جسر: متابعات:
تندلع -من وقت لآخر-اشتباكات ومناوشات داخل مناطق سيطرة النظام، بين المليشيات الموالية لإيران وبين تلك المدعومة من روسيا، والتي كان آخرها المواجهات بين مليشيا “فيلق المدافعين عن حلب” وعناصر من مليشيا “الدفاع الوطني”، في حي القاطرجي جنوب مدينة حلب، فجر يوم السبت المنصرم، والتي اندلعت بعد قيام الأخيرة بمحاولة منع عناصر “فيلق المدافعين” من دخول مدينة حلب قادمين من ريفها الجنوبي.
وقد سبق هذه الاشتباكات اقتحام مليشيا “المدافعين” مقرات عسكرية تابعة لتشكيلات موالية لروسيا في حي سيف الدولة غرب مدينة حلب، والتي تأتي امتداداً لتوتر ومشاحنات بين الطرفين مستمرة منذ أشهر، اندلعت خلالها مواجهات عنيفة استخدمت في بعضها الأسلحة المتوسطة والرشاشة وقذائف الهاون والـ ” RBG”، في أحياء عدة غرب المدينة ووسطها.
وبحسب مصادر تلفزيون سوريا في حلب، فإن الاشتباكات العنيفة دائماً ما تكون مسبوقة بتوتر ومناوشات بين الحواجز العسكرية والقوى المتعددة التي تسيطر على المدينة، إلا أن أكثرها حدة تكون في الأحياء التي تشهد تقاسماً للسيطرة بين المليشيات (الإيرانية) والمليشيات (الروسية)، والأحياء التي تعتبر منافذ المدينة نحو الريفين الجنوبي والشرقي، مثل الشيخ سعيد، وباب النيرب، والميسر وطريق الباب.
ولكن وعلى عكس المرات السابقة، فإن قيادة مليشيا “فيلق المدافعين” التي دائماً ما كانت حذرة من فضح مشاركة الفيلق في الاشتباكات، خاصة وأنها تمتلك مجموعات منضوية ضمن تشكيلات مدعومة من روسيا أيضاً، وتتشارك شكلياً مع مليشيات محسوبة على موسكو في إدارة عدة مناطق وأحياء داخل المدينة، فإن مواجهات حي القاطرجي التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، لم يكن بالإمكان التستر عن دور “فيلق المدافعين” الأساسي فيها.
من هو فيلق المدافعين
تعتبر ميليشيا “فيلق المدافعين” أحد أهم المليشيات التي تمكنت إيران من تشكيلها في مدينة حلب، ومثال حي عن المشروع الإيراني الذي يهدف، إلى جانب الهيمنة الاقتصادية ونشر التشيّع، التغلغل ضمن التشكيلات والقوى العسكرية الرديفة لجيش النظام في حلب، وتكمن أهمية هذا الفصيل بأنه كيان عسكري تابع لإيران ضمن قوة عسكرية كبيرة هي مليشيا “الدفاع الوطني”، التي استطاعت روسيا بعد جهود من جذب تشكيلات فيها إلى صفها مؤخراً.
تم الإعلان عن تأسيس “فيلق المدافعين عن حلب” في شهر شباط” عام 2017، في ريف حلب الجنوبي، بدعم وتسليح ايراني كامل، بقيادة العميد الركن “هيثم النايف” الموالي لإيران، ومؤسس ما يعرف بمليشيا “الدفاع المحلي” عام 2015 ثم انتقلت القيادة لـ”الحاج محسن” عام 2018، بعد مقتل العميد النايف أثر حادث مروري مشبوه على طريق “أثريا- خناصر”.
وضم التشكيل مجموعات تابعة لمليشيا الدفاع الوطني في بلدات الوضيحي، والحاضر، وعزان، والسفيرة وغيرها بريف حلب. وقد تلقت أغلب هذه المجموعات التدريب داخل قاعدة “السيدة رقية” قرب بلدة “عزان” جنوب حلب، بينما تم إرسال بعضها إلى العراق وإيران لتلقي التدريب هناك، إضافة إلى مجموعات أخرى كانت تابعة لمليشيا “لواء القدس” الفلسطيني، وقد تم تشكيلها في شهر حزيران من عام 2017، ومجموعات من مليشيا “الدفاع الوطني”، تضم مقاتلين من بلدتي “نبل والزهراء” الشيعيتين، وكذلك شبان متشيعين حديثاً أو يكنون الولاء لإيران وشاركوا مع المليشيات الإيرانية في معاركها داخل حلب.
