اقتصرت على اللجان، لأنها تمت بقرارٍ منها، وكلف معاذ حمور، بصفته عضوا فيها، بتنظيمها، فكان زوار الضريح ينطلقون من قرب مشفى المواساة، وحين يصلون إلى ميسلون، يضعون الورود عليه، قبل أن يقفوا دقيقة صمتٍ، ويلقي الراحلان الكبيران، حمدان حمدان وحسين العودات، كلمتين عن المناسبة، تتضمنان انتقادا صريحا للنظام. كما أن اللجان هي التي اتخذت قرار تنظيم مظاهرات ليلية في دمشق، بعد اقتحام إسرائيل الضفة الغربية، ورسمت خط سيرها اليومي من أمام قصر الضيافة، وصولا إلى ساحة مبنى المحافظة في الصالحية، ثم إلى باب توما وركن الدين، حيث يلقي أحد المشاركين فيها من الفلسطينيين أو اللجان أو ممن يتفق عليه مع مندوب التجمع الوطني الديمقراطي (السوري)، مازن عدي، خطابا تختتم به المظاهرة الليلية، علما أن هذه المظاهرات استمرت اثنتين وثلاثين ليلة، وبلغ عدد المشاركين في إحداها أكثر من عشرة آلاف متظاهر، كانوا يتوافدون إلى دمشق من مختلف أحيائها، ومن قرى الغوطتين وبلدتيهما، وحتى من حوران.
وكانت اللجنة غائبة عن حراك الكرد عام 2004، سواء عندما انفرد وفد من اللجان بالذهاب إلى القامشلي، على الرغم من تحذيرات وفد “التجمع” الذي ذكره جورج صبرة، وقال إنه قابل الأمين العام المساعد لحزب البعث، محمد سعيد بخيتان، لكنه لم يذهب إلى مكان الحدث، وعندما طالب كرد وادي المشاريع بقدوم وفد من اللجان إليهم، لمناقشة ما إذا كان عليهم إنهاء مظاهراتهم. كما لم تكن اللجنة بين حضور الحوارات التي تمت بين اللجان والإخوة الكرد الذين مثلهم أعضاء اللجان، فيصل يوسف ومشعل التمو وزرادشت محمد، طوال الثلث الأخير من عام 2001، ودعي التجمع الوطني الديمقراطي إليها، فشارك نيابة عنه حسن عبد العظيم الذي غاب عن ثلاث جلسات، تم في نهايتها التوافق على موقفٍ موحد من المسألة الكردية، باعتبارها فرعا رئيسا في المسألة الديمقراطية السورية، ستكون سورية القادمة ديمقراطية بقدر ما تبادر إلى حلها على أسس المساواة والقرار بالحقوق القومية.
أخيرا، ليست اللجنة هي التي قررت نهاية عام 2000 تشكيل المنتديات، ونشرها في سورية، ومن تولت التنسيق معها حول طبيعة أنشطتها وما يطرح فيها من مواضيع. ويتذكّر رياض سيف بالتأكيد أن أول من حاضر في منتداه كان الراحل الكبير أنطوان المقدسي، الذي ألقى
محاضرة عن “المجتمع المدني”، نسّقت مع اللجان التي لعبت دورا في تشكيل منتدى الأتاسي، وكانت من أطلق هذه التسمية عليه.
تستحق هذه الأحداث المهمة أن تُذكر في “قصة كاملة”. وهذا لا يعني أن أحزاب “التجمع” كانت غائبة عن النشاط العام، فقد شاركت في تظاهرات مشتركة مع الكرد في دمشق، وما دأبت على القيام به من أنشطة حزبية تقاطعت أكثر فأكثر، منذ نهاية عام 2001 مع أنشطة لجان إحياء المجتمع المدني، أو تقاطعت أنشطة “اللجان” معها، لا فرق، على الرغم من تحفظاتٍ كانت لدى قيادة “التجمع” عامة ، ورياض الترك (أمين عام الحزب الشيوعي، المكتب السياسي) خصوصا، على مبدأ التوافق الذي أصدرت “اللجان” وثيقة حوله، باعتباره أسلوبا يجب اعتماده في العمل السياسي ضد نظام استبدادي/ شمولي، يستحيل تغيير علاقات القوى معه من دون توافق أطراف العمل العام على مشتركاتٍ يمليها برنامج حريات ديمقراطية جذري إلى أبعد الحدود. وقد أطلقت اللجان على مشروعها اسم “وثيقة التوافقات”. وكان أمرا مفهوما أن يتخذ القائد الشيوعي البارز موقفا متحفظا من مبدأ التوافق، بما أنه مثل مدرسةً في العمل العام، رأت السياسة بمنظار الصراع الطبقي باعتباره قاطرة التاريخ.
