لوحة جميلة عن الإنسان السوري المبدع والقادر على تحدي الصعاب، كذلك لم يخفِ الألمان إعجابهم الشديد بمدى الموهبة التي يملكها اللاعبون السوريون ولياقتهم البدنية العالية التي يتمتعون بها رغم كل ما واجههم من مصاعب وآلام وعقبات اللجوء والخروج من الوطن.
“النادي السوري لكرة القدم” ناد لكرة القدم في الدرجة الرابعة من الدوري اﻷقليمي لجنوب غرب ألمانيا، ذلك الأمر لم يكن سهلا، فكل بداية تكون صعبة للغاية، خاصة إن كانت في بلد أجنبي كألمانيا ذو نظام بيروقراطي معقد للغاية.
طبعا لا شيء يأتي من فراغ، فمؤسس النادي هو لاعب سابق في نادي الجزيرة السوري لمختلف الفئات العمرية قبل لجوئه إلى المانيا. من مواليد مدينة الحسكة السورية عام 1986 ويحمل إجازة في مادة الرياضيات. وقد استطاع ان يتابع ما بدأه في الوطن في بلاد الاغتراب، ولم يستسلم لقدر اللجوء.
من فكرة الى حلم فحقيقة، كيف بدأ مشوار الحلم السوري في تأسيس اول ناد سوري للاجئين في كرة القدم؟
حلم صار حقيقة.. إن الأمر كذلك من خلال حديث عبد الرحمن العطية رئيس النادي وصاحب الفكرة، والذي يشغل أيضا مركز لاعب مهاجم. عبد الرحمن كان قبل تأسيسه للنادي، لاعبا سابقا في ناد ألماني في الدرجة ذاتها في مدينة “نويفيد” الألمانية التابعة لمدينة “كوبلنز” حيث مقر النادي، لعب فيه لموسمين في بدايات لجوئه إلى المانيا 2016-2017 وكان عبد الرحمن هداف النادي الألماني لموسم 2017-2018 برصيد 23 هدفا وبقي في النادي ثلاث سنوات.
يحدثنا قائلاً عن مشروعه:
27 نيسان/أبريل 2019 كان اليوم الذي حصلنا فيه على رخصة تأسيس النادي الذي بدأناه بخطوات عديدة معقدة وصعبة حتى وصلنا إلى مرحلة الاعتراف والحصول على الرخصة والمكان الخاص بنا كناد. الفكرة بدأت من خلال إيماننا وإرداتنا كسوريين ان نؤسس نادياً سورياً خاصاً بنا كلاجئين سوريين، خاصة ان هناك الكثير من اللاجئين السوريين من فئة الشباب هنا في ألمانيا، وفي مدينة كوبلنز تحديدا، وهم لاعبون يمارسون اللعبة بموهبة كبيرة. وكان لابد ان افكر بهذا الامر واسعى لتحقيقه. والكثير ممن بدأت معهم تأسيس النادي هم رفاق وأصدقاء وزملاء أعرفهم بشكل شخصي، ومنهم من يلعب لصالح اندية المانية في الدرجة ذاتها.
يتابع قائلا: بدأت الخطوة الأولى مع صديق وزميل تونسي يدعى “هيكل بن عمر” وهو زميل لي أيضا في نادي “نويفيد” حيث كنت ألعب سابقا قبل تأسيس النادي. ثم بدأنا الخطوة الثانية بجمع اللاعبين ومشورتهم وطرح الفكرة عليهم. واستطاع عبد الرحمن جمع أكثر من خمسة وعشرين لاعبا، جلهم من سوريين، ثم بدأ رحلة الحلم باتجاه الواقع والاعتراف.
في الدوري الألماني، ماهي الإجراءات القانونية و”الروتينة” التي مر بها المشروع؟
يجيب عبد الرحمن قائلا: بعد جمع اللاعبين، قمنا بتوكيل محام، بعد ان منحته تفويضا قانونيا ليبدا إجراءات الحصول على رخصة، واعتراف رسمي من السلطات الألمانية، بما فيها الاتحاد الألماني لكرة القدم ورئاسة بلدة المدينة، ودائرة التمويل أو الضرائب. طبعا قمنا نحن اللاعبين بجمع مبالغ زهيدة من كل لاعب كمقابل مادي لعمل المحامي. في ألمانيا توكيل محامي هو حاجة ملحة في ظل وجود عقبات بيروقراطية كثيرة وقوانين معقدة يصعب فهمها أحيانا، وبصفتي كلاجئ لا استطيع ان ادخل دهاليزها بمفردي.