كما استطاع “الفيلق” استقطاب العديد من الشبان المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو الذين طالهم قانون الخدمة الاحتياطية، ووجدوا بالتشكيل الجديد منفذ لهم للتهرب من الالتحاق بجيش النظام، خاصة وأن الانتساب “للمدافعين” يمنحهم امتياز إسقاط الخدمة الإلزامية والاحتياطية عنهم والبقاء في المدينة، وعدم الاشتراك في جبهات القتال، نظراً لإيلاء قيادة “الفيلق” أهمية بالغة للجانب الاجتماعي والخدمي، إضافة إلى حصول عناصره على رواتب يصل بعضها إلى “60 ألف ليرة سورية” (ضعف ما يحصل عليه عنصر جيش النظام).
انتشار ونفوذ “الفيلق” في حلب
عمل هذا التشكيل تحت قيادة مليشيا “الدفاع المحلي” حتى عام 2018، وكانت تتبع له مجموعات منضوية تحت قيادة “لواء القدس” الفلسطيني، حتى مطلع العام الجاري، الذي شهد تصاعد حدة الاشتباكات والخلاف بين الجماعات المدعومة من روسيا ونظيراتها الموالية لايران، في محاولة من الطرفين للسيطرة على حلب، الأمر الذي دفع بقيادة ميليشيا “فيلق المدافعين” للانحياز في النهاية إلى الحرس الثوري الإيراني، بعد رفضها قرار روسيا إشراك “الفيلق” في معارك الشمال السوري، وانقلابها على مليشيا “الدفاع الوطني” و”لواء القدس” المدعومين من روسيا.
وبحسب مصدر خاص لتلفزيون سوريا، فإن قائد مليشيا لواء القدس الفلسطيني “محمد سعيد”، شجع وأيد إنشاء كيان تابع لإيران ضمن تشكيله عام 2017، خاصة بعد قيام روسيا بالتواصل مع مساعديه وقادة مجموعاته، الأمر الذي شكل خطراً وجودياً بالنسبة له، قبل أن يتم اعتقال معظم قادة لواء القدس بتهم مختلفة، ما جعل “السعيد” يتحول نهائياً إلى الحضن الروسي ويتخلى عن الدعم الإيراني.
الكيان الإيراني المتواجد ضمن تشكيل لواء القدس، والذي حمل لاحقاً اسم “فيلق المدافعين عن حلب” تمكن فعلاً من السيطرة على مناطق كثيرة داخل المدينة، بغطاء لواء القدس ومليشيا “الدفاع الوطني” بداية، ثم مستقلاً مع تنامي قوته وازدياد عدد عناصره، حيث قسّم قوته ونفوذه على أربع قطاعات تتحكم بالمدينة وريفيها الشرقي والجنوبي عسكرياً وخدمياً وأمنياً، بحيث لا يكاد يخلو حي من أحياء مدينة حلب من وجود حاجز عسكري تابع لمليشيا “فيلق المدافعين”، ليصبح التشكيل عام 2019 ثاني أكبر تنظيم إيراني في سوريا مكون من السوريين، بعد مليشيا “لواء الامام الباقر”.
وقد استفاد “الفيلق” في هذا التوسع والنمو من التركيز في دعايته على فساد الميليشيات الأخرى المشكلة بين الأعوام 2013-2016، والتي باتت جميعها محل استهجان سكان مدينة حلب العلني غالباً، بسبب الجرائم التي ارتكبتها، والتي تشمل الخطف والقتل والسطو وتجارة المخدرات.
معارك النفوذ والسيطرة على حلب لم تنته بمجرد سيطرة النظام بدعم بري إيراني وجوي روسي على الأحياء التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة، فقد تحولت المدينة إلى ساحة حرب مفتوحة بين المليشيات الموالية لإيران ونظيراتها الموالية لروسيا، في محاولة مستميتة من كلا الطرفين من أجل السيطرة على المدينة وتحجيم دور ونفوذ الطرف الآخر.