وأرجو أن يعذرني الأستاذ جورج صبرة لأن ألفت نظره إلى أن اتصالات “اللجان” لم تكن معه، بل مع رياض الترك وجمال الأتاسي، والرفيقين عبد الله هوشه ومازن عدي، اللذين كنا على صلة معهما خلال فترات الملاحقات والسرّية. لم يكن الترك نصيرا لمبدأ التوافق، أي أن نعمل بالمشتركات ونُقصي الخلافات، من دون أن نتخلّى عن تقليصها، وتوسيع هوامش التفاهم على ما هو مختلف عليه. كما لم يكن نصيرا لمبدأ العلنية. ولذلك قابل الترك ظاهرة اللجان بتوجسٍ وشكٍّ كثيرين، وحاورني عشرات الساعات بشأن اللجان وما تطرحه، بما أن لقاءاتنا كانت مفتوحة ويومية في الملمات. وقد عبر الرفيق عن الخشية من أن تهمش حركة اللجان أحزاب المعارضة وتضعفها، فتنقضّ السلطة عليها عندئذ، وتقضي على المعارضة من النمطين، الحزبي والمدني. كانت هذه الخشية مفهومة، بالنظر إلى أن معظم الحراك الذي انطلق بعد ربيع دمشق لم يكن حزبياً، ولم ينطلق بمبادرة من “التجمع” الذي كان في حالٍ يُرثى له، على الرغم من تضحيات مناضليه، وبطولات من اعتقلوا منهم وأمضوا عشرات السنين وراء القضبان، وفي مقدمهم مناضلٌ رمز هو الرفيق رياض الترك.
إذا شئتَ، أستاذ جورج، أوردت لك ما تعرفه عن وضع التجمع الوطني الديمقراطي، ومن ذلك أن أحزابه تركت الحزب الشيوعي يخوض معركة حياة وموت مع النظام عام 1980، طوال عقدين، من دون أن تشارك أحزابه الأخرى في التضامن معه أو الدفاع عنه، بسبب هشاشة
أوضاعها ووضعه. ولم تحظ انعكاسات هذا التحفظ على التوافق والعلنية على علاقات الحزب الشيوعي بلجان إحياء المجتمع المدني باهتمام الأستاذ جورج، الذي قدم صورة يفهم القارئ منها أن التفاهم كان تاما بين الأطراف الحزبية و”اللجان”، وأنه عبر عن نفسه في “اللجنة” التي يعزو لها ما لم تفعله، أقله لأن الأوزان الثقيلة المقرّرة من الطرفين لم تكن ممثلة فيها، ولأن مبدأ التوافق الذي يفترض مقال جورج صبرة أنه حكم مواقف الأحزاب لم يكن معتمدا في حينه، أو بعد ذلك، عام 2005، عندما قدّم الراحل حسين العودات وميشيل كيلو إلى اجتماع رسمي مع “التجمع” نص وثيقة “إعلان دمشق” الذي يرى الأستاذ جورج أنه انبثق من التطور الطبيعي لنضال المعارضة، على الرغم من حديثه بشيء من الاستخفاف عن “ورقةٍ” تحمل اسم “إعلان دمشق”، قدّمت إليه، ربما من رياض الترك، ولكن ليس بالتأكيد من “اللجان”، تخلو من التواقيع والتاريخ. كما لم يكن مبدأ التوافق معتمدا عام 2006، عند تشكيل هيئات “التجمع” الذي سيأتي الحديث عنه، أو بعد انطلاق الثورة.
