ولم يكن سلوم الضحية الوحيدة، إذ نجح المحامي في خداع آخرين بمجموع مبالغ وصلت إلى 400 ألف دولار بحسب ما أكده الضحايا الذين صادفهم أثناء البحث عن المكتب الذي سمع عن انتقاله إلى أنقرة مستغلاً موسم الصيف لاصطياد الباحثين عن اللجوء.
حالمون ببيت صغير في كندا
ما أن أعلنت الحكومة الكندية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على لسان وزير الهجرة أحمد حسين، عن استعداد بلاده لاستقبال 40 ألف مهاجر إضافي سنوياً بدءاً من العام 2019 وحتى 2021، حتى ظهرت العديد من الصفحات التي تدعي تسهيل الهجرة إلى كندا، إذ رصدت معدة التحقيق 6 صفحات على موقع “فيسبوك”، وحسابين شخصيين ومجموعات مغلقة من الصفحات التي تستهدف السوريين المقيمين في تركيا بوعود سهلة للسفر واللجوء إلى كندا، من خلال تقديم عروض مزيفة وغير صحيحة، مثل صفحة “لجوء إلى كندا وجميع دول أوروبا” والتي تدعي إعطاء الفيزا خلال 15 يوما، مقابل دفع 8 آلاف دولار، على أن يكون السفر عن طريق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، علما بأن السفر عن طريق المفوضية، يتم بدون تكلفة، فضلا عن أن المدة الزمنية التي يحددها الإعلان غير منطقية ولا تكفي لدراسة الملف وانتقاله من السفارة إلى دائرة الهجرة داخل كندا وفق ما تؤكده مصادر التحقيق، ومن بينهم المحامي والترجمان المحلف في تركيا حيدر هوري، الذي تسلم 7 قضايا نصب من هذا النوع، كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا أن “سبب انتشار هذه الظاهرة، يعود إلى استغلال رغبة الناس بالخلاص من الفقر وتبعات الحرب، فالعديد من الضحايا يضطرون إلى بيع ممتلكاتهم في سورية بأبخس الأثمان لتأمين المبلغ”.
ويعاني من تم النصب عليهم من استحالة استعادة أموالهم التي تشكل في كثير من الأحيان كل ما يملكون، وهو ما يفسره المستشار القانوني المتخصص في شؤون الهجرة واللاجئين الأجانب، المحامي التركي بيلجه كآنچاليك قائلا: “الأموال إذا لم يتم دفعها بموجب سندات قبض أو إيصالات بنكية، تستحيل استعادتها”، مضيفا أن عدداً من مكاتب الصرافة والحوالات المالية التي تعمل خارج نطاق القانون تساعد هؤلاء النصابين على تحويل أموالهم.
استهداف عبر فيسبوك
ما تعرض له سلوم من نصب واحتيال تكرر مع 6 حالات لسوريين في تركيا يرغبون باللجوء إلى كندا، ومنهم منى عمر التي مرت بتجربة مماثلة لكن طريقة النصب تختلف. إذ رصد أحد العاملين في شبكة تعمل ما بين إسطنبول ومونتريال تعليقاً لها على منشور في إحدى مجموعات “فيسبوك”، تساءلت فيه عن طريقة ما، أو شخص يساعد عائلتها بالسفر إلى كندا، ورد عليها شخص مؤكداً أنه يعرف امرأة ستساعدها، وبالفعل تمت مراسلتها من قبل فتاة، ادعت أن قريبها يعمل في القنصلية الكندية وبإمكانه إدراج اسمها ضمن لائحة اللجوء إلى كندا، ثم زارتها الفتاة في منزلها وتكلمت مع سوريين مقيمين في مونتريال الكندية وأكدوا وصولهم إلى كندا بعد دفع مبلغ 5 آلاف دولار عن العائلة الراغبة في اللجوء في كندا للبدء بالإجراءات كما تقول، مضيفة: “وثقت بها لأنها ستعطينا وصولات استلام مقابل المبلغ، وقالت إننا نستطيع استرداده من القنصلية في حال فشل اللجوء، وما إن استلمت المبلغ حتى أغلقت حسابها على “فيسبوك” وجرى إلغاء برنامج “واتساب” من الرقم الكندي الذي اتصلت به”.
إجرءات اللجوء الصحيحة
حتى نهاية عام 2017 استقبلت كندا 54 ألف لاجئ سوري مكفولين إمّا من الحكومة الفيدرالية أو من مجموعات محلية خاصة في إطار برنامج خاص بالسوريين الذين لجأوا إلى لبنان والأردن وتركيا وسجلوا أسماءهم لدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وفق ما رصده مركز بيو للأبحاث.
