خاص/ جسر
“حين تخرج حقوقنا عن حيز القانون والشرع الى سيطرة الاعراف والتقاليد، وعندما نكون اصحاب حق مثبت ليكن هذا الحق بيد من نحب هنا تبدأ المفارقات، وفي زمن الحرب “تضيع الطاسة” فيأكل القوي الضعيف” بهذه العبارات بدأت فاطمة حديثها لتلخص معاناتها التي امتدت أكثر من عشرين عاماً، من أجل تحصيل حقها في الميراث وإلى الآن لم تحصل على شئ.
فاطمة سيدة تجاوزت الستين، من ريف درعا، لا تزال متمسكة بزيها التراثي الانيق، تزين وجهها بعدة رسوم من الوشوم التي تعرف بها حوران، لطالما أحبت اقاربها وعائلتها فعلاقتها بهم دائماً كانت مميزة.
تروي فاطمة قصتها ومحاولتها الحصول على حقها من ميراث والدها “ترك والدي الكثير من الأراضي، داخل البلدة وخارجها، ومرت سنوات ولم افكر أن أطلب من اخوتي حصتي من ميراث والدي، ولكن بعد حاجتي لها قررت الحديث معهم فتوجهت بداية إلى اخي الاوسط وهو من المقربين لي، كان رده ينطوي على الكثير من الغموض والدبلوماسبة، فقال لي كل شيء تريديه اطلبيه مني ولكن اتركي امر الورثة خارج حساباتك، وما أن عرضت الموضوع بحضور اخوتي جميعاً، حتى وجدت ردود ووجهات نظر لم تكن تخطر على بالي، وأول من حاربني هو شقيقتي بصمتها وسكوتها، فلم تقف إلى جانبي ولو بالكلام”.
تتابع “تباينت ردود فعل اخوتي الذكور فمنهم من قال لا حق للنساء عندنا هل ستقومي بحراثة الارض وسقايتها وزراعتها؟، ومنهم من قال لا نعطي ارضنا للغرباء ( زوجي واولادي ) قلت لهم اي غرباء اليسوا هم ابنائي؟ اليس هذا زوجي؟ اليس لهم الحق كأبنائكم؟ عاتبتهم قائلة ألم اكن اخرج للعمل معكم صيفاً شتاء؟ ألم اخرج من الفجر حتى المغيب؟ أكنت اعمل مثلكم كالرجال؟ لم يكن هذا الكلام ليغير آراءهم بل بدؤوا بسيل من الكلام الجارح، وتوجيه التهم لزوجي بأنه يحرضني لأكسب وأنال من اخوتي وتعبهم”.
قوبل مطالبة فاطمة بحقها بالمقاطعة، فلم يعد يزرها أحد من إخوتها، حتى في المناسبات والأعياد، وحاولت أن تعيد العلاقات معهم إلا أنهم كانوا يشيحون وجهوهم عنها في الطريق كلما قابلوها.
تقول فاطمة “مرت شهور وسنين، ولم يغيروا رأيهم ولم أتنازل عن حقي، حتى بدؤوا بالحديث عن أبنائي وزوجي، وقاموا بارسال تهديدات علنية لهم بان كل شبر ارض سأحصل عليه عبر المحاكم، سيكون مقابله دم، تركت لهم الارض (والجمل بما حمل ) و لم أرغب أن أكون حديث البلد، فاختصرت كل شيء، حالي حال الكثير من النساء ممن لم ينلن حقهن، مضى عشرون عاما على هذه الحادثة، ولم اسامحهم ولن انسى تجريحهم لي”.
ولا تختلف قصة لمى، الطالبة الجامعية، عن فاطمة فحرمانها من الميراث جاء على يد إخوتها من والدها، فعاشت حياة بائسة بعد وفاة والدها الذي وفر لهم في حياته كل ما يحتاجونه وأكثر.
تقول لمى “عشت أياماً جميلة في كنف والدي، الذي يملك الكثير من الأملاك والمال، ولطالما كنت مدللته، ولكن بوفاته تغير كل شيئ فلم يعد بيت والدي الكبير بيتنا، لم نعد نحظ بشئ مما اعتدنا عليه، فانا وامي واختي وضعنا والدي تحت وصاية اخوتي من زوجته الاولى”.
وهذه الوصاية أجبرت والدتها على العمل في نسج الصوف وشك الخرز، من أجل تأمين لقمة العيش للشقيقتين.
اضطرت الظروف لمى وعائلتها العودة إلى السكن مع إخوتها حيث يقيمون في بناء كبير فيه العديد من الشقق المفروشة، إلا أنهم لم يحظ سوى على غرفة على السطح مغطاة بالواح التوتياء، لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.
تقول “كنت أقارن بين حياتنا وحياتهم من كل النواحي، فأشعر أننا أولاد الخادمة ولسنا إخوتهم، لم أعلم إن كان لي من الميراث ما لهم، الا مؤخرا بعد اعتراف والدتي بذلك، فأدركت انهم يتنعمون بحقي وحق والدتي واختي”.
خرجت لمى عن صمتها لتطالب بحقها بأن تكون كإخوتها وبناتهم قائلة “أريدأن أحصل على الحقوق التي تحصل عليها بناتكم” فجاء الرد “من وين لوين مثل بناتنا!”، لتجيب بأنه حقها وحق والدتها وأختها من الميراث، لينهال عليها سيل من الشتائم، حتى أنهم أكدوا لها أن الغرف التي أعطيت لها ولعائلتها هي مكرمة منهم، وأن لا حق لهم بقرش واحد.
تقول لمى “حاولت كثيراً ولكن النتيجة ذاتها، فعاهدت نفسي أن احصل حقي كاملاً بالقوة، لأثبت للعالم كله بأن لم تحصل عليه باللين تسيكون لنا بالقوة”.