بدايةً، لم يكن جورج صبرة في الاجتماع الذي قدّمت له “الورقة” التي تحمل اسم “إعلان دمشق”، وأملته فكرة التوافق، وأبلغ “التجمع” عندما قدمناها إليه، في اجتماع طلبت “اللجان” عقده في مقرّه في مكتب حسن عبد العظيم، أن الهدف منه هو إقرار أسس ومبادئ لا خلاف عليها بين أطياف العمل السياسي والمدني، تصلح للتوافق بين تنظيماتها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ولإقامة جبهة تضم جميع تشكيلات الطيفين، السياسي والمدني، لأول مرة بعد عام 1963، على أن تترجم في حواراتٍ لاحقة تشمل الجميع إلى مشتركاتٍ نضالية، برنامجية، لا خلاف عليها، كالموقف من النظام وبدائله، ونمط العلاقات المطلوبة بين أطراف المعارضة… إلخ، مع تجميد المسائل الخلافية إلى الفترة التالية لتوحيد عود المعارضة وتصليبه، وإقامة ميزان قوى جديد، يسمح بحوار حول مستقبل سورية، يلتزم بالمشتركات، مهما تباينت قراءاتها.
كانت هذه المبادئ في “الورقة” أربعة، صيغت في كلمات قليلة عبرت عّما لا يجوز أن يكون مختلفا عليه. وقد فاجأت الخطوة الجميع، سواء بإقرار لجان إحياء المجتمع المدني وجماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بصدر الدين البيانوني وزهير سالم لها، أم بنصها المقتضب الذي طالبنا “التجمع” بعقد لقاءات حوارية تترجمه إلى خطوات عملية، خلا بطبيعة الحال منها، أو لاستكماله بما ليس فيه، وفاجأهم أخيرا باسمه (إعلان دمشق)، لأن الخطوة لم تُناقش من قبل
معهم، أو تبدر عن أيٍّ منهم، لكنهم، والحق يقال، سعدوا بها وامتدحوها. كان هناك إذن إعلان دمشق قبل الصياغة التي عرفنا، فيما بعد، أن من وضعها هو جورج صبرة بتكليف من رياض الترك، وتضمنت تفاصيل تنتمي إلى القراءات، وليس إلى الأسس والمبادئ. ويمكن بالتالي أن تثير خلافاتٍ، أهمها الحديث عن الإسلام بصيغةٍ سياسية، لا لزوم لها ولم يطالب بها أحد، أدخلت الدين في السياسة والسياسة في الدين، من دون مسوّغ لذلك غير ترضية “الإخوان المسلمين” الذين وافقوا على “الورقة”، ووقعوها من دون أن يكون فيها كلمة واحدة عن الإسلام أو غيره من الأديان. يقول نص الأستاذ جورج إن الإسلام هو “دين الأكثرية وعقيدتها”، وهذا تحصيل حاصل، كالقول إن أغلبية السوريين عرب، لكنه تحصيل حاصل يثير، أو قد يثير، خلافات، لأنه ينتمي إلى القراءات التي يُفترض أن لا ترد في برنامج تغيير ديمقراطي، ينطلق من مسلّمةٍ ترى في العقيدة الدينية شأنا فرديا، لا يتعين النظام السياسي به، يفتح إيراده بالصيغة القطعية التي كتب بها باب الخلاف بشأن النظام البديل، علما أن البيانوني وسالم أبلغا الدكتور برهان غليون أن إيراده لم يتم باستشارتهما أو موافقتهما أو بطلب منهما، وإن كان جورج صبرة يعتقد أن موافقة “الإخوان المسلمين” عليه تكفي لنزع ما فيه من ألغام، فكأنهم المرجعية التي تكفي موافقتها لاعتبار النص صحيحا، أو لتجاهل ما قد يثيره وأثاره بالفعل من خلافات.