وتتم عملية اللجوء في كندا عبر منظمات أممية تتولى هذه المهام بموجب اتفاق مع الدولة التركية كما يوضح المحامي كآنچاليك، داعيا الراغبين في الانتقال إلى كندا إلى عدم التعاون مع هذه المكاتب، قائلاً “يتعاون مكتب الأمم المتحدة مع الحكومة التركية لمنح اللاجئ ورقة تسجيل، بناء على مقابلة ودراسة حاله، ليتم دعم التسجيل وتقديم أي تعاون مطلوب للتوطين والاعتراف باللاجئ بحسب برنامج تدريب ورعاية اللاجئين RSTP”.
وتمنح كندا إقامة دائمة مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد بمجرد الوصول إليها، وإذا حقق اللاجئ 1100 يوم بدون مغادرة يحق له التقديم على الجنسية، ومن يملك إقامة دائمة يصبح كالمواطن الكندي ماعدا حق الانتخاب، وفق ما قاله لـ”العربي الجديد” السوري معاذ حبش الذي وصل مع عائلته إلى كندا في مايو/آيار 2018، بعد أن استطاع تأمين كفالتهم من قبل 5 أشخاص كنديين.
وقال معاذ الذي نجح باللجوء إلى كندا عبر إسطنبول: “تطلب دائرة الهجرة في كندا من الكفلاء الخمسة تأمين مبالغ تقدر بـ 25 ألف دولار كندي لي ولزوجتي وطفلتي، وتتم الإجراءات عن طريق 3 مراحل تكون الأولى عن طريق دراسة الملف في دائرة الهجرة في كندا ومن ثم دراسة الأوراق المقدمة إلى القنصلية الكندية في إسطنبول وأخيرا مقابلة بالقنصلية وفحص طبي عام ومن ثم يأتي القبول، حيث تستغرق هذه العملية حوالي سنة و10 أشهر”.
العقوبات القانونية
لا تقتصر ظاهرة النصب على الراغبين في الهجرة إلى كندا على السوريين إذ تلقت لجنة المستشارين (ICCRC) في المجلس التنظيمي للهجرة الكندي 1710 شكاوى ضد الاستشاريين خلال 6 سنوات، ومنها 500 شكوى ما تزال قيد التحقيق بحسب تأكيد لورانس باركر، المدير التنفيذي لمستشاري الهجرة الشرعية إلى كندا، لافتا إلى أن اللجنة تتلقى 300 شكوى احتيال في السنة، ويؤكد تقرير اللجنة الدائمة عن الجنسية والهجرة في مجلس العموم الكندي الصادر في يونيو/حزيران 2017، أن وكالة خدمات الحدود الكندية CBSA لديها 126 تحقيقًا نشطًا في جرائم متعلقة بمستشاري الهجرة، بينما رصد جهاز الاستخبارات الكندي 1600 شكوى بحق محامين ومستشارين للهجرة من بين 3600 محام ومستشار هجرة خلال 5 سنوات، بحسب التقرير ذاته.
وتنص المادة 79 من قانون العقوبات التركي رقم 5237 للعام 2005 المعني بتهريب المهاجرين، على عقوبة تتراوح بين 3 و8 سنوات سجن لمهرِّبي المهاجرين، وزيادة بمقدار النصف من مجمل فترة العقوبة في حال كان المحكوم عليه يعمل ضمن عصابة منظمة بحسب المحامي التركي كآنچاليك، مشيراً إلى أن العمل بهذه المكاتب الوهمية التي تخدع الحالمين بالهجرة واللجوء في كندا يدخل ضمن عمليات “تهريب المهاجرين”.
رد السفارة الكندية
يعاقب القانون الكندي من يخدعون الراغبين في الهجرة بغرامة تصل إلى 100 ألف دولار، والسجن لمدة عامين، وفق المادة 21 من قانون الجنسية التابع لقسم 91 من قانون الهجرة وحماية اللاجئين في كندا.
وتمر عملية قبول اللاجئين في كندا عبر إحالة الملف من قبل المكتب المحلي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو عن طريق برنامج التعهد بالكفالة المقدمة من قبل مواطنين كنديين أو مؤسسات خاصة إلى مركز إعادة التوطين في أوتاوا بحسب الرد الذي تلقته معدة التحقيق من السفارة الكندية في أنقرة.
وأوضحت السفارة الكندية في ردها، أنه لكي يتم النظر في برنامج اللاجئين المدعوم من الحكومة، يجب على مقدم الطلب الحصول على وضع اللاجئ لدى UN والتسجيل لدى المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية DGMM ويتم بموجب برنامج مساعدة اللاجئين GAR الحكومي، إحالة اللاجئين إلى كندا لإعادة توطينهم من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبالتالي يمكن الحصول على الإقامة الدائمة في كندا ويعلق جورج سلوم على ما سبق بأنه كان يتمنى معرفة تلك الإجراءات قبل أن يتورط ويفقد ماله إذ لم يجد حلاً أمامه سوى العودة إلى سورية.