جسر: رأي
توشك أغنية الشيطان الجهادية على السقوط، في الصورة التي قدّمها تنظيما داعش وجبهة النصرة، بعد أن أدّيا دورهما ضد ثورة الحرية التي قام بها السوريون لاسترداد حقهم في الحياة والكرامة الإنسانية.
ويتجلى السقوط أول ما يتجلى في المستوى الرفيع من الاستبداد البعثي الذي مارسته “النصرة” على الخاضعين لسيطرتها من سكان المناطق التي ابتليت بسلاحها، والمستوى القمعي الذي تمتع به قادتها، وفرضوه على عناصرها، وتتصف به عادة عصابات الطغيان وأخوياته، في تعاملهم مع الشعب الذي سقط أسيرا لهم، أم مع أتباعهم الذين يحولونهم إلى أدوات قتل وإجرام مسلوبة الإرادة والعقل، تفتك بمن يوهمونهم أن “جهادهم” مكرّس للدفاع عنهم من السوريين، بينما المنتفع الوحيد منه هو السلطة الأسدية التي أطلقتهم من سجونها إيمانا منها بدورهم في إنقاذها، وهو ما فعلته مجموعة من التنظيمات المتأسلمة المتعسكرة، أهمها جبهة النصرة.
كما يتجلى في بأسها على من يُفترض أنهم شركاؤها في الجهاد، وتخاذلها أمام النظام كعدو مزعوم. دمرت “النصرة” وقتلت واعتقلت وهجّرت أعضاء عشرين فصيلا، وصادرت سلاحها، وأعلنت حلها بحجة دفع الفصائل وتوحيد الجهاد. وما إن انفردت قيادتها بالسيطرة على الشمال السوري، حتى صالت مليشيا الأسد وجالت على هواها، لأن الجولاني كان يمنع الفصائل الأخرى إما من الوصول إلى أرض المعركة، أو يمتنع هو نفسه عن استخدام ما لديه من قوة، للانخراط الجدّي في القتال، فلا عجب أن قاتل جيش العزة قتالا أسطوريا في السكيك وما حولها، بينما تقدّمت العصابات الأسدية في الهبيط ومنطقتها، وكأنها في نزهة، حيث كانت “النصرة” تقوم بـ “جهادٍ” لم يفد منه أحد غير البعث الأسدي، كما حدث في كل مكانٍ جاهدت فيه من الجنوب إلى الغوطة وصولا إلى الشمال، حيث انسحبت قبل عام من عشرات القرى في شرق السكة ومنطقة أبو الضهور، بعد بعض المعارك المتدنّية المستوى، بينما كان أتباعها يحتلون مواقع التواصل الاجتماعي، وينشرون أكاذيب تليق بالجبناء، مماثلةً لأكاذيب جيش الأسد عن حروبه مع إسرائيل التي كانت تختتم دوما بالإشادة بالقيادة، في حين اختتم كذبة “النصرة” أكاذيبهم الحربية بطلب الدعاء للمجاهدين، لحجب فضيحة تسليم مناطق بلا قتال، وما يعنيه ذلك من خدمةٍ للنظام الأسدي، وتبرير أساليبهم الوحشية في بسط سيطرتهم على المناطق التي يروّعونها بحواجزهم واعتقالاتهم وسجونهم، وكفّرت الشعب بهم وبجهادهم، وأقنعت كثيرين منه بأنهم انتقلوا من استبدادٍ إلى استبدادٍ لا يقل فظاعة عنه.
ويتجلّى السقوط ثالثا في موجات الرفض الشعبي التي مثلت، في الآونة الأخيرة، نوعا من استفتاء وطني على جهاد “النصرة” وسياساتها ودورها القتالي، وأعلنت خروج ملايين السوريين من زمن الخوف الجديد الذي فرضته عليهم بعد خروجهم من خلال ثورة الحرية على زمن الخوف الأسدي. خرج الشعب مطالبا بخروج “النصرة” من قراه وبلداته ومدنه، وعندما هدّدهم بعض قادتها من الأغراب الذين ابتليت الثورة بسخافاتهم الشرعية بـ “سيف علي”، انكشف دور هؤلاء الأسدي على حقيقته، بينما أفصح السوريون عن موقفهم من دور “النصرة” عدوا داخليا للثورة.
أخيرا، تجلى السقوط في الشهادات التي قدّمها بعض قادتها، كأبي العبد، أشداء، على دور الجولاني الذي يكمن في منع القتال ضد عصابات الأسد، بحرمان المقاتلين من مستلزمات القتال، ناهيك بالانتصار، ودفعهم إلى موت مؤكّد، وهم في أسوأ حال قتالي.
يتلاعب الجولاني، منذ بعض الوقت، بكلمة الثورة، ليستغفل السوريين ويقنعهم بأنه عدو عدوهم، كأن مظاهراتهم لم تخبره من هو، ولم يرفضوه أسديا احتل ما انتزعوه من سيده من حريتهم، وها هو يهدّدهم بسيف علي الذي يجز الأسد أعناقهم به منذ نيفٍ وثمانية أعوام.
العربي الجديد 14 أيلول/سبتمبر 2019