يذكر جورج صبرة أن ميشيل كيلو سأل عن مصير “الورقة”، فـ”أفدناه بأنها لا تلبي المطلوب، وليست مؤهلةً لتشكيل مشروع وطني جامع”. من هم الذين أفادوني؟ إذا كان الأستاذ جورج يتحدّث عن نفسه بصيغة الجمع، فهذا حقه، لكنه ليس بالتأكيد من “أفادوني” بما نسبه لنفسه، لأنني لم أكن أنا أو لجان إحياء المجتمع المدني على تواصلٍ معه بشأن “إعلان دمشق”، ولم أعلم أنه كلف بكتابة ما كتب، أو أنه صار في حينه مندوب الحزب الشيوعي في التجمع الوطني الديمقراطي، بدلاً من مازن عدي. وبالمناسبة، لم أسأل مرة واحدة، بل سألت منسق “التجمع”، حسن عبد العظيم، مراتٍ كثيرة عن “مصير الورقة”، لأن وقتا طويلا مضى من دون دعوتنا لمناقشتها. وحين دعينا بعد أشهر إلى مكتب حسن عبد العظيم، فوجئنا بالورقة التي قدّمت إلينا، تبادلنا الرأي، حسين وأنا، وكان رأيه أن “الورقة” ليست ما نريده، ثم اتفقنا على إقرارها إن كانت ستحقق الهدف من “إعلان دمشق”، أي التوافق بين جميع مكونات المعارضة
السياسية والمدنية ضد النظام.
بعد مضي وقت غير قصير، يتفق مع وتيرة عمل “التجمع” البطيئة، دعينا إلى منزل حسن عبد العظيم، لمناقشة كيفيات تطبيق ورقة جورج صبرة، أو حزب الشعب الديمقراطي. وبعد أشهر من الجلسات الأسبوعية، قدمنا خلالها باسم اللجان تصورا تنفيذيا، حل محل ميشيل كيلو في الحوار حازم نهار، ثم انقطعت صلتي بالموضوع بسبب اعتقالي، ثم استعيدت، بعد اعتقال قسم من الفريق الذي عقد مؤتمرا في بيت رياض سيف لمأسسة الإعلان، فإذا بهم يخبروني بما حدث، وملخصه استبعاد حسن عبد العظيم، لأنه لم ينجح في الانتخابات. عندما علمت بذلك، كان تعليقي: قدمنا مشروعا لتوحيد المعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فاستخدم لتمزيق المعارضة إلى أبد الآبدين، بما في ذلك التي تنشط منذ عام 1979 في إطار التجمع الوطني الديمقراطي. لذلك تستطيعون قراءة الفاتحة على روح مشروعنا، واعتباره كأنه لم يكن. وإذا كانت الورقة الجديدة قد استخدمت لتفريق من كانوا قرابة ثلاثة عقود شركاء في إطار تنظيمي موحد، كيف يمكن اعتبارها “إعلان دمشق”، وأي طيف سياسي ومدني ستوحد، إن كانت قد قوّضت “التجمع”. وأخبرني الزملاء يومها، ومنهم أحمد طعمه الخضر وعلي العبد الله، أن جورج صبرة لم يحضر المؤتمر.
عندما أعلن عن “إعلان دمشق”، بعد عودتنا من مراكش، وما كتبناه ونشرناه عنه باعتباره مشروعا، وبعد ما أثاره من اهتمام العالم به، وقيل، في حينه، إنه هو الذي لفت أنظار
“التجمع” إلى أهميته، وحفزه على تسريع انجازه، عرفت سورية ما يمكن اعتباره استمرارا لذلك الاهتمام الكاسح الذي حظي به بيان الألف وربيع دمشق، إلا أن الاهتمام خفت بعد المؤتمر، بسبب ما أعقبه من اتهامات متبادلة بين الجهتين الأساسيتين في التجمع الوطني الديمقراطي، والذي تقلص دوره هو أيضا بعد انفجار خلافاتٍ شخصية بين قطبيه الرئيسين، واتهام أحدهما الآخر بأنه زار إسرائيل، ورد الثاني باتهام غريمه بالعمالة للمخابرات. واليوم، يعتبر “إعلان دمشق” في حكم الميت سريريا، بسبب ضمور دوره في التمرّد الثوري، والذي كان يتطلب من يرتقي به إلى مستوى ثورة حقيقية ومنظمة، عبر برامج وخطط وقيادة ثورية، ولكن المعارضة، بجميع فصائلها، بما في ذلك المدني منها، فشلت في أداء هذه الوظيفة، بينما كان الإسلاميون يحذفون القطاع المدني والحديث من التمرّد الذي قدم برنامجه العظيم “الحرية للشعب السوري الواحد”، ويسلمونه إلى الفئات المذهبية والمحافظة، المعادية للحرية ولوحدة الشعب، وشدّت التمرد الشعبي الثوري إلى فخ الاقتتال الطائفي/ المذهبي الذي نصبه النظام له، وأدخل إليه قوى تنتمي إلى الثورة المضادة، تمثلت بقطاع من “أحرار الشام”، ثم بـ “جيش الإسلام” وعشرات التنظيمات المشرعة الأبواب على العسكرة والمذهبة، ووصلت إلى جبهة النصرة و”داعش”.
لم يلاحظ جورج صبرة المصير الذي آل اليه إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، واحتفي به وكأن نشاطه يملأ سورية ويلهم شعبها، بينما كان منتظرا من كاتب القصة أن يكتبها كاملة بحق، وأن لا يغيّب أدوار من صنعوا القسم الاكبر من الحراك السوري بعد عام 2000، ولا يُنهي حكايته بهذا النقص المخيف، والذي جعله حكاية لا أعرف من سيفيد منها، بدأت بعزو الحراك إلى “لجنة ” تنفيذية لم تقرّر شيئا، وأنهاها بأنشودةٍ عن ماضٍ لم يوفق في المحافظة على وحدة من اجتمعوا منذ عام 1979، في التجمع الوطني الديمقراطي، ناهيك عن الالتزام بـ”ورقة” إعلان دمشق ومشروعها، والتي ترتبت عليها نتيجة وحيدة، شق المعارضة إلى زمنٍ لا يعرفه غير الله.
ملحق
عندما قامت المظاهرات منتصف مارس/ آذار عام 2011 اجتمع ستة مثقفين: حسين العودات، وحبيب عيسى، وحازم نهار، وعارف دليلة، ومازن عدي، وميشيل كيلو، وانضم إليهم في ما بعد فايز سارة، لتدارس فكرة إنشاء “هيئة مشتركة” تنسق أعمال “إعلان دمشق” و”التجمع الوطني الديمقراطي”، وتشكل قيادةٍ للحراك منهما، على أساس ورقةٍ سياسيةٍ كتبها حازم نهار، ثم كتب ورقتين إضافيتين، من دون أن يفلح المبادرون إلى توحيد الطرفين في
جمع قائديهما، رياض الترك وحسن عبد العظيم، ولو مرة واحدة طوال ستة أشهر. أخيرا، وبعد جهود ، وافق الطرفان، خلال اتصالات بالواسطة، على تشكيل الهيئة المرجوة من ستة أعضاء من التجمع الوطني الديمقراطي وستة من إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي وسبعة من لجان إحياء المجتمع المدني، بالإضافة إلى رياض الترك والمحامي حسن عبد العظيم. في الاجتماع التالي، جاء من يبلغ المجتمعين في منزل طارق أبو الحسن في المزّة أن هناك رسالة من “الإعلان” إلى الاجتماع. وبالفعل، جاء سليمان الشمّر إلى الاجتماع، فسلم الرسالة وانصرف. تلك كانت نهاية المحاولة. وهذه الواقعة كان يجب أن تلفت أنظار الأستاذ جورج وهو يكتب “القصة الكاملة”، وأن يختتم نصه بها، بدل الأهزوجة الانتصارية التي أنهاه بها، غير أنه لم يفعل، ربما لأنه لم يعلم بما جرى خلال الأشهر الستة التي اجتمع القوم من دون جدوى خلالها، أو لأنها لا تتفق مع قراره اعتبار مؤتمر “إعلان دمشق” نقطة تحول مفصلية في تاريخ سورية، بدل الاعتراف بأن نتائجه لم تتفق ورهان “ورقة” الإعلان الأصلي، وأنها لم تقوّض قدرة المعارضة على توحيد جهودها وحسب، وإنما قوّضت قدرتها على مواكبة حدث تاريخي فريد، هو تمرّد الشعب الثوري الذي وحّد بعفوية المظلومين وفطرتهم قطاعات الشعب الكبرى، بينما لم يقبل قائدا “إعلان دمشق” و”التجمع” مجرد اللقاء، والتفاهم على ما هو مطلوب منهما من توافق ودور، في لحظةٍ مفصلية سيتوقف على مآلاتها مصير شعبنا ووطننا.
2019