جسر – متابعات
نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، مقالاً للكاتب والباحث البريطاني في العلاقات الدولية كريستوفر فيليبس، قال فيه إن الزعماء الغربيين يواجهون معضلة حقيقية بشأن ما يجب القيام به في ما يتعلق برأس النظام بشار الأسد.
ويقول الكاتب في مقاله الذي نقلته “الجزيرة” إنه الزعماء الغربيين ورغم إدانتهم وحشيت الأسد خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت عقداً من الزمان ودعوتهم لرحيله وفرض عقوبات اقتصادية على نظامه ودعم خصومه عسكريا فإن “الدكتاتور السوري” لا يزال متربعاً على السلطة.
ويعتقد فيليبس أن بقاء الأسد ممسكاً بزمام الحكم في سوريا كشف أن الإدانات الغربية المتكررة له كانت جوفاء، حيث لم يكن القادة الغربيون مستعدين طوال سنوات الصراع الخوالي لأن يتبعوا القول بالفعل ويتخذوا إجراءات كافية للإطاحة بنظامه.
بل إن “مشكلة الأسد” هذه تفاقمت بعد أن استطاع بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين استعادة ثلثي التراب السوري، وحكم المناطق المسترجعة بقبضة من حديد، في حين تواصل قواته مهاجمة ما تبقى من الأراضي تحت سيطرة فصائل المعارضة.
يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد والدولة السوريين آخذان في الانهيار تحت وطأة العقوبات الدولية والأزمة المالية في لبنان المجاور، وبسبب آثار الحرب وتفشي الفساد في مختلف أجهزة الدولة، مما يشير إلى أن البلاد ماضية قدما وبشكل متسارع لتصبح “دولة فاشلة على أعتاب أوروبا”.
وقد حث سياسيون ومفكرون وشخصيات معارضة سورية في المنفى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تبني سياسات “تغيير النظام” للخلاص من الأسد، حيث أشارت مؤخرا -على سبيل المثال- الباحثة في “معهد دراسة الحروب” جينيفر كافاريلا خلال اجتماع للجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي إلى أن إسقاط الأسد لا يزال “هدفا مهما على المدى الطويل”.
لكن بقدر ما قد يرغب هؤلاء “الصقور” -يضيف فيليبس- في الإطاحة بالأسد ونظامه بقدر ما تبقى تداعيات هذا الخيار غير مضمونة، والأساليب المختلفة التي يقترحونها لتفعيله غير واقعية.
ويبقى أحد الخيارات المطروحة لطي صفحة الأسد هو التدخل العسكري المباشر، لكنه خيار بات مستبعداً، خاصة بعد أن ألغى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ضربة كانت مقترحة ضد نظامه في سبتمبر/أيلول 2013، كما أن معظم المراقبين في واشنطن لا يرغبون في إحياء هذه الفكرة.
الخيار الثاني المفضل من قبل البعض هو الاستمرار في فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية مثل التي فرضت بموجب “قانون قيصر”، على أمل أن يؤدي “إفقار” نظام الأسد إلى انقلاب داخلي قد تدعمه روسيا المحبطة، أو إلى انتفاضة من قبل موالين رغم أن هؤلاء وغيرهم من المقربين من النظام كانت أمامهم 10 سنوات من الحرب للإطاحة بالأسد ولم يفعلوا، ربما خوفا أو اقتناعا أو حفاظا على مكتسباتهم.
وهناك أيضا خيار ثالث وأخير يطرحه آخرون -يضيف الكاتب- لكنه يبدو أقرب إلى الوهم منه للواقع، وهو التفاوض بشأن رحيل الأسد مع راعيته روسيا على أمل إقناع موسكو بالتخلي عنه مقابل ضمانات تحفظ مصالحها في سوريا.
هذه الفكرة كانت قد اقترحتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في وقت سابق من الحرب ورفضتها موسكو، وليس مرجحاً أن يوافق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الآن، خاصة أنه مستفيد من بقاء الأسد في السلطة، ومهما وعد الصقور الأميركيون فلا شيء يضمن للطرف الروسي أن تتكرر علاقته ذاتها مع الأسد مع أي خليفة محتمل له.
ويرى الكاتب -الذي ألف كتاباً عن سوريا بعنوان “المعركة من أجل سوريا.. التنافس الدولي في الشرق الأوسط الجديد”- أن خيارات تغيير النظام هذه المدعومة من الغرب تبقى جميعها غير محتملة، مما يترك خيارين آخرين لا ثالث لهما أمام مناهضي الأسد ونظامه، وهما أيضاً بلا شك غير مرحب بهما.
يتمثل الأول في استمرار الوضع على ما هو عليه مع إبقاء الأسد معزولاً ومعاقباً، في حين يتم العمل على التخفيف من تداعيات حكمه قدر الإمكان من خلال دعم الجيوب التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة والأنشطة الإنسانية حيثما أمكن لصالح العديد من اللاجئين السوريين.
أما الخيار الآخر -وهو أيضاً أقل قبولاً- فهو السعي إلى نوع من التسوية مع الأسد، لكن ذلك سيعد “مكافأة” لعنفه المدعوم من روسيا وإيران ويشجعهم جميعاً وكل المستبدين عبر أنحاء العالم، كما أن هذا الخيار من شأنه أن يثير السخرية من الحكومات الغربية التي ترفع شعار احترام المبادئ الإنسانية والليبرالية، وتقول إنها تسعى جاهدة لتعزيز هذا المبدأ.
ويختم الكاتب بأنه إزاء مشهد كهذا يبقى الوضع الراهن النهج الأكثر ترجيحاً، وهو استمرار مسلسل انهيار “دولة الأسد” لكن مع استبعاد سقوطها التام والكامل على الأقل في الأمد المنظور.