بعد ذلك استطاع النادي الحصول على مكان، وهي الخطوة الأهم، و كان ذلك عن طريق بلدية المدينة، فالمكان هو الحاجة الملحة والنقطة الأهم، فمن دون مكان ثابت مخصص لا يمكن أن نستطيع أن نتقدم خطوة، لإجراء التدريبات اللازمة والبطولات الودية مع الفرق الأخرى والاجتماعات والتحضيرات اللازمة قبل كل استحقاق. يضيف عبد الرحمن. ثم بدا النادي بلعب مباريات ودية مع اندية اجنبية ومحلية “ألمانية”. بعد ذلك جاءت الموافقة الرسمية واللعب في الدرجة دي ابتداء من موسم 2020-2021.
بطولات بزمن قياسي، وخطط مستقبلية:
بعد تأسيسه مباشرة استطاع النادي أن يدخل خطوط المواجهات بحماس دون أن ينتظر قدوم الموسم الذي سيبدأ في شهر آب القادم 2020. واستطاع النادي بزمن قياسي من تأسيسه وعمره القصير نسبيا أن يكون رقما صعبا، وتمكَّن من تحقيق إنجازات وقفزات نوعية، فقد حصل على عدة القاب بفضل الحماس والموهبة التي يمتلكها اللاعب السوري.
أهم الألقاب التي حصل عليها النادي رغم حداثة عهده:
– بطولة في مدينة كوبلنز، واسمها دورة “نويندورف” لملتقى الأديان. بتاريخ 9 حزيران/يونيو 2019
– بطولة كأس “كولز” في مدينة كوبلنز بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2019
– وصيف بطولة أندية بوخ وضواحيها بتاريخ 9 أيلول/سبتمبر 2019
متوسط اعمار اللعبين بين 28-27 وهناك خطط مستقبلية لضخم دماء جديدة في النادي كما يقول مؤسس النادي. ويضيف: إن الباب مفتوح للجميع، وليس للسورين فقط، وأن هناك خطط مستقبلية لإنشاء فئة للشباب والناشئين ولن يقتصر النادي على فئة الرجال فقط.
ماذا عن التمويل؟
يقول العطية مؤسس النادي ورئيسه: التمويل ذاتي بحت، خاصة في البدايات، وفيما بعد صارت هناك عدة مبادرات فردية من اشخاص سوريين لدعم النادي ماديا أو تقديم (اللباس، الكرات ومعدات رياضية أخرى). لكن كما يضيف عبد الرحمن بأنه جرى الاتفاق مع رجل أعمال سوري مقيم في مدينة كوبلنز لدعم النادي، وبأنه سوف يكون الداعم الرئيسي للنادي، بعد أن بادر شخصيا بذلك، وقد تحفظ عبد الرحمن على اسمه. وان شاء الله يكون الدعم اكبر في المستقبل، بحسب تعبيره.
مدرب بخبرات طويلة وعريقة
مدرب النادي هو المدرب السوري جمال زغنون الذي يحمل تاريخا طويلا عريقا في مجال كرة القدم كلاعب وكمدرب. وهو الآن يعيش في ألمانيا بصفة لاجئ مثل آلاف السوريين، يسكن في مدينة كوبلنز الألمانية في ولاية الراين لاند. يشرف على تدريب النادي السوري في هذه المدينة منذ سبعة أشهر، وسبق أن أشرف على تدريب نادي الجاليات العربية في مدينة كوبلنز منذ 2016.
وخاض زغنون مع الفريق عدة منافسات، نالوا فيها ألقابا وإشادات ألمانية، وإعجابا بقدراته كمدرب وقدرات اللاعبين العالية.
يقول جمال زغنون، بأنه ينتظر موسم الدوري الألماني لكرة القدم 2020-2021 بفارغ الصبر، حيث ستنطلق المشاركة الرسمية الأولى للنادي السوري، وبشكل رسمي ليلعب ضمن الدوري الألماني في الدرجة “دي” في شهر آب القادم.
تجدر الإشارة أن جمال زغنون من مواليد مدينة حلب عام 1959 فقد بدأ مسيرته كلاعب منذ عام 1977 مع نادي شرطة حلب وبقي معه حتى عام 1980 ليعود إلى نادي الاتحاد حيث مسقط رأسه في مدينة حلب وبقي معه كلاعب حتى عام 1987 ولعب له في مختلف الفئات العمرية. مثل سورية كلاعب أول مرة عام 1978 مع المنتخب الأولمبي. كما اشرف على تدريبه في عام 2005 تحت مسمى منتخب سورية للقواعد واستمر معه في مناسبات عدة بعد ذلك.
وها هو الآن مع لاعبين سوريين أكفاء يواصلون مشوارهم الواثق في ألمانيا ولديهم أمل بصنع فرح سوري حتى لو عن طريق كرة